أكد تقرير حديث صادر عن مؤسسة “GIS” (مؤسسة بحثية متخصصة في التوقعات الجيوسياسية والاقتصادية، وتتخذ من ليختنشتاين مقرًا لها) أن وتيرة التسلح التي انخرطت فيها دولة الجزائر تهدف إلى تحويل الأنظار عن الإحباط الاقتصادي، والوضع الداخلي الذي يعيشه هذا البلد، مبرزًا أن “إستراتيجية التسلح الجزائرية قد تبدو ظاهريًا موجهة لمنافسة المغرب على الهيمنة الإقليمية، إلا أنها قد تكون في الواقع تهدف إلى تذكير السكان المحليين غير الراضين بأن الحكومة المركزية مازالت تسيطر على الأمور”.
واعتبر التقرير أن “الجزائر، رغم الضغوط الاقتصادية مثل البطالة التي تجاوزت نسبتها خانة العشرات، خصصت ميزانية عسكرية قدرها 25 مليار دولار للدفاع العام الجاري، إذ إن وضعها ضمن قائمة أكثر الدول إنفاقًا عسكريًا على مستوى العالم ينظر إليه كإنجاز على المستوى المحلي”.
وتابع المصدر ذاته بأن “النظام الجزائري تبنى سباق التسلح مع المغرب بشكل علني، إذ يفخر الجزائريون بشراكتهم مع القوى العالمية الكبرى، ويؤكدون على علاقتهم المتنامية مع الصين التي تسعى إلى توسيع نفوذها”، مضيفًا أن “روسيا مازالت الشريك الرئيسي والمورد الأول للأسلحة للجزائر، إذ حافظت موسكو على علاقات قوية مع الجزائر منذ الحقبة السوفيتية؛ فيما تؤكد هذه الديناميكية على نمط ثابت، وهو أنه كلما كانت الأسلحة التي تمنحها روسيا للجزائر أكثر تقدمًا زادت الثقة المتبادلة، ما يعزز شعور الجزائر بالأمان في مواجهة التهديدات الإقليمية المحتملة”.
وأوضحت الوثيقة أن “أحد الأمثلة البارزة على هذا الاتجاه إمكانية حصول الجزائر على مقاتلات الجيل الخامس سوخوي-57 من روسيا”، وزادت: “في المقابل يتفاوض المغرب على شراء 32 طائرة مقاتلة من طراز F-35 Lightning II بتكلفة تقدر بـ 17 مليار دولار على مدى 45 عامًا، لتحل تدريجيًا محل أسطوله من مقاتلات F-16”.
وأبرز تقرير المؤسسة البحثية ذاتها أنه “رغم أن التوسع العسكري للجزائر يبدو غير متناسب مع بيئتها الإقليمية من حيث المخاطر إلا أن دوافع النظام تتطلب النظر إلى العوامل الداخلية، وإرث احتجاجات الحراك ما بين سنتي 2019 و2020، إذ خرج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشوارع متحدّين سلطة الحكومة بشكل مباشر، وهو ما لم ينسه النظام الذي شككت هذه الاحتجاجات في مركزيته، ما ألقى بظلال من الشك على الدور الأساسي للجيش في البلاد”.
وشدد المصدر ذاته على أن “الحفاظ على جيش حديث ومسلح بشكل قوي لا يتعلق بالنسبة للقيادة الجزائرية بالدفاع فقط، بل هو وسيلة للبقاء السياسي في الداخل، إذ يقدم الجيش نفسه على أنه حجر الأساس للاستقرار والسيادة الوطنية”، مشيرًا إلى أن “استعراض القوة هذا يستهدف أيضًا بقايا الجماعات المسلحة الإسلامية التي تحدّت النظام المدعوم عسكريًا، وأصبحت ضعيفة بشكل كبير لكنها مازالت نشطة”.
وبينت الوثيقة أن “إحدى الدوافع الرئيسية وراء تسليح الجزائر الحالي هو الحاجة إلى أن تحافظ الحكومة على سردية التنافس الإستراتيجي مع المغرب؛ فرغم الاحتمال الضعيف لحدوث مواجهة عسكرية مباشرة – لأن أي طرف لن يحقق مكاسب من هذا السيناريو – إلا أن النظام الجزائري يستمد شرعيته الداخلية من خلال تقديم نفسه الممثل الوحيد القادر على موازنة تأثير المغرب”.
وأبرز التقرير أن “التركيبة الديناميكية بين الجزائر والمغرب تتشكل من خلال سلسلة من النزاعات المترابطة التي رغم محدوديتها في نطاقها تساهم جماعيًا في خلق بيئة من عدم الاستقرار الكامن، ما يتيح بدوره للجزائر مبررًا لاستمرار تحديث قواتها العسكرية”، مشددًا على أن “الجزائر تتبنى حاليًا موقفًا من المواجهة اللفظية مع جارتها، مدعومًا باستثمارات كبيرة في القدرات العسكرية، بينما تتجنب عمدًا الخطوط الحمراء التي قد تثير الصراع المفتوح”.
وحول سيناريوهات ارتفاع وتيرة التسلح الجزائري سجل المصدر عينه أن السيناريو الأكثر احتمالًا هو “استمرار النظام الجزائري في إستراتيجيته لاقتناء الأسلحة الحديثة، وعرض قدراته العسكرية بشكل منتظم، رغم أنه من الواضح بشكل متزايد أن التحدي الرئيسي للجزائر ليس خارجيًا كما تزعم بلاغات الجيش، بل هو الشعب الجزائري نفسه، الأقل اهتمامًا بالاستعراضات الجيوسياسية، والأكثر اهتمامًا بالحصول على وظائف، ومياه نظيفة، وكهرباء موثوقة”، مبرزًا أن “سباق التسلح الذي يتبعه النظام لا يفعل الكثير لتلبية هذه الاحتياجات الداخلية الملحة، ما يزيد الفجوة بين الحكومة والشعب”.
أما السيناريو الآخر فيتعلق بإمكانية نشوب صراع غير مقصود مع المغرب، إذ إنها “من خلال تسليح قواتها بشكل مفرط واعتماد موقف تصادمي تجاه جيرانها تخلق الجزائر بشكل غير مقصود الظروف التي قد تشعل صراعًا، ستحتاج القوى الكبرى، سواء كانت روسية أو غربية، إلى التدخل لتهدئته”.