DR
مدة القراءة: 3′
تُستهلك الزميتة في مختلف أنحاء المغرب، حيث تتكيف تحضيراتها مع العادات المحلية. تُعد من الأطباق المفضلة خلال شهر رمضان بفضل قيمتها الغذائية العالية وقدرتها على الإشباع. وكانت في الماضي، غذاءً رئيسيًا للعمال الذين يقضون ساعات طويلة في العمل، كما كانت طعامًا أساسيًا للرحّل والمسافرين والجنود. مع مرور الوقت، أصبحت الزميتة جزءًا من المأكولات المتداولة في المناسبات الاحتفالية، مثل رأس السنة الأمازيغية، التي تُعد احتفالًا بحصاد الأرض.
تمثل هذه الأكلة رمزًا للوفرة والنماء في الحصاد، وتُعرض على مائدة “إيض يناير” إلى جانب أطعمة تقليدية أخرى مثل “إيدرنان” (خبز السلام)، والعسل، والزيوت (زيت الزيتون وزيت الأركان)، والفواكه المجففة المحلية. عادةً ما تُقدَّم هذه الأطعمة كتحية للضيوف قبل الانتقال إلى العشاء الذي يتضمن عادة الكسكس أو التاكولا أو الأوركيمين.
الزميتة.. أكلة مناسبة لجميع الفصول
يتم تحضير الزميتة من مزيج من الحبوب المحلية المطحونة مثل الشعير، واللوز، وبذور الكتان، والسمسم، بالإضافة إلى الأعشاب المجففة مثل الزعتر والنعناع البولي (النعناع ذو الأوراق المستديرة). في فصل الشتاء، يتم مزج الزميتة مع الماء الساخن وزيت الأركان لتحضير عجينة ناعمة أو سائلة، مما كان يساهم في مساعدة القبائل القديمة على مقاومة قسوة البرد وندرة الطعام.
مع مرور الوقت، تم إضافة مكونات أخرى مثل بذور الشمر، حب الأنيس، والصمغ العربي، مع إمكانية إضافة العسل، والسمن، أو زيت الزيتون حسب توافر المنتجات والمواسم. في الصيف، تُقدَّم الزميتة مع الحليب الرائب لتكون أخف في المكونات، وتساعد الزيوت والنعناع المستدير على تهدئة العطش والحرارة.
تعدد أسماء الزميتة في المغرب
تُعرف الزميتة في بعض المناطق المحلية بأسماء مختلفة مثل “تازميت”، “بسيس”، و”السفوف” و”سلو”، مما يعكس التنوع والعمق التاريخي لهذه التقاليد في التراث الوطني. رغم أن المراجع المكتوبة حول هذه الأطعمة القديمة نادرة، فإن الأدلة الشفهية والعادات الشعبية تشير إلى قبولها وتداولها بين السكان المحليين منذ قرون.
وفقًا للمؤرخ برنارد روزنبرغر في مقالته “التغذية في شوارع وطرق الغرب المسلم (القرن الثاني عشر – الثامن عشر)”، التي نشرت في كتاب “الأكل والشرب في إفريقيا قبل القرن العشرين”، أشار إلى وصف الطبيب الأندلسي في القرن الثالث عشر، ابن هلسون، الذي تحدث عن تحضير مشابه للزميتة. وكان هذا التحضير يتضمن تحميص الحبوب ثم طحنها، مما يشكل مؤونة ممتازة للرحلات.
كما أشار الباحث إلى وصف المستشرق الفرنسي جان ميشيل فينتور دي باراديس في القرن الثامن عشر، الذي ذكر أن العرب في مناطق شمال إفريقيا كانوا يستخدمون دقيق الشعير أو القمح المحمص مع التمر والتين المجفف والزيت أو الزبدة كطعام أساسي أثناء سفرهم.
في القرن الثامن عشر، وصف المؤرخ البريطاني توماس بيللو، الذي كان أسيرًا في المغرب، وصفة قديمة للزميتة في كتابه “تاريخ الأسر الطويل والمغامرات لتوماس بيللو”. كانت النسخة التي وصفها بيللو تتكون من بذور الشعير المحمصة على طريقة القهوة، المطحونة والممزوجة بالماء، وكانت تعتبر غذاءً أساسيًا للنساء بعد الولادة وللحجاج في رحلاتهم من وإلى مكة.
توجد العديد من النسخ الأخرى للزميتة في مناطق شمال إفريقيا تحت مسميات مختلفة، مما يعكس تنوع هذه الأكلة واستخدامها في ثقافات مختلفة.