تنظم النقابة الوطنية للصحافة المغربية بمقرها المركزي بالرباط يوم الخميس 26 دجنبر 2024 في الساعة الثالثة والنصف، قراءة في كتاب: (التشادي “مبعوث داعش” إلى المغرب يطلب الصفح) الذي هو أول إصدار للزميل عبدالله الشرقاوي في قضايا الإرهاب بعد إصدراه الطبعة الثالثة من : “قضايا اختلاس المال في المغرب“، وذلك عبر مسار دام 32 سنة من العمل في جريدة “العلم“، منها 19 سنة وبضعة أشهر كانت في سياق مواكبة أطوار محاكمات نوازل الإرهاب منذ صدور قانونه سنة 2003، كان من ثمارها هذا الكتاب، الذي هو رصد لنازلة عرضت على استئنافية الرباط، كمحكمة وطنية مختصة في مكافحة الارهاب، حيث يصر تنظيم “داعش” في إطار تكريس سياسة تمدده على إرسال أتباعه وتنشيط خلاياه النائمة من أجل وضع موطأ قدم له بالمملكة، على غرار مسعى “التشادي” الملقب بـ “أبي البتول” في تحطيم الحدود بين الجزائر والمغرب لإقامة إمارة “أسود التوحيد” بالمنطقة الشرقية للمغرب – طبقا لصك الاتهام –
واعتبر المؤلف أن الهوامش المتضمنة في كتابه هذا، والبالغ عددها 429 هامش، أهم من نازلة “التشادي” الموزعة لوحدها على ثماني قرارات قضائية، باعتبار أن هذه الهوامش تطرح مجموعة من الإشكالات والتساؤلات، بدءا من سؤال : ماذا بعد قضاء المحكوم عليهم في قضايا الإرهاب والتطرف العقوبات المحكومين بها؟ ومرورا بمعضلات كثيرة من عمليات التقاضي التي تتقاسمها باقي المحاكم بمختلف شعبها، كحق في المحاكمة داخل آجال معقول، التي أضحت قاعدة دستورية، وعلاقة المساعدة القضائية التي خول المشرع بعض المتهمين التمتع بها بشروط المحاكمة العادلة، حتى لا تكون – ولو في ملفات محدودة – مجرد “طقوس”، ومسألة الكيف والكم من حيث المنتوج القضائي في ارتباط بقلة القضاة والموظفين ووضعية بناية أغلب المحاكم التي لا تشرف مكانة السلطة القضائية، كسلطة موازية للسلطتين التنفيذية والتشريعية، فضلا عن علاقة المتقاضين بمرفق العدالة وخدماته، بما في ذلك توفير المراحيض … كما تناولت هوامش الكتاب بعض من مظاهر الظاهرة الارهابية على الصعيد الوطني والدولي وعلاقتها بثالوث : “الفساد والاستبداد والارهاب“… إلخ.
ويأتي اختيار المؤلف لملف “التشادي” لكي يستهل به مؤلفاته الخاصة بـقضايا “الإرهاب” بعد تقاعده الإداري في 10/10/2022، ليس لكونه ملفا استثنائيا، أو مميزا، أو يكتسي خطورة بالغة، أو أهمية خاصة عن باقي القضايا المُدرجة بهذه المحكمة، لأن هناك ملفات أخطر منه، وبعضها مرتبط بالدم، كما أن هناك “تشاديون” كُثُر من المغرب وجنسيات مختلفة استأثرت أطوار محاكمتهم أيضا باهتمام إعلامي دولي ووطني، وإنما لكون قضية “التشادي” أولا أنها تُحاكي قضايا أخرى عُرضت على استئنافية الرباط، وهي مناسبة بسط من خلال الزميل الشرقاوي عَيّنة من وقائع ومرافعات الأطراف، والأحكام الصادرة فيها، وذلك لمحاولة إعطاء صورة عن نوعية الأشخاص المتابعين على مراحل متفرقة من عمر هذه المحكمة، وذلك عبر الهوامش المرفقة بمعطيات هذه النازلة.
وثانيها أن ملف “التشادي” نُقض ثلاث مرات أمام محكمة النقض بالرباط لحدود نهاية سنة 2022، وأُدرج أربع مرات أمام الغرفة الاستئنافية في محكمة الاستئناف بالرباط “الدرجة الثانية من التقاضي“، حيث حكم على المُلقب “أبو البتول” بـ 5 سنوات سجنا نافذا، بعد أن كانت النيابة العامة قد طالبت غرفة الدرجة الأولى بالحكم عليه بـ 30 سنة سجنا، لكنها قضت بتاريخ 10/11/2016 بـ 20 سنة سجنا نافذا، مع إبعاده خارج التراب الوطني بعد قضائه العقوبة المحكوم بها، لتأتي المحطة الأولى من الاستئناف يوم 21/7/2017، وتُخفض العقوبة إلى 15 سنة سجنا، بينما في المرحلة الثالثة – بعد النقض طبعا – خُفض فيها الحكم بتاريخ 11/7/2018 إلى 10 سنوات سجنا نافذا، حيث كان المتهم قد أبدى – للمرة الثانية – فرحة كبيرة إبان سماعه منطوق الحكم نتيجة عملية التخفيض لكونه يتحدث باللغة العربية، في حين أن المحطة الثالثة – بعد النقض – تمت الإشارة إلى الحكم بـ 20 سنة سجنا نافذا مع تعديله بخفض العقوبة إلى 10 سنوات سجنا نافذا، وذلك يوم 28/4/2021، علما أن آخر قرار استئنافي كان قد قضى بـ 10 سنوات سجنا نافذا، وأن النيابة العامة لم تقم بتقديم الطعن في القرار الجديد، لكن محكمة النقض صحّحت هذا “الخطأ”، لأنه: “لا يُضارّ أحد بطعنه“، وأرجعت الملف إلى غرفة الجنايات الاستئنافية للمرة الرابعة لتناقشه من جديد هيئة لم يسبق لها أن بتت فيه.
وهكذا آخذت الهيئة القضائية الاستئنافية – في حلّتها الرابعة – يوم 21/12/2022، الظنين بـ 5 سنوات حبسا نافذا، علما أنه كان قد قضى أكثر من المدة المحكوم بها، فقد مكث في المؤسسة السجنية 6 سنوات وحوالي سبعة أشهر، لأنه اعتقل بمدينة طنجة في 13/5/2016.
في هذا الصدد يقول المؤلف: ” إذا كانت قضية “التشادي” مهمة من هذه الناحية للدراسات والبحث واستخلاص العبر في ظل حكم ابتدائي، و4 قرارات استئنافية، و3 قرارات لمحكمة النقض، وذلك إلى غاية شهر دجنبر 2022، فإن هناك جوانب أهم من الأفعال التي تمت مؤاخذة المتهم بها، بعد ما قضى عقوبته، وهذا هو الجانب المحوري الذي شدني ودفعني – بعدما أثارني تصريح المتهم بشأن طلب “الصفح” – لمحاولة تسليط الأضواء على قضية التشادي من خلال جملة من الإشكالات والتساؤلات المرتبطة بالتطرف بوجه خاص والجريمة بوجه عام، والتي تنتعش في ظل العلاقة الوطيدة بين ثالوث “الإرهاب والفساد والاستبداد“، أو من زاوية عمليات التقاضي التي تتقاسمها ملفات الإرهاب مع باقي ما يروج بمرفق العدالة بمختلف درجاته وشعبه، أو من جانب تقديم خلاصات ومقترحات تضمنها هذا الكتاب.
ويقع الكتاب في 472 صفحة من الحجم الكبير، ويحتوي على سرد لمعطيات البحث التمهيدي لملف “التشادي” وتصريحاته لدى قاضي التحقيق في مرحلتي التحقيق الابتدائي والتفصيلي، والأمر بالإحالة على قاضي التحقيق، ومراحل المحاكمة، المتضمنة ثمانية قرارات قضائية، إثر الطعن بالنقض لثالث مرة، لتمكين الباحثين والأساتذة الجامعيين وعلماء النفس والاجتماع والإجرام من مادة خامة يمكن الاشتغال عليها، بما في ذلك تدريسها في المعاهد المختصة ولما لا إنتاجها في فيلم سينمائي.
كما تضمن هذا المؤلف خلاصات ومقترحات، واستهلال بـ “كلمة لا منها” و”أسباب النزول” شرح فيها المؤلف دواعي خوض هذه التجربة، إضافة إلى ملحق هم نماذج من مقالات نشرت بجريدة “العلم” في سياق مواكبتها أطوار محاكمة “التشادي”، ومقالة للفقيد عبدالكريم غلاب كتبها عام 1972 تحت عنون: ” هل نحن مقبلون على الإرهاب؟ عثر عليها المؤلف إبان بحثه في أرشيف جريدة “العلم” على غرار عثوره على مقالة : “أضواء على التدخل الفرنسي في التشاد” رصدت سنة 1971.