يبدو أنه لم تبق فئة اجتماعية أو مستوى من مستويات الوظيفة العمومية لم تقم بالاحتجاج على تصرفات وسلوكات الحكومة، وكان آخرها فئة المتصرفين، التي ذهبت بعيدا في احتجاجها وبعد أن استنفدت كل أدوات الاحتجاج لجأت إلى مؤسسات الدولة الدستورية، وهنا يتعلق الأمر بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي توصل بشكاية معززة بالحجج المنطقية على أن الحكومة غير منصفة في التعامل معهم.
سجل المتصرفون في شكايتهم إلى أمينة بوعياش، رئيسة المجلس، أن الحكومة قامت بإخراج ومراجعة العديد من الأنظمة الأساسية وقامت بمراجعات لأجور الموظفين خارج أي تصور استراتيجي أو مقاربات ذات أسس مهنية وقانونية. وسجلوا أيضا التمييز والانتقائية في إخراج الأنظمة الأساسية.
لكن الأساس في كل ذلك هو تأكيدهم على عدم “العدالة الوظيفية”، حيث إن القانون والقواعد الدستورية يقضيان بأن الأجر متساوٍ للعمل المتساوي أو للعمل ذي القيمة المتساوية، وإذا كان هناك تفاوت في الأجر بين موظفين من نفس الفئة فهذا في نظر “أصحاب الشكاية” يناقض العدالة الوظيفية.
بغض النظر عن نسبة الصواب فيما طرحه المتصرفون، وبغض النظر عن ملفهم المطلبي، الذي يعرفه أهل الاختصاص، وبغض النظر عن طبيعة ومفهوم التساوي في الأجر مقابل التساوي في العمل، بغض النظر عن كل ذلك، يبقى الثابت في هذه القضية، هو الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع القضايا الاجتماعية، التي أوصلت كثيرا من الفئات إلى مرحلة التوتر والانفجار.
ما معنى أن تلجأ فئة اجتماعية من الموظفين إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان؟ لماذا لم تلجأ إلى مؤسسة أخرى؟
عمليا هناك مسارات يقطعها المتضررون في المطالبة بحقوقهم، وأول خطوة هي مخاطبة الوزارة الوصية على القطاع، ونعرف جيدا الطريقة التي تتعامل بها القطاعات الوزارية مع الموظفين بمختلف فئاتهم من صغيرهم إلى كبيرهم، وهي الطريقة التي أصبحت معروفة: عدم الاهتمام والصعود إلى الجبل وترك الناس تصرخ دون الاستماع إليهم.
لقد جربنا ذلك في كثير من القطاعات، وعلى رأسها قطاع التعليم، الذي عاش أزمة كبيرة، لو كانت الحكومة تقدر المجتمع وتحترم نفسها لقدمت استقالتها، بعد ضياع حوالي نصف سنة من الزمن المدرسي، وهو الملف الذي تدخل فيه الجميع بالإضافة إلى الوزير الوصي على القطاع تدخل الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير العدل وكان الجميع يجمع على قول واحد: لن يلوي أحد ذراع الحكومة وبعد أن ضاع التلاميذ في حقهم التعليمي لم يتم فقط لي ذراع الحكومة ولكن انحنت بشكل مطلق وتم ما أراد المحتجون.
والشيء نفسه يقال عن طلبة كليات الطب والصيدلة، الذين قضوا أحد عشر شهرا مضربين عن الدراسة ورأينا كيف تعامل الوزير الوصي على القطاع.
هذا الاستهتار بما يجري في المجتمع وما يدور مآله أن يخلق التوتر الذي يخلق بدوره القلاقل الاجتماعية، ويبدو أن الحكومة بإقرارها عدم “العدالة الوظيفية” تسعى لخلق مآسٍ اجتماعية.