نظمت منظمة النساء الاتحاديات، يوم امس الخميس 31 أكتوبر 2024، ندوة فكرية في أحد فنادق مدينة الدار البيضاء تحت شعار: “أي وضع لحقوق النساء في ظل تراجع مؤشرات التنمية؟”، وذلك ضمن سلسلة أنشطتها الرامية إلى تعزيز الوعي بقضايا المرأة وحقوقها في المجتمع.
وشهدت الندوة مشاركة نخبة من الشخصيات المتخصصة والناشطين في مجال حقوق المرأة، حيث حضرها عزيز مشواط، أستاذ جامعي ورئيس مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية، وخديجة الرباح، المنسقة الوطنية لحركة من أجل ديمقراطية المناصفة، إضافة إلى حنان رحاب، الكاتبة الوطنية للمنظمة، ومحمد طارق، أستاذ جامعي متخصص في السياسات العمومية.
في بداية النقاش، استعرض المتحدثون مجموعة من الإنجازات والتحولات الإيجابية التي عرفها المغرب على مستوى حقوق المرأة على مدى العقود الماضية، وذلك بفضل حزمة من الإصلاحات القانونية والسياسات العامة التي سعت إلى تعزيز وضع المرأة وتمكينها في مختلف المجالات.
ومن أبرز هذه الإصلاحات جاءت مدونة الأسرة المعدلة عام 2004، والتي رسخت مبدأ المساواة في العديد من الجوانب الأسرية، مثل الزواج والطلاق وحضانة الأطفال، مما مثل نقلة نوعية في تعزيز موقع المرأة داخل الأسرة المغربية.
وعلى صعيد التعليم، ركزت الدولة على توسيع فرص التعليم للفتيات في مختلف المناطق، وهو ما ساهم بشكل ملحوظ في خفض نسبة الأمية بين النساء وزيادة معدلات التحاقهن بالمؤسسات الجامعية. وقد انعكست هذه الجهود بشكل إيجابي على مشاركة المرأة في سوق العمل، حيث باتت العديد من النساء يشغلن مناصب مهنية مرموقة ويسهمن بفعالية في الاقتصاد الوطني.
ومن جانب آخر، أُشير إلى دور برامج المقاولة النسائية التي قدمت الدعم المادي والتوجيهي لعدد من النساء الراغبات في دخول عالم ريادة الأعمال.
وقد حققت هذه البرامج نتائج إيجابية، إذ ساعدت النساء على تحسين أوضاعهن الاقتصادية وأسهمت في تحسين دخل الأسر وتقليص نسب الفقر.
وبالنسبة لمكافحة العنف ضد النساء، تطرق المشاركون إلى قانون 2018، الذي اعتُبر نقلة نوعية في هذا المجال، إذ وضع آليات واضحة لحماية النساء من العنف الجسدي والجنسي، مع تعزيز منظومة التبليغ والحماية القانونية.
وقد أشاد المتحدثون بهذه الجهود القانونية التي تتيح للنساء المتضررات من العنف اللجوء إلى الحماية القانونية بشكل أكثر فعالية، مما أسهم في تحسين الأمان المجتمعي للمرأة.
ورغم هذه الإنجازات، أشار الخبراء إلى أن مؤشرات التنمية لا تزال تكشف عن تحديات كبيرة تواجه النساء.
فعلى الرغم من ارتفاع معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة خلال السنوات الأخيرة، إلا أن هذا المعدل لا يزال أدنى من المتوسط العالمي، مما يعكس وجود تحديات اقتصادية واجتماعية تحتاج إلى معالجة شاملة.
كذلك، وعلى الرغم من التقدم الذي شهده تمثيل النساء في الساحة السياسية، خصوصًا بفضل تخصيص نسبة معينة من المقاعد البرلمانية للنساء، إلا أن هذا التمثيل لا يزال دون الطموحات المرجوة لتحقيق شراكة سياسية متساوية وفعالة.
في القطاع الصحي، تحدث المشاركون عن التحسينات التي طرأت على خدمات الرعاية الصحية، والتي أدت إلى انخفاض معدل وفيات الأمهات والأطفال بشكل ملحوظ، ما يُعدّ إنجازًا كبيرًا في تعزيز جودة حياة النساء.
ومع ذلك، لا تزال الفجوات قائمة، خاصة فيما يتعلق بتفاوت الرعاية بين المناطق الحضرية والقروية، حيث تواجه النساء في المناطق النائية صعوبات جمة بسبب ضعف البنية التحتية الصحية.
وبالنسبة للتفاوتات في سوق العمل، شدد المتحدثون على أن الفجوة في الأجور بين الرجال والنساء ما زالت تطرح تحديًا كبيرًا، حيث تشير البيانات إلى أن النساء يحصلن على أجور أقل من الرجال رغم تساويهن في المؤهلات والمسؤوليات، وهو ما يعكس اختلالًا في سياسات العمل وآليات توزيع الفرص.
كما لفت المتحدثون النظر إلى التحديات التي تواجه النساء في المناطق الريفية، حيث يعانين من محدودية فرص التعليم والعمل مقارنة بنظيراتهن في المدن.
ويمثل هذا التفاوت تحديًا كبيرًا للمساواة الشاملة، حيث تُحرم العديد من النساء في المناطق النائية من فرص تحقيق التنمية الذاتية والاقتصادية بسبب نقص الموارد والدعم.
وفي ختام الندوة، أجمعت الآراء على أن تحقيق المساواة الكاملة في المجتمع المغربي يتطلب جهودًا مستدامة وتعاونًا وثيقًا بين مختلف الأطراف، بما يشمل الجهات الحكومية والمجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية.
وأكد المشاركون أن الإصلاحات التي شهدها المغرب، رغم أهميتها، تحتاج إلى المزيد من الدعم والتفعيل على أرض الواقع لضمان تمكين المرأة بشكل فعلي في جميع مناحي الحياة.
وشدد المتدخلون على أن قضايا المرأة تظل محورًا أساسيًا في مسار تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، معتبرين أنه لا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية في المغرب دون النهوض بحقوق نصف المجتمع: النساء.
تأتي هذه الندوة كجزء من سلسلة جهود منظمة النساء الاتحاديات لتسليط الضوء على التحديات التي تواجهها النساء في المجتمع المغربي، والتأكيد على أهمية المضي قدمًا في إصلاحات جذرية تكفل تحقيق العدالة والمساواة للجميع.