قال مصطفى الرميد، وزير العدل الأسبق والمحامي ببهيئة الدار البيضاء، إن “تعديلات المسطرة الجنائية جاءت بمجموعة من المضامين السلبية، ولعل أبرزها الفصل 3، الذي يغلّ يد النيابة العامة عن منع الجمعيات من وضع شكايات ضد ناهبي المال العام بالمغرب”.
وأضاف الرميد، خلال كلمته أمس الجمعة في ندوة نظمها قطاع المحامين لحزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء، تحت عنوان “قراءة في مشروع قانون المسطرة الجنائية 03.23” بدار المحامين، أن “هذا الفصل الذي تسعى الحكومة الحالية إلى فرضه في القانون الذي يوجد في طور التعديل، يناقض الفصل 12 من الدستور المغربي والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قِبَل المملكة المغربية”.
وقال وزير الدولة الأسبق في حقوق الإنسان: “نناشد عقلاء الدولة وندعوهم إلى التراجع عن هذه المقتضيات التي تضر بجسم التشريع المغربي”، مشدداً على أنه “يعوّل على هؤلاء العقلاء في الحاضر والمستقبل من أجل استدراك هذا الخلل التشريعي الفاضح”.
وأوضح الرميد أن “دور أي تشريع هو سدّ النقائص، وترميم الخلل، وتلبية احتياجات الأفراد والجماعات”، مضيفاً أن “أصعب إشكال في العدالة الجنائية يكمن في أن المحاكمة، التي تبدأ بالاستماع إلى المشتبه به وتنتهي بحكم قطعي في الموضوع، تعتمد بشكل أساسي على المرحلة التي يمر منها الشخص أمام الضابطة القضائية، سواء كان تحت تدبير الحراسة النظرية أو في حالة سراح”.
واعتبر الرميد أن “هذه المرحلة هي التي يتأسس عليها جلّ الأحكام التي يصدرها القضاء في الجنايات والجنح”، لافتاً إلى أن “هذه المرحلة يشتكي منها أصحاب الحق والباطل على حدٍّ سواء، علماً أن الآليات الأممية قررت معالجة هذا الخلل ضماناً لحقوق الأفراد والمؤسسات الأمنية”.
وأضاف المتحدث: “إذا كان الحوار الوطني سنة 2013 قد أفضى إلى التنصيص على ضرورة تسجيل عملية استجواب المشتبه بهم أمام الضابطة القضائية، فإن تعميق النقاش بخصوص مسودة 2015 أخذ بهذه التوصية، حيث تم التأكيد على تسجيل الاستجواب بالنسبة للأشخاص الموضوعين رهن الحراسة النظرية، مع الاعتماد على حضور المحامي أثناء استجواب الأشخاص في حالة سراح”، مشيراً إلى أنه “يتم وضع الشريط المسجل في غلاف مختوم، رفقة الوثائق المحالة على أنظار المحكمة”.
وأشار إلى أن “جميع هذه الاجتهادات القضائية تم نسفها في المادة 3-66 من المشروع الجديد للمسطرة الجنائية”، مضيفاً: “نعتبر ذلك تراجعاً غير مبرر، إذ تم حصر التسجيل في الجرائم التي تتجاوز عقوبتها 5 سنوات، إضافة إلى فرضه فقط أثناء قراءة الشخص للمحضر وتوقيعه أو الإبصام عليه”.
وشدد المحامي على أن “مشروع المسطرة الجنائية أخطأ موعده مع التاريخ الحقوقي للبلاد، نظراً لأن مضامينه تتنافى مع ما جاء في دستور المملكة وأيضاً مع توصيات الاتفاقيات الدولية”، معتبراً أن “هذه الاتفاقيات تؤكد أن أي محاكمة يغيب عنها المحامي منذ لحظة الاستماع إلى المشتبه به من قِبَل الضابطة القضائية، تُعدّ غير عادلة”.
وأضاف: “في محاكمة “حراك الريف”، كانت هناك انتقادات عديدة طالت أشواط المحاكمة من قبل مؤسسات أممية، بسبب غياب المحامي أثناء عملية الاستجواب من قِبَل الشرطة”، مشدداً على أنه “بمجرد غياب المحامي، تصبح جميع الادعاءات المتعلقة بالتعذيب أو غيره من الأساليب ممكنة”.
واختتم الرميد مداخلته قائلاً: “لا أفهم لماذا لم يتم الإقرار بهذه المواد التي تزيل الشبهات عن عدالتنا وعن عمل السلطات الأمنية”، مؤكداً أن “حريات الناس تثير علامات استفهام كبيرة حول مدى ضمانها”.