أكد الروائي المغربي عبد الكريم جويطي، أن “الرواية لا تسعى لاستعادة التاريخ من أجل الاستعادة فقط، بل لخدمة الحاضر”، مشيرًا إلى أن قوتها تكمن في قدرتها على السخرية والتنسيب واستكشاف التفاصيل البسيطة والمُهملة. ورد ذلك خلال محاضرة نظمها المعهد الملكي للبحث في تاريخ المغرب حول موضوع “الرواية والتاريخ”، يوم الجمعة 20 دجنبر الحالي بالرباط.
وقال جويطي إن “التاريخ يهتم بالأحداث الكبرى والشخصيات العظيمة، بينما الرواية تُنقذ الإنسان البسيط، الغفل والنكرة، من النسيان”. وأضاف: “الرواية مختبر يتجسد فيه العالم بكل عظمته وصغره، وحتى تفاهته.”
كما أبرز الحائز على جائزة المغرب للكتاب، أن الرواية في بعض الأحيان تمنح اهتمامًا للسلوكات البسيطة والمبتذلة في الحياة اليومية. وقال إن الرواية تُحكى عن أشخاص في الطبقات الدنيا أو المتوسطة، وتتناول تفاصيل حياتهم اليومية، مثل شخص ينهض ويخرج إلى المقهى، وغير ذلك من التفاصيل التي يتجاهلها المؤرخ.
وأوضح جويطي أن الرواية والتاريخ يختلفان جوهريًا في رؤيتهما للأحداث، قائلا: “هاجس المؤرخ الأساس هو الموضوعية؛ فهو يسعى لبناء معرفة تاريخية حول فترة معينة استنادًا إلى الوثيقة، الشهادة، والأرشيف”.
وأشار رواية “المغاربة” إلى أن معظم المؤرخين يستندون إلى الروايات في أعمالهم، مضيفا: “لا أتحدث عن ماركس كمؤرخ، ولكن في تحليله للطبقات الاجتماعية، اعتمد أساسًا على ما كتبه بالزك في الكوميديا الإنسانية”، مستنتجا أن كل فروع المعرفة، من السوسيولوجيا والأنتروبولوجيا إلى علم النفس وغيرها، تحتاج إلى الرواية لما تقدمه من عمق إنساني وتجسيد للعالم بكل تفاصيله.
أوضح الروائي المغربي أن فن الرواية يختلف عن الملاحم التاريخية التي ركزت على الأبطال والآلهة، حيث تحتفي الرواية بالإنسان البسيط الذي أخذ مقاليد مصيره بيده. وأشار إلى أن رواية “دون كيخوت” لثيربانتيس شكلت نقطة تحول في الكتابة، إذ جعلت الإنسان محورًا لتفسير العالم والتعامل معه كإشكالية.
وأضاف جويطي أن الرواية أوكلت إليها منذ ذلك الحين مهمة الكشف عن محنة الإنسان في الأزمنة المعاصرة، وتصوير حياته اليومية التي كانت مرفوضة في أدب الملاحم. وأكد أن الرواية تتمتع بقدرات متعددة، من بناء ذاكرة فردية وجماعية، إلى السخرية من أبطال مجدهم التاريخ، وتقويض الوثوقية التي يدعيها المؤرخون.
وأشار إلى أن الرواية كشفت عن الفظاعات التي ارتكبها الدكتاتوريون أكثر مما فعلت الأحزاب أو التقارير الرسمية، فضلاً عن توثيقها “وقائع صغيرة بلا مجد يمكن لكل واحد منا أن يجد نفسه فيها”.
وفي حديثه عن آلية السرد، أبرز جويطي أنها رافقت خروج الإنسان من الطبيعة إلى الثقافة، حيث استُبدلت النقوش على جدران المغارات بالقصص الشفهية، ما أتاح للغة تخليد التجارب الإنسانية. وقال: “الرواية والتاريخ يشتركان في السرد، ونحن ندين للسرد بإنسانيتنا. لم يكن بالإمكان نقل تجاربنا إلا من خلاله، فهو الذي بنى ذاكرتنا وإنسانيتنا.”