في إقليم الفقيه بن صالح، حيث كانت الحياة تُولد مع شروق الشمس، يواجه المزارعون موسما قاسيا تطغى عليه مشاهد الجفاف. لقد جف ضرع السماء، وذبلت الأرض التي كانت يوما ما تفيض بالخيرات، ليجد المزارعون أنفسهم وجها لوجه أمام معاناة لا ترحم، تحكي قصة كفاحهم وصمودهم.
على تخوم قرية صغيرة في سبت أولاد النمة، يقف الحاج أحمد، وهو مزارع، بجوار بئر جافة، يحملق في التربة المتشققة وكأنها مرآة تعكس وجعه العميق.
بصوت تخنقه الغصة، قال: “هذه البئر كانت حياتنا. كانت تسقينا وتسقي مواشينا؛ لكنها أصبحت اليوم كأحلامنا، جفت وماتت”.
وفي زاوية أخرى من هذا الفصل القاسي، تحدث عبد السلام، مزارع خمسيني، مشيرا إلى قناة ري جافة تملأها الأحجار والأوساخ: “كانت المياه تتدفق هنا كالشرايين التي تمد الحقول بالحياة. أما الآن، أصبحت هذه القنوات مجرد أخاديد خاوية، لم يبقَ لنا شيء سوى مشهد أشجار الزيتون وهي تحتضر، كأنها تصرخ طلبا للماء”.
إن كلمات المزارعين انعكاس لحقيقة أشدّ مرارة. بعض التقارير تشير إلى انخفاض الإنتاج الزراعي بنسبة 60 في المائة، فيما جفّت أكثر من 70 في المائة من الآبار.. وهذا الوضع يختصره الحاج أحمد في جملة تحمل ألمه وألم جميع المزارعين: “الجفاف لم يأخذ منا الماء فقط؛ بل أخذ منا كل شيء: قوت يومنا، وحتى قدرتنا على الحلم”.
المشهد في الحقول أشبه برواية حزينة تكتبها الطبيعة بلا نهاية واضحة، أغصان الأشجار اليابسة تمتد كأنها أيادٍ تستنجد، والتربة المتشققة تعكس حجم الكارثة. المزارعون في مواجهة هذا الواقع القاسي يكافحون ويراقبون أرضهم تتحول إلى أطلال، في صمت يقتل الأمل شيئا فشيئا.
عبد السلام، في حديث يحمل غصة، يلخص المأساة قائلا: “نحن نقاتل وحدنا. لا يكفي أن تُطلق مبادرات عابرة. نحن بحاجة إلى خطط تُعيد الحياة للأرض. إلى برامج ري مستدامة، وإلى دعم حقيقي يُبقي جذورنا هنا”.
وفي الفقيه بن صالح، اضطر المزارعون إلى الاستدانة لشراء مضخات مياه، أو تعميق الآبار في محاولات يائسة لإنقاذ محاصيلهم.
مستريح البوهالي، مزارع من سبت أولاد النمة، قال إن “أكثر من 70 في المائة من أشجار الزيتون تضررت؛ 30 في المائة منها ماتت وتنتظر الاقتلاع. أما تلك التي صمدت، فتحتاج إلى ثلاث سنوات من العناية لتستعيد عافيتها”.
وبنبرة تفيض بالأمل والإصرار، أكد البوهالي أن “هذه الأرض هي جزء منا… لن نتخلى عنها ولن نرضى بالاستسلام. سنواصل نضالنا حتى آخر الطريق”.
وأضاف المزارع عينه: “صحيح أن سنوات الجفاف كانت قاسية علينا؛ لكننا لم نفقد الأمل”، لافتا في الآن ذاته إلى أن “الواقع يتطلب حلولا جادة وعملا حقيقيا، إلى جانب دعم متواصل من الدولة وتعاون المزارعين معا لإعادة إحياء هذه الأرض ورعايتها من جديد”.