يبدو أن النظام الجزائري يجد نفسه مرة أخرى في موقف حرج أمام التطورات الدبلوماسية المتسارعة، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية. بعد أن سحب سفيره من باريس قبل عشرة أشهر احتجاجًا على موقف فرنسا الداعم لمغربية الصحراء، عاد الآن ليعيد العلاقات مع فرنسا دون أن تحقق الجزائر أي تغيير في الموقف الفرنسي، تمامًا كما حدث مع إسبانيا سابقًا.
المفارقة الكبرى هي أن الجزائر لم تستطع فرض أي تراجع في موقف باريس أو مدريد، بل وجدت نفسها مضطرة إلى استعادة العلاقات معهما رغم خسارتها الدبلوماسية الواضحة. فرنسا، التي أعلنت بوضوح دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية، لم تقدم أي تنازل بشأن موقفها، في حين تراجعت الجزائر عن موقفها التصعيدي دون تحقيق أي مكسب سياسي.
اللافت أيضًا هو التلميحات الفرنسية حول احتمال إطلاق سراح الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، وهو ما قد يُنظر إليه كـ “تنازل إنساني” من تبون، بهدف تحسين صورته أمام باريس والداخل الجزائري، في وقت أصبح فيه النظام يعاني من عزلة متزايدة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
أما اقتصاديًا، فإن الضغوط الفرنسية، خاصة فيما يتعلق بملف الهجرة واتفاقية 1968، قد تكون من بين الأسباب التي دفعت الجزائر إلى إعادة فتح قنوات الحوار. التهديدات الفرنسية بمراجعة الامتيازات الخاصة للجزائريين في فرنسا، والضغط لاستقبال المهاجرين غير الشرعيين، كلها عوامل ساهمت في “العودة الاضطرارية” للجزائر إلى طاولة الحوار مع باريس.
السؤال المطروح الآن: إلى متى سيستمر النظام الجزائري في خوض معارك دبلوماسية خاسرة بسبب موقفه من الصحراء المغربية؟ وهل سيدرك في النهاية أن رهاناته الخاطئة تضعه في عزلة دولية وتكبد البلاد خسائر سياسية واقتصادية متزايدة؟