السبت, مارس 15, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيالتعليم ودوامة الإصلاح (2).. عشرية الميثاق الوطني تسقط في الفشل

التعليم ودوامة الإصلاح (2).. عشرية الميثاق الوطني تسقط في الفشل


قد يعتقد المتتبع لشعارات الحكومة الحالية فيما يتعلق بقطاع التعليم أن رؤيتها للإصلاح من إبداع أفكارها وأن الأهداف التي التزمت بها خلال الولاية الحالية تُعلن لأول مرة. لكن قليلاً من الذاكرة السياسية يعيد إلى الأذهان تجربة الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي اقترن ببداية الألفية الثالثة، والذي اعتمد تقريبا نفس التوجهات وتبنى غايات مماثلة للتي أعلنتها “حكومة أخنوش” لإخراجها المدرسة العمومية من أزمة إصلاح الإصلاح المزمنة.

ولم تخرج تجربة الميثاق الوطني عن نفس منهجية محاولات إصلاح المدرسة العمومية التي سبقتها منذ الاستقلال، حيث انبثق عن اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم، في استنساخ لتجربة اللجنة العليا لإصلاح التعليم (1957) واللجنة الملكية لإصلاح التعليم (1958/1959) واللجنة المكلفة بإعداد مخطط التعليم (1960/ 1964) وغيرها من المحاولات.

التفكير في تجديد نفس الإصلاح بعدما فشلت، نسبيا، المبادرات السابقة، والخروج بميثاق وطني جديد، اعتبر حينها مُخلصاً للتعليم المغربي من دوامة الإصلاح، أملته الإكراهات التي طرحها تنزيل برامج التقويم الهيكلي على قطاع التعليم ومردوديته، وعلى رأسها إضعاف ميزانية التعليم مما قلص من التوظيفات والاستثمار العمومية في القطاع التعليمي.

وإذا كانت الحكومة اليوم تراهن على ما تبقى من عمر ولايتها الحكومية من أجل المرور إلى السرعة القصوى في تعميم التعليم الأولي، فإن جهدها في هذا الباب يدخل ضمن محاولات استدراك فشل الميثاق الوطني في إعادة هيكلة منظومة التربية الوطنية الذي رفع طموحه إلى إدماج التعليمين الإبتدائي والأولي في سلك واحد (أولي وابتدائي من 8 سنوات).

وسعياً منها للوقوف على أهم مراحل إصلاح المنظومة التعليمية وفحص عناصر قوتها ومكامن إخفاقها، تقترح جريدة “مدار21” الإلكترونية على قرائها ملفاً من 4 أجزاء، يُذكر بأبرز المخططات والسياسات التي ابتغت الرقي بأداء المدرسة العمومية، يتناول ثاني جزء منه طموح الميثاق الوطني للتربية والتكوين في إخراج المدرسة العمومية من أزمة الفشل المتواتر لمخططات الإصلاح والحدود التي أدت إلى إخفاقه.

ركائز الميثاق

بعد انتهاء اللجنة الوطنية المختصة بقضايا التعليم من مهمة إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين وشروع حكومة اليوسفي حينها في إعداد مشاريع القوانين والنصوص التنظيمية اللازمة لتزيلها، برزت معالم الإصلاح، بالشكل الذي تصورته اللجنة، باترتكازه على ترسيخ القيم الروحية للإسلام وتعميم التعليم وإقرار إلزامية التعليم للفئة العمرية من 6 إلى 16 سنة ومجانيته مع اعتبار اللغة العربية محوراً أساسيا للتعليم. 

وركز الميثاق على تجاوز تداعيات وأثار التقويم الهيكلي على منظومة التربية والتعليم من مدخل إعادة الهندسة التنظيمية للوزارة وإعادة ترتيب المسالك التعليمية لتشكل سيرورة تربوية وتضمن أقصى حد من تكافؤ الفرص لجميع التلاميذ المغاربة بما في ذلك منظومة التعليم العالي.

وبحكم أن تنزيل هذه المقتضيات كان يحتاج إلى زمن كاف لضمان حسن تنزيله وتحقيق غاياته، نصت المادة 23 من الميثاق الوطني على أنه: “يقتضي إصلاح نظام التربية والتكوين عملاً ذا بعد زمني عميق يندرج ضمن السيرورة التاريخية لتقدم البلاد ورقيها، ويتطلب الحزم وطول النفس..”، ما شكل عقبة أمام الحكومة الأولى التي تولت الإشراف على تنزيل الميثاق باضطرارها إلى العمل على الأولويات وإيلاء الأهمية بالمضامين التي تحقق الغايات الانتخابية.

إرهاصات دمج الأولي بالابتدائي

شكل هاجس إعادة هيكلة المنظومة التعليمية إحدى أبرز أولويات الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وجاء في مرحلة أولى دمج التعليم الأولي والتعليم الابتدائي في أفق تشكيل سيرورة تربوية منسجة تسمى الابتدائي، مدتها 8 سنوات وتتكون من سلكين: السلك الأساسي الذي يشمل التعليم الأولي والسلك الأول من الابتدائي من جهة، والسلك المتوسط الذي سيتكون من السلم الثاني للإبتدائي، من جهة ثانية.

وكان الميثاق أكثر طموحاً حينما راهن على المرحلة الأولى من تنزيله (2000/2005) لضمان التعميم، وهو ما لم تتحقق إلى اليوم بفشل محاولات تعميم استفادة أبناء المغاربة من تعليم أولي يحضرهم لولوج المدارس بتكوين أولي إلى جانب الإخفاق في دمج التعلمين الأولي والابتدائي.

عبد الناصر الناجي، الخبير التربوي ورئيس جمعية “أماكن” لتحسين جودة التعليم، قال إن “طموح الميثاق لم يراع إكراهات الواقع ما جعله يضع أهدافا يستحيل تحقيقها عمليا في المدة الزمنية التي حددها وهو ما ينطبق على التعليم الأولي الذي كان ينبغي تعميمه سنة 2004، حسب الميثاق”.

وأضاف الناجي، في حديثه مع جريدة “مدار21” الالكترونية، أن المرحلة الأولى لتطبيق الميثاق الوطني، والتي امتدت إلى غاية 2005، تاريخ صدور تقرير تقييمي عن اللجنة الخاصة التي صاغت الميثاق، اتسمت باعتبارها وثيقة للاستئناس وبالتركيز على تعميم التمدرس في التعليم الابتدائي الذي عرف دفعة كبيرة في هذه الفترة، بالإضافة إلى عدم توفير الإمكانات المادية اللازمة لتحقيق الأهداف الطموحة للميثاق، مبرزا أن هذا ما لم يساعد على الاهتمام الكافي بقضايا نوعية من قبيل دمج التعليم الأولي مع التعليم الابتدائي.

وبحكم أن مثل هذه الإصلاحات والتوجهات الجوهرية تحتاج إلى زمن للتنزيل ويتجاوز في الغالب العمر الحكومي، خاصة عندما يرتبط الأمر بقطاع حيوي كقطاع التعليم، فقد أرجع المتحدث ذاته فشل ورش التأسيس لتعليم أولي يحقق غاية إدماج التلاميذ إلى اشتغال الفاعل الحكومي بمنطق الأولويات عندما يكون أمام إصلاح شامل يستغرق زمنا طويلا وتركيزه على الإنجازات الكمية المحكومة غالبا بهاجس انتخابي.

وسجل المهتم بقضايا التعليم المغربي أنه إلى اليوم لا تريد الحكومة دمج التعليم الأولي مع التعليم الابتدائي رغم أن القانون الإطار ينص على هذا المقتضى الذي أصبح ملزما بقوة القانون، مستدركا أنه “صحيحٌ أنها في طريقها إلى تحقيق هدف التعميم، لكن هل سيتحقق هدف الجودة في ظل إغفال هذا المقتضى الذي كان سيمكن من تحقيق الانسجام البيداغوجي بين التعليم الأولي والتعليم الابتدائي وتمكين المربيات والمربين من الوضعية النظامية نفسها التي يتمتع بها رجال ونساء التعليم في باقي الأسلاك والتي تكفل لهم الأمن الوظيفي والتكوين الممأسس”.

هل تخلى الميثاق عن التعريب؟

رافق جدل لغة التدريس، التعريب والفرنسة بشكل خاص، كل المحاولات التي ابتغت إصلاح أحوال المدرسة العمومية المغربية، وفي مقدمتها الميثاق الوطني، الذي على الرغم من تأكيده على محورية اللغة العربية في التعليم إلا أنه لم يحسم في مسألة لغة التدريس خصوصا المواد العلمية.

وأورد الناجي أن الميثاق الوطني تضمن ضمن دعاماته تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها، مبرزا أنه “من هذا العنوان الوارد في الدعامة التاسعة يتبين بوضوح أن رؤية الميثاق للغة العربية كانت تقتصر على تدريسها وليس التدريس بها، وهو ما يعني عمليا التراجع الرسمي عن سياسة التعريب التي كانت قد توقفت عند أبواب التعليم العالي”.

وبرر الخبير التربوي موقفه باستحضار توصية الميثاق في مادته 114 بالفتح التدريجي لشعب اختيارية للتعليم العلمي والتقني والبيداغوجي على مستوى الجامعات باللغة العربية، شريطة توافر المرجعيات البيداغوجية الجيدة والمكونين الأكفاء، لكن مع الحرص على فتح شعب اختيارية عالية التخصص للبحث والتكوين باللغة الأجنبية الأكثر نفعا وجدوى من حيث العطاء العلمي ويسر التواصل.

وبما أن شرط المرجعيات البيداغوجية والأطر الكفأة كان متوفرا للغات الأجنبية، وعلى رأسها الفرنسية، وغير متوفر للغة العربية، يؤكد الناجي أن “هذه الأخيرة ظلت مقصية من التعليم العالي”، لافتاً إلى أن “المادة 114 نفسها نصت على تدريس الوحدات والمجزوءات العلمية والتقنية الأكثر تخصصا من سلك البكالوريا باللغة المستعملة في الشعب والتخصصات المتاحة لتوجيه التلاميذ إليها في التعليم العالي، وهو ما أشر بوضوح على نهاية سياسة التعريب في الثانوي تمهيدا للتراجع عنها في باقي أسلاك التعليم”.

“فشل” تعميم التمدرس

من بين الركائز الرئيسية التي انطلق منها الميثاق الوطني للتربية والتكوين هي تعميم التعليم الأساسي، ما كان يحتاج لتشييد مدارس عمومية جديدة وتوظيف أطر تربوية كافية لتحقيق هدف إيصال خدمة التعليم لتلاميذ الهامش والبعيدين عن المناطق القريبة من المراكز الحضرية، التي كانت عموما تستفيد من التعليم العمومي.  

الناجي اعتبر أن “تطبيق الميثاق شكل تحولاً جوهرياً على مستوى تعميم التعليم الابتدائي”، مشيراً إلى أنه “تم تحقيق هذا الهدف تقريبا سنة 2012، أي بتأخر واضح على الآجال التي حددها الميثاق الذي رسم سنة 2002 أفقا لكي يجد كل طفل مغربي بالغ من العمر ست سنوات مقعدا في السنة الأولى من المدرسة الابتدائية القريبة من مكان إقامة أسرته”.

وفي ما يتعلق بالتعميم في التعليم الإعدادي، سجل الخبير التربوي ذاته أنه رغم المجهودات المبذولة طيلة عشرية الإصلاح فإن هدف التعميم لم يتحقق بحيث لم تتجاوز النسبة الصافية للتمدرس في هذا السلك 60 في المئة سنة 2013.

ولدى استفساره عن الأسباب التي يراها مبررة لهذا الفشل في الالتزام بهدف التعميم، أورد الناجي أنه “إذا كانت الإمكانات المادية والبشرية تفسر جزءا من هذا الإخفاق فإنها لا تفسر كل شيء بما أن هذه الإمكانات توفرت مع البرنامج الاستعجالي 2009-2012 دون أن نبلغ جميع الأهداف المسطرة على هذا المستوى”.

ويطرح هذا الواقع، حسب المتحدث ذاته سؤال حكامة الإصلاح وما يرتبط بها من قدرات في التخطيط والتدبير والتقييم وتوفير آليات الضبط مع مواصلة الإصلاحات بشكل تراكمي يمكن من استدامتها وقطف ثمارها دون استعجال.

…يتبع



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات