السبت, يناير 4, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيالزلزال والجفاف والغلاء.. كيف صمد اقتصاد المغرب سنة 2024 في وجه الصدمات؟

الزلزال والجفاف والغلاء.. كيف صمد اقتصاد المغرب سنة 2024 في وجه الصدمات؟



في عام 2024، واجه الاقتصاد المغربي اختبارًا حاسمًا، لم يكن مجرد تقييم للأرقام والمؤشرات، بل كان بمثابة امتحان لقدرة المملكة على الصمود، والابتكار، والتكيف مع المتغيرات. لقد كانت سنة استثنائية، امتزجت فيها الآمال بالتحديات والفرص المتنوعة. وبعد الفاجعة التي أحدثها زلزال الحوز في نهاية العام السابق، نهض المغرب من تحت الأنقاض برؤية طموحة، وعزيمة قوية على إنعاش اقتصاده، على الرغم من وطأة الجفاف الذي أضر بالقطاع الزراعي.

ورغم الظلال التي خلفها الجفاف على النمو الفلاحي، فإن المغرب استطاع أن يحول الأزمات إلى فرص، ويترجم تحدياته إلى إنجازات ملموسة. كان عام 2024 هو العام الذي شهد تنفيذ المرحلة الثانية من ورش الحماية الاجتماعية التي تمكنت من الوصول إلى ملايين الأسر، لتكون جسرًا عبرت من خلاله المملكة إلى آفاق أوسع من الدعم والمساهمة في مساعدة الأسر. وفي الوقت نفسه، كانت المشاريع الكبرى في قطاعات أخرى كالصناعة، والطاقة المتجددة، والسياحة تسير بخطى واثقة نحو تحطيم الأرقام القياسية.

موسم فلاحي جاف

أشار المحلل الاقتصادي، محمد جدري، إلى أن الاقتصاد الوطني كان من المتوقع أن يحقق نسبة نمو تقارب 3.7% خلال السنة الجارية، إلا أن تأثير الموسم الفلاحي الجاف، الذي استمر للسنة السادسة على التوالي، كان له أثر بالغ. وأضاف أنه من المتوقع أن تنتهي السنة بنمو يتراوح بين 2.9 و3%، متأثرًا بشكل كبير بالجفاف الذي لم يشهده المغرب منذ أكثر من 25 عامًا.

وحول نسب البطالة، قال جدري إن المعدل ما يزال مرتفعًا عند 13.6%، مشيرًا إلى أن هذا الرقم يظل مقلقًا، رغم تسجيل بعض المؤشرات الإيجابية. ومن أبرز هذه المؤشرات، عودة التضخم إلى مستويات مقبولة، حيث بلغ المعدل بين 1 و2%، مقارنة بنسبة 6.6% خلال السنوات بين 2022 و2023، مسجلاً تحسنًا في وضع الميزانية، حيث أصبح عجز الميزانية تحت السيطرة، ومن المتوقع أن ينهي المغرب هذه السنة بنسبة عجز تصل إلى 4.4%، مع أمل في الوصول إلى نسبة 3.5% بحلول 2026.

وعن الوضع العام في القطاعات الاقتصادية المختلفة، قال جدري إن سنة 2024 تظل سنة متوازنة نسبيًا، حيث أضاف القطاع غير الفلاحي قيمة مهمة، رغم تراجع نمو القطاع الفلاحي بسبب قلة التساقطات، ما أثر بشكل مباشر على معدلات البطالة وزيادة تكلفة المعيشة، مما حمل الطبقات المتوسطة والفقيرة عبئًا إضافيًا بسبب غلاء الأسعار المستمر.

أما في ما يتعلق بالقطاعات غير الفلاحية، أوضح المحلل الاقتصادي أن الاقتصاد الوطني شهد تطورًا ملحوظًا في قطاعات متعددة، أبرزها صناعة السيارات، التي من المتوقع أن تتجاوز عائداتها 150 مليار درهم هذا العام. كما توقع أن يتجاوز قطاع السياحة حاجز 100 مليار درهم للسنة الثانية على التوالي، ويحقق قطاع الفوسفاط أرقامًا قياسية في مجالات الصناعات الاستخراجية.

ارتفاع الاستثمارات الأجنبية

أوضح مكتب الصرف أن صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة سجل زيادة ملحوظة بنسبة 55.1%، حيث وصلت إلى 15.21 مليون درهم خلال الفترة الممتدة من يناير إلى غاية غشت 2024، مقارنة بـ 9.80 مليون درهم في الفترة نفسها من العام الماضي، فيما سجلت إيرادات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب زيادة بنسبة 13.9%، ببلوغها 25.35 مليون درهم حتى نهاية أغسطس 2024، مقارنة بـ 22.25 مليون درهم في نفس الفترة من العام الماضي.

وحسب المصدر ذاته، فقد بلغت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج حتى نهاية أغسطس 2024 حوالي 80.96 مليار درهم، مسجلة زيادة قدرها 3.9% أي ما يعادل 3 ملايير درهم، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وفي السياق ذاته، أكد جدري أن تحويلات مغاربة المهجر شهدت نموًا كبيرًا بين 2019 و2024، إذ من المتوقع أن تتجاوز هذه التحويلات حاجز 120 مليار درهم.

وعلى صعيد صناعة الطائرات والنسيج، أضاف المحلل الاقتصادي أن المغرب يحقق أرقامًا كبيرة، والتي من الممكن أن تتجاوز صناعة الطائرات 45 مليار درهم، ما يعكس تقدمًا كبيرًا في التصنيع. في المقابل، أكد جدري أن القطاع السياحي يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهدافه، حيث من المتوقع أن يستقبل المغرب أكثر من 16 مليون سائح في نهاية هذا العام، ويأمل في بلوغ 17 مليون سائح بحلول السنة القادمة.

وفيما يخص التحديات المستقبلية، دعا محمد جدري إلى ضرورة حل مشكلة المياه في البلاد، مؤكدًا أن القطاع الفلاحي يحتاج إلى دعم أكبر من أجل المساهمة في رفع نسب النمو إلى 6 أو 7 أو 8%، كما هو موضح في النموذج التنموي الجديد.

صناعة السيارات

وفي معرض تصريحه، أكد المحلل الاقتصادي أن الاقتصاد الوطني في سنة 2025 سيظل متأثرًا بحالات عدم اليقين على المستوى العالمي، مشيرًا إلى أن هذه السنة ستكون أقل تأثيرًا من السنة الماضية، حيث كانت الموجة التضخمية مرتفعة. مضيفًا أن انخفاض معدلات الفائدة من قبل بنك المغرب، وهو ما يتوافق مع التوجهات العالمية، من شأنه أن يسهم في تحفيز الاقتصاد.

وتعد صناعة السيارات القطاع التصديري الأول في المملكة، بفضل منظومة صناعية شاملة تشمل المركبات وقطع الغيار الداخلية والخارجية، بقيادة شركتي “رينو” و”ستيلانتيس”، وتصل نسبة المكونات المحلية في منتجات هذا القطاع إلى 69%. في حين يقدر عدد الوظائف بنحو 230 ألفًا في حوالي 260 شركة، كما توفر هذه الصناعة قدرة إنتاجية إجمالية تصل إلى 700 ألف سيارة سنويًا، مع توقعات بأن يبلغ الإنتاج مليون وحدة في العام المقبل.

وفيما يخص تأثير الأزمات العالمية على الاقتصاد الوطني، أكد جدري أن الاقتصاد المغربي لم يتأثر بشكل كبير بارتفاع أسعار المحروقات، التي ظلت في مستويات مقبولة بين 80 و85 دولارًا للبرميل، رغم التوترات في أوكرانيا وغزة ولبنان، موضحًا أن المواد الأولية والطاقة حافظت على استقرار نسبي. لكن عوامل الجفاف الداخلية كانت لها تأثيرات كبيرة على المحاصيل الزراعية، وهو ما كان له انعكاس مباشر على الاقتصاد الوطني.

اعترف المتحدث أن الاقتصاد الوطني المغربي في سنة 2024 شهد مجموعة من التحديات الرئيسية التي تؤثر بشكل مباشر على نموه واستقراره، ومن أبرز هذه التحديات إعادة إعمار مناطق زلزال الحوز، الذي وقع في نهاية السنة الماضية، حيث بدأت عملية رفع الأنقاض ودعم الساكنة المتضررة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة، إلا أن عملية إعادة الإعمار تواجه العديد من المشاكل، من بينها التأخير في تنفيذ المشاريع.

ارتفاع نزيف البطالة

ومن جهة أخرى، تبرز ورشة الحماية الاجتماعية كأحد أبرز المشاريع التي شهدت تطورًا خلال العام الحالي، حيث تم تنفيذ المرحلة الثانية من هذا المشروع المهم. وحسب جدري، فإن الدعم الاجتماعي المباشر استفادت منه حوالي 4 ملايين أسرة.

من بين التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد الوطني أيضًا، هو تأثير الجفاف الذي يعصف بالقطاع الفلاحي، إضافة إلى التضخم الذي يعاني منه المواطنون، إذ يشير جدري إلى أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة للتحكم في التضخم ودعم القدرة الشرائية للمواطنين، لكن الوضع لا يزال صعبًا. “التحدي الأكبر اليوم يكمن في كيفية التعامل مع آثار الجفاف، الذي أثر بشكل كبير على الإنتاج الفلاحي”، يقول جدري.

وللإشارة، فإن معدل البطالة في المغرب ارتفع إلى 13.6% في الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة بـ 13.5% في نفس الفترة من العام الماضي. وأوضحت المندوبية السامية للتخطيط، يوم الاثنين، أن هذا الارتفاع يرجع إلى استمرار القطاع الزراعي في فقدان الوظائف بسبب الجفاف.

هذا، وتعد أوراش كأس العالم 2030 إحدى المحطات المهمة التي تميزت بها سنة 2024. وفي هذا السياق، يعلق المحلل الاقتصادي قائلًا: “تعد هذه السنة مفصلية بالنسبة للاقتصاد الوطني، حيث بدأ العمل على أوراش كأس العالم 2030، وهو ما يعكس طموح المغرب في تحقيق تقدم ملموس في مجالات متعددة.”

بالنسبة لعام 2025، يقول جدري إن هناك العديد من الأوراش الهامة التي يجب تنفيذها، ومنها تعميم معاش الشيخوخة وتعميم منحة فقدان الشغل، مع مواصلة إصلاحات قطاع التعليم والصحة. “سنة 2025 ستظل محكًا حقيقيًا للمملكة، حيث يتطلب الأمر مواصلة العمل الجاد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.”

ويرى الخبير الاقتصادي أنه من أولويات المملكة أيضًا، تعزيز قطاع صناعة السيارات، لا سيما السيارات الكهربائية، التي تشهد نموًا متسارعًا. كما يجب العمل على زيادة نسبة السياح في قطاع السياحة، وتعزيز الصناعة التقليدية وصناعة الألبسة والجلد، التي تشكل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد المغربي.

من جانب آخر، يؤكد جدري على أهمية مواصلة تطوير السياسة المائية من خلال ربط الأحواض المائية ومعالجة المياه العادمة وتحلية المياه، فضلاً عن بناء السدود الصغيرة والمتوسطة، ناهيك عن كون أن القطاع الطاقي لا يزال بحاجة إلى تحسينات كبيرة لضمان استدامة الاقتصاد المغربي.

دعم المقاولات

ويختتم جدري حديثه بتسليط الضوء على التحدي الأكبر المتعلق بفرص الشغل، قائلاً: “رفع فرص الشغل يجب أن يكون أولوية، من خلال دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز التوظيف في القطاع الفلاحي.” ويأمل المتحدث أن تصل نسبة النمو إلى 4.7%، رغم أن هذا يتوقف على الموسم الفلاحي، ولكن على أقل تقدير، يتوقع أن ينهي المغرب السنة بنسبة نمو تصل إلى 3.5% نتيجة لتحسن القيمة المضافة غير الفلاحية.

ورغم تبعات الأزمات الدولية التي عصفت بالاقتصاد العالمي، من الأزمات الجيوسياسية إلى التقلبات في أسعار الطاقة، فإن الاقتصاد المغربي وحسب المختصين بقي صامدًا، محافظًا على توازنه بفضل استراتيجيات عقلانية وتوجهات تنموية فاعلة. لم يكن عام 2024 مجرد سنة من الانتظار، بل كان عام تحول حقيقي، حيث أثبتت المملكة مرة أخرى قدرتها على الابتكار وإعادة التوجيه وفقًا للمتغيرات المستمرة.

جدير بالذكر أن المندوبية السامية للتخطيط أفادت في مذكرة إخبارية حول الوضعية الاقتصادية للفصل الثالث من سنة 2024، أن القيمة المضافة للقطاع الأولي (الذي يشمل الفلاحة والصيد البحري) تراجعت بنسبة 4.1%، بدلاً من تسجيل ارتفاع بنسبة 3.8% في نفس الفصل من العام الماضي. وعزت المندوبية هذا الانخفاض إلى تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 5.2%، بدلاً من الزيادة التي كانت قد بلغت 0.9% في العام السابق.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات