في عمق جبال الأطلس الكبير، وعلى بعد حوالي 80 كيلومتراً جنوب شرق مدينة تارودانت، تقع قرية “تيزي نتاست”، نقطة عبور جبلية معروفة بتضاريسها الوعرة وطبيعتها السّاحرة. إلا أن زلزال 8 شتنبر 2023 حوّل هذه المنطقة من رمز للجمال الطبيعي إلى صورة حيّة لمعاناة إنسانية ما تزال آثارها قائمة إلى اليوم.
وتبعد “تيزي نتاست” بنحو ساعتين ونصف بالسيارة عن تارودانت عبر طريق جبلي متعرّج. هذه العزلة الجغرافية جعلت من الوصول إلى تلك المناطق تحدياً كبيراً. فالطرق المتضررة نتيجة الانهيارات الصخرية زادت من صعوبة الوصول إلى تلك المناطق المنكوبة التي ما تزال آثار زلزال 8 شتنبر 2023 بادية على الطريق والمنازل المهدمة، إلا من بنايات مشتّتة باشر أصحابها إعادة بنائها، تندب حظّها العاثر من التنمية.
يقول عمر باحمان، وهو أحد سائقي سيارات النقل المزدوج: “الوصول إلى تيزي نتاست يحتاج إلى شجاعة وصبر. الطريق خطير والظّروف الجوية تزيد الوضع تعقيداً”.
في الطّريق إلى بلدة “تيزي نتاست”، المكونة من دواوير “تغرات”، و”إغيل نومكون”، و”تاشكا”، وإيمي نتيارت”، وهي بلدات شهدت جميعا دماراً شبه كامل، حيث تضررت المنازل الطينية التقليدية التي كانت تأوي العائلات البسيطة، وتعرضت البنية التّحتية الضّعيفة أصلاً لضربة قاسية، ما تزال آثارها تندب حظّها العاثر من ندوب زلزال دمّر الحجر والشّجر وقتل البشر وأعاق أخرين.
عن ذلك، يقول الحاج إبراهيم، أحد سكان دوار إغيل نومكون: “انقلبت حياتنا في لحظة. فقدنا منازلنا، وبعضنا فقد أفراداً من أسرته. نعيش اليوم في خيام غير صالحة لمواجهة البرد القارس”، ولم نقو على بناء سكن”.
في دوار تاشكا، تسرد فاطمة، ذات الـ48 عاما، وهي أم لخمسة أطفال، قصّتها بصوت متهدج: عندما بدأ الزّلزال شعرنا وكأّن الجبل ينهار علينا. ركضنا في الظّلام ونحن نحمل أطفالنا وما زلنا إلى اليوم. فقدنا منزلنا وكلّ ما نملك. الآن أعيش مع أطفالي في خيمة صغيرة. لا ماء، ولا كهرباء، ولا أمل قريب في العودة إلى الحياة الطّبيعية، ولا طريق ولا مؤونة، فآثار نفسية واجتماعية ما تزال لم تندمل جراحها وآلامها بعد”.
وفي دوار “إيمي نتيارت”، الذي يعتبر من أكثر الدواوير تضرراً، التي تحولت المنازل إلى أنقاض، فصار السكان يعتمدون كلياً على بعض المساعدات الإنسانية، منهم من اقتنى دراجة هوائية بالدفعة الأولى من دعم السكن، لأنه لم يجد ما يقتات به ويؤمن به حياته وحياة أسرته. يقول يوسف، شابّ في الثلاثين من عمره: “كنّا نعيش حياة بسيطة لكنها مستقرّة. الآن أصبحنا لاجئين في أرضنا”.
وعلى الرّغم من الجهود المبذولة، غير أن عملية إعادة الإعمار لم تنطلق بالشكل المطلوب، والوثيرة التي يروج لها، يؤكّد النّاشط المحلي علي أومربيط أن “الأهالي يشعرون بالإحباط. هناك نقص في التنسيق وتأخر في تنفيذ الوعود الحكومية، خاصّة فيما يتعلق بإعادة بناء المنازل وتأهيل الطّرق القروية التي تزداد سوءا أكثر ممّا كانت عليه”.
ومع قدوم فصل الشّتاء، تتفاقم معاناة أهالي بلدات ومداشر “تيزي نتاست”، مع البرد القارس في الجبال، حيث يجعل الحياة في الخيام شبه مستحيلة. تضيف فاطمة: “أطفالي يمرضون باستمرار بسبب البرد، ولا نجد أي وسيلة لتدفئتهم”، وهو ما حول أرضا خلاء إلى حيّ من الخيام يقطنها الأهالي، بجوار وحدات مسبقة الصّنع لمركزية مجموعة مدارس “تيزي نتاست”، التي تهدمت مدرستها، على الطريق المؤدية إلى بلدة “شافرني”.
في زيارة موقع “لكم” للمنطقة، ناشد عدد من أهالي “تيزي نتاست” ودواويرها يناشدون السلطات والجمعيات الخيرية بالإسراع في تقديم الدعم. الحاجة ملحة لبناء مساكن مقاومة للزّلازل، وبناء المدارس، وتوفير الخدمات الصّحية الضرورية.
في قلب الأطلس الكبير، ماتزال تيزي نتاست، في أرياف تارودانت، تقاوم آثار كارثة الزلزال، ممسكة بخيط رفيع من الأمل. ما تحتاجه اليوم هو التفاتة جادة وشاملة لإعادة الحياة إلى طبيعتها، ولتكون قراها شاهدة على قدرة الإنسان المغربي على النهوض من تحت الأنقاض رغم كل الآلام لتحقّق الأمل.