في عملية نوعية جديدة تعكس يقظة الأجهزة الأمنية المغربية، تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائي، مؤخرا، من تفكيك خلية إرهابية خطيرة بمنطقة حد السوالم، كانت تخطط لتنفيذ عمليات تفجيرية تستهدف منشآت أمنية وأسواقًا ومرافق عمومية.
العملية، التي جاءت بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أحبطت مخططًا كان في مراحله الأخيرة، حيث تبين أن عناصر الخلية، وهم أربعة متطرفين بينهم ثلاثة أشقاء، كانوا قد بايعوا تنظيم “داعش” في تسجيل مصور، ووثقوا إعلان مسؤوليتهم عن الهجمات التي كانوا يعتزمون تنفيذها.
خلال ندوة صحفية عقدت بمقر المكتب المركزي للأبحاث القضائية بالرباط، كشف مدير المكتب، حبوب الشرقاوي، أن أمير الخلية، وهو الشقيق الأكبر، كان يعتزم نقل أبنائه الخمسة إلى معسكرات التنظيم الإرهابي في منطقة الساحل، حيث يتم توفير بيئة معيشية لعائلات المقاتلين بهدف ضمان استمرارية التنظيم واستقطاب المزيد من العناصر.
هذا التوجه، وفق الشرقاوي، يمثل تصاعدًا خطيرًا في ظاهرة “الاستقطاب الأسري”، حيث لم يعد التطرف مقتصرًا على الأفراد، بل أصبح يمتد ليشمل أسرًا بأكملها، مما يشكل تهديدًا مضاعفًا للأمن الوطني.
وأضاف أن الأبحاث أظهرت أن الخلية كانت على اتصال مباشر بقيادات “داعش” في الساحل، الذين كانوا يشرفون على عمليات التوجيه والتأطير عن بُعد، وهو ما يعكس تطورًا جديدًا في أساليب التنظيمات الإرهابية التي تسعى لتوسيع نفوذها عبر استغلال شبكات التواصل الحديثة.
المعطيات التي تم التوصل إليها، حسب المتحدث ذاته، تفيد بأن عناصر الخلية كانوا قد بدأوا فعليًا في تنفيذ مراحل متقدمة من مخططهم، حيث قاموا بعمليات استطلاعية دقيقة لمجموعة من الأهداف المحتملة، التقطوا صورًا لمواقع حساسة، حددوا منافذ الولوج والخروج، ورسموا تصاميم تقريبية للممرات والمسالك التي كانوا يعتزمون استخدامها في تنفيذ عملياتهم.
وأكد الشرقاوي أن خطورة هذه الخلية لا تكمن فقط في مستوى الإعداد المتقدم لمخططاتها الإرهابية، بل أيضًا في طبيعة أفرادها، حيث يتشاركون في مستوى تعليمي متدنٍ، إذ لم يتجاوز الأشقاء الثلاثة المرحلة الابتدائية، بينما بلغ العنصر الرابع مستوى البكالوريا، كما أن وضعيتهم المهنية تتسم بالهشاشة، حيث يزاول معظمهم مهنًا متواضعة وعرضية، باستثناء أحدهم الذي توقف مؤخرًا عن أي نشاط مدر للدخل.
التحقيقات المرتبطة بهذه الخلية، وفقا للمتحدث ذاته، كشفت جانبًا آخر من خطورة الإرهاب العائلي، حيث تبين أن زعيم الخلية كان يسعى إلى جعل أسرته الصغيرة نواة للتطرف، مستغلًا سلطته داخل العائلة للتأثير على أبنائه وزوجته، وإقناعهم بأن الالتحاق بمعسكرات “داعش” هو الطريق الوحيد “للخلاص”.
هذا التوجه، وفق الشرقاوي، يعكس نمطًا جديدًا من التطرف، حيث لم تعد عمليات الاستقطاب تعتمد فقط على الدعاية عبر الإنترنت أو اللقاءات المباشرة، بل أصبحت تمتد إلى العلاقات الأسرية، مما يجعل التصدي لها أكثر تعقيدًا، نظرًا للروابط العائلية التي تعزز الولاء المطلق داخل الخلية الإرهابية.
من جهته أكد بوبكر سبيك، الناطق الرسمي باسم المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أن التشكيك في التدخلات الأمنية لتفكيك الخلايا الإرهابية هو بروباغندا مغرضة تسعى إلى تقويض الثقة في الأجهزة الأمنية، وخلق حالة من الشك بين المواطنين، مما يخدم بشكل مباشر أجندات التنظيمات الإرهابية.
وأوضح أن هذه المحاولات لا تهدف فقط إلى التشويش على العمل الأمني، بل إلى إفساح المجال أمام التنظيمات المتطرفة للتحرك بحرية أكبر والتخطيط لعملياتها التخريبية دون ضغط أمني.
مضيفا أن السلطات الأمنية تعمل بشكل مستمر على محاربة هذه الدعاية المضللة من خلال تقديم معطيات دقيقة وشفافة حول العمليات الأمنية، وعرض المحجوزات التي يتم ضبطها، بما لا يترك مجالًا للشك في أن التهديد الإرهابي لا يزال قائمًا ويتطلب يقظة دائمة.
إحباط هذا المخطط الإرهابي يؤكد مرة أخرى أن المغرب، بفضل يقظة أجهزته الأمنية وخبرتها في مكافحة الإرهاب، يظل قادرًا على التصدي للتهديدات المتطرفة قبل تحولها إلى واقع دموي.
لكن في ظل التطور المستمر لأساليب التنظيمات الإرهابية، خصوصًا على مستوى التجنيد العائلي، فإن الحاجة باتت ملحة إلى تعزيز الجهود المجتمعية لمكافحة الفكر المتطرف، من خلال توعية الأسر بمخاطر الاستقطاب، ودعم الخطاب الديني الوسطي، وترسيخ قيم الاعتدال والانفتاح، لضمان تحصين المجتمع من أي اختراقات إرهابية مستقبلاً.