الدكتور احمد درداري
السياق الدولي للوحدة الترابية للخطاب
إن السياق الدولي الذي تأتي فيه الذكرى 49 لحدث المسيرة الخضراء و بمناسبة فوز ترامب بالإنتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية الذي سبق أن أصدر قرار الاعتراف بمغربية الصحراء في دجنبر 2020، طبعا رئيس الولايات المتحدة الأمريكية قراره لم يتغير. مع إدارة بايدن التي جاءت بعده ولكن بمناسبة فوزه نقول على أن إدارة ترامب ستكون اكثر تعاطيا مع موضوع الصحراء المغربية بحكم أن إدارة بايدن لم تغير من القرار لكن اتسمت بنوع من الجمود ولم تحدث اي تقدم وبالتالي الولايات المتحدة الأمريكية الآن هي القوة الاولى في العالم مع أن عودة ترامب ستكون له عدة مواقف وربما اجراءات إيجابية على مستوى الوحدة الترابية للمملكة المغربية بالإضافة إلى تزامن هذه الذكرى 49 لحدث المسيرة الخضراء مع زيارة دولة فرنسا وليس زيارة حكومة فرنسا بمعنى انها زيارة رسمية بين الدولتين، اعترفت كل فرنسا من خلال هذه الزيارة بمغربية الصحراء وبتأييدها لمبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد وأوحد باعتباره حلا جادا وموثوقا به وحلا سليما لا يقبل لا الانتقاص ولا المساومة ،طبعا بهذه المناسبة جاء خطاب جلالة الملك حفظه الله بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء وهو خطاب قصير من حيث المدة الزمنية ومركز من حيث نقط الخطاب :
اولا جلالة الملك يؤكد على أن المغرب في صحراءه والصحراء في مغربها ويؤكد على التعاون مع الأمم المتحدة مع تحميلها المسؤولية في هذا الموضوع لكي لا تكون هناك آثار جانبية. ربما المتربص ربما الأعداء أنهم ليسوا مرتاحين لأنهم يريدون أن يأخدو ما لا يستحقون.
جلالة الملك اليوم بدل اليد الممدودة في ظل استمرار الجمود، أخذ المبادرة ووضع الكرة في ملعب نظام العسكر الجزائري على أنه نظام جامد وأنه نظام لا يرتبط بحقوق مشروعة وإنما يتدخل في شؤون المغرب وأن غض الطرف عن الموضوع الحقيقي الذي هو الشعب الجزائري لأن الدولة أو نظام العسكر عليه أن يتعاطى مع حقوق الشعب الجزائري التنموية، وكيف لهذا النظام اليوم يطالب بالاستفتاء علما ان الامم المتحدة رفضته وانه غير ممكن ، وفي المقابل يرفض احصاء المحتجزين في المخيمات وهم في وضعية مأساوية لا ترقى لمستوى الكرامة ولا لمستوى الإنسانية ، ودعا الى ضرورة احصاء هؤلاء السكان لأن وضعيتهم ليست وضعية تتماشى مع مبادئ القانون الدولي الانساني ولا مع حقوق الانسان. اما الارتباط اليوم بين المغرب و صحرائه هو قطعي وأنه لا مجال للمناقشة او التفاوض او حتى مساومة الوحدة الترابية.
والعملية كلها أصبحت اليوم مفضوحة فنظام العسكر الجزائري يريد منفدا على المحيط الأطلسي ولكن يريد ان يكون ذلك على حساب طرح يتعلق بانتزاع أرض من المغرب لكي يحرر منفذ منفصل و لا دخل له في سيادة المغرب وهذا أمر أصبح مكشوفا للجميع ولا يمكن القبول به نهائيا.
فالصحراء مغربية وتراب المغرب من طنجة إلى الݣويرة لا يمكن للمنفذ ان يكون إلا في إطار الاتفاقية التي صادقت عليها الدول الافريقية التي تطل على المحيط الأطلسي ،بل حتى بوركينا فاسو و النيجر ومالي ضمن لهم المغرب منفذا كباقي الدول لكن منفذا مؤطر بقانون يبين كيفية اسعماله وكيف يمكن ان يمر هذا المنفذ وهو تحت سيادة الدول التي يمر منها المنفذ لأن المنفذ في إطار التعاون الاقتصادي وفي إطار الشراكة ليس هو منفذ عن طريق انتزاع اراضي الدول. ثم ان نظام العسكر يغطي على عيوبه وعلى إهماله لحقوق الشعب الجزائري ليتعلق بأزمة مصطنعة حتى يبرر صرف المبالغ المالية دون ان يجعلها في مكانها الحقيقي فالأحق بأن تصرف عليه الملايير هو الشعب الجزائري وليس الترويج لاطروحة انفصالية و انتزاع اراضي دولة.
ويعتبر الجلوس الى الطاولة وطرق باب المملكة المغربية والتقدم بطلب منفذ على الأطلسي هو الطلب المسموح به، و أن اليد الممدودة لجلالة الملك كانت ممدودة لكل المطالب وليست ممدودة للتصافح، شريطة احترامها للسيادة المغربية.ثم ان التعنت والجمود الذي يعرفه نظام العسكر يعكس مدى التصلب. فحينما نعود لمبادئ القانون الدولي: هل القانون الدولي سهل لنعرف مضامينه بشكل دقيق ؟ وهل تنطبق على نزاع الصحراء المغربية؟ ،طبعا حينما نقول قضية الصحراء المغربية وأن النزاع المفتعل تم باستغلال مبادئ القانون الدولي والتي تقول بأن من حق الشعوب والدول أن تتحرر من الاستعمار لكن وضعت لذلك التحرر من الاستعمار شروط :
الشرط الاول: ينبغي ان تكون الدولة المستعمرة دولة أوروبية والمغرب ليس بدولة أوروبية .
الشرط الثاني: ينبغي أن تكون الدولة المستعمرة دولة قائمة الذات بكل مؤسساتها قبل الاستعمار.فمتى كانت الصحراء دولة ؟ أين هم الدبلوماسيين؟ أين هم القناصلة ؟ أين هي الاتفاقيات الدولية ؟ أين هو أرشيف الدولة؟ أين هو القانون ؟ أين هي الدساتير ؟ أين هي التراكمات التاريخية للدولة ؟ أين هي ؟ أين توجد ؟
الشرط الثالث: ينبغي للشعب ان يكون اكثر من 300000 نسمة، مخيمات تندوف كلها فيها 79000 نسمة وعدد الانفصاليين المغاربة 1937 فرد، وهذا ما يبين أن الوضعية لا تتطابق مع القانون الدولي لأننا لسنا دولة أوروبية ، ولم تكن الصحراء يوما ارض خلاء ولم تكن منفصلة عن سلاطين المملكة المغربية بل اقول بأن السلاطين عبر التاريخ كانوا دائما يعينون الاعيان بظهائر سلطانية ، وأن هناك علاقة وطيدة بين سكان الصحراء و سلاطين المملكة، اذ لا اساس لإدعاء الجزائر وكل المواقف لا مرجعية لها ولا أساس لها ولا قاموس لغوي أو سياسي ولا ديني لها . بل إن الرهان الحقيقي الذي ينبغي أن تعتمد عليه الجزائر هو العودة إلى الصواب والرشد وافراغ الأموال في مصالح الشعب الجزائري لا أقل ولا أكثر وجلالة الملك اليوم نبه نظام العسكر إلى خطورة التمادي الذي يسير عليه ،والجمود في المواقف و التشنج الذي يركب عليه لأن هذا الأخير ليس من شيم الدول المتعقلة وفضح الغاية التي يخفيها هذا الجمود والمغامرة الفاشلة التي يسير عليها نظام العسكر الجزائري وهو النيل من وحدة المغرب التي لن ينال منها شيء، في المقابل اغفل وهضر حقوق الشعب الجزائري.
فجلالة الملك اليوم اخذ المبادرة كما قالها في الخطاب الاخير ، فالمبادرة متمثلة في ضرورة احصاء سكان المخيمات وضرورة معالجة الأوضاع اللاانسانية لهؤلاء المحتجزين ، و دعا الى تحرير هؤلاء وبالتالي فالأمم المتحدة تتحمل مسؤوليتها في تحرير الرهائن من المخيمات لأن القبضة الجزائرية وما أدراك ما القبضة الجزائرية، إن لم تتدخل الأمم المتحدة سيظل الناس وقد يزج بهم في السجون وقد يقتلون إن عبرو عن رأيهم وعبروا عن عودتهم بشكل آمن وبشكل سلمي، ثم بالمناسبة نقول بأن الصحراء أفضل من عشرات الدول كالجزائر لأنها أصبحت اليوم منصة للتنمية وأصبحت اليوم حاضنة للمشاريع انطلاقا من النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية وانطلاقا من البنية التحتية وانطلاقا من المنشئات والمشاريع التي ينعم بها سكان الأقاليم الجنوبية.
الكل يعلم بالنموذج التنموي للأقاليم الجنوبية والكل يعلم أن جلالة الملك حفظه الله رسم معالم التقدم لهذه الأقاليم الوطنية حيث أصبحت منصة تحكم نحو افريقيا وأصبحت الآن شرط للشراكة مع أية دولة بحيت انه إن لم تكن دولة تقر بمغربية الصحراء فلن تنال علاقة ولا شراكة مع المغرب.
بكل تأكيد لما جاءت فرنسا وهي صانعة الحدث وفرنسا وهي محملة بالحقائق و الارشيف، وجاءت فرنسا وهي معتذرة عن علاقات التوتر مع المغرب، جاءت فرنسا وقد قطعت الشك باليقين لتقول امام برلمانيي الامة والعالم على انه لم يبقى خلاف بين فرنسا و المغرب الا ما يتعلق بكرة القدم.
بمعنى ان جميع مجالات التعاون أصبحت اليوم مشتركة في كل شيء، ولم يعد هناك تعقيب من طرف فرنسا ولم يعد هناك اعتراض لأن فرنسا علمت جيدا بأن مواقف المغرب مبنية بشكل دقيق ومبنية عن اليقين ومبنية على القانون وعلى الوثائق والارشيف وعلى الحجج والأدلة وأن التطور الذي سيحصل من الآن فصاعدا مع فرنسا سيكون بناءا على رأي مزدوج وعلى شراكة استراتيجية شأنها في ذلك شأن الولايات المتحدة الأمريكية والكل يعلم أن فرنسا عضو في مجلس الامن وأن الولايات المتحدة الأمريكية أيضا عضو دائم في مجلس الامن.
إذن الآن في الطريق ستكون بريطانيا في القريب لأنه في أفق 2030 لكون المغرب شريك للمملكة المتحدة البريطانية (او انجلترا) بحيث سيمد حوالي 30% من ساكنة بريطانيا بالكهرباء من المغرب، وهناك ايضا مجالات تعاون على ضوئها ستأتي بريطانيا في المستقبل القريب لنسمع ان بريطانيا تعترف رسميا بمغربية الصحراء، لأن هناك “ماكينزي” البريطاني الذي سبق ان قام ببناء منازل في الصحراء في سنة 1884 ولما اراد مغادرة الأقاليم الجنوبية سلّم ملكية المنازل الى السلطان المغربي باعتبار أنها جزء من السيادة المغربية وأنها تعود إلى مالكها الأصلي، إذن هناك الكثير من الارشيف والكثير من الأحداث.
أنا أقول اليوم ان حدث المسيرة الخضراء في الذكرى 49 هي مناسبة طوى فيها المغرب 99% من ملف الصحراء ولم يبقي الآن إلا المشكل الانساني الذي تتحمل فيه الامم المتحدة كامل المسؤولية، والمشكل السياسي أي الحكم الذاتي أما المشكل السيادي فقد إنتهى بصفة نهائية، وقد حسمت ذلك فرنسا وانضمت الى الولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة الى إسبانيا والمانيا ودول كثيرة … ولاننسى ان إسبانيا كانت موجودة في هذه الأقاليم وان إسبانيا كانت علاقاتها متوترة بينها وبين المغرب، لكن لما منحت المغرب الاعتراف ومنحت التقدير والدعم وتبادلت معه الوثائق والارشيف وايضا الحق في مراقبة سماء الأقاليم الجنوبية، فأصبح المغرب اليوم يمتلك السيادة على الاقاليم جوا وأرضاً وبحرا يعني قانونا وسياسة واقتصادا، بل ان المغرب خطى خطوة جد مهمة لأنه لا يمكنه معها العودة عن المكاسب، ولايمكن العدول عن ما حققه المغرب من مكاسب، بل ان المغرب انطلق نحو لا اللاعودة لكي يثبت للعالم أن المغرب كان دائما في صحرائه، وأن من أراد ان يتحرش بالمغرب فلن ينال إلا الخزي، والخزي للنظام الجزائري لأنه بدلا من أن يبني القدرات داخل الشعب الجزائري وبدلاً من أن يبني شراكة ذات مردودية دخل في صراع يعلم مسبقا بحتمية خسرانه، لذا لا يمكن ان نتطلع للتشاور مع نظام شمولي فاشل، نظام العسكر الذي يتبجح بالأسلحة البيولوجية والباليستية وغيرها، وهو يعلم ايضا ان الحرب الحقيقية ليست بالأسلحة بل الحرب بالمبادئ والحرب بالأخلاق والحرب بالتطور و بالتنمية وبالذكاء الاصطناعي وليست بالسلاح لأن السلاح غالباً ما يتم تفجيره في اصحابه .
فالمغرب أمام مشاريع الطاقة المتجددة، و استدامة بيئية و المشاريع الكبرى ، كالطريق السريع بين تزنيت والداخلة ثم تحويل ميناء الداخلة الى ميناء عالمي، و المغرب امام توفير مصادر متعددة للتنمية و أمام تهيئ بنية كبيرة الحجم و قوية لكي ينهض بالمشاريع العملاقة ، فما أحوجنا اليوم لكي نعانق التنمية العالمية انطلاقا من أقاليمنا الجنوبية و أن أبناء الأقاليم هم شركاء في تنميتها و أنهم يديرون أكبر مؤسسات في الأقاليم الجنوبية . بل هم يستفيدون اليوم ويسخرون من من ما يزال يركض وراء أوهام الحرب الباردة التي تعود الى زمن ما قبل سقوط جدار برلين. العالمية انطلاقا من أقاليمنا الجنوبية و أن أبناء الأقاليم هم شركاء في تنميتها و أنهم يديرون أكبر مؤسسات في الأقاليم الجنوبية . بل هم يستفيدون اليوم ويسخرون من من ما يزال يركض وراء أوهام الحرب الباردة التي تعود الى زمن ما قبل سقوط جدار برلين.
فالصحراء المغربية اليوم محصنة و أصبحت أكتر تقدما و أكتر تحضرا و كل الاحتياجات و كل البنيات التحتية متوفرة.
فلو صرفت الجزائر المال المخصص لتأجيج الصراع مع المغرب على الشعب الجزائري لكان البلدين توأمين في التنمية الافريقية و لاستفادا مع من الفرص المتاحة على مستوى القارة، فلا سياحة و لا رياضة و لا سياسة و لا مواقف ثابتة عند نظام العسكر الجزائري . بل فقط اختص بإلقاء اللوم على المغرب في كل ازماته، هذه هي فلسفة النظام الفاشل نظام يعلق شماعة فشله على المغرب، ويتبجح بالقوة و يريد ان يقول أنه مستعد للحرب ، أي حرب ستدخل أيها النظام الفاشل؟ أليست في أعناق المواطنين الجزائريين حروبا؟ أليست الحرب هي حرب ضد المجاعة و ضد التخلف و التقدم و ضد المؤشرات المتدنية في الحرية السياسية والاجتماعية والكرامة؟.
السياق الدولي لمقاربة وضعية الجالية المغربية للخطاب.
بالنسبة لخطاب جلالة الملك خطاب واضح . وبالنسبة لاهتمام جلالة الملك بالجالية فهي تنطلق من موضوع الهجرة و الكل يعلم أن الهجرة لها آتار منها السلبية ومنها الايجابية و أن المغاربة في دول المهجر و المغاربة في دول أجنبية هناك من يعيش في وضعية مريحة و هناك من يعيش أزمات و مشاكل .
ان مجلس الجالية المغربية بالخارج كمؤسسة دستورية استشارية هو مجلس يقوم بتقييم السياسات العمومية للمملكة تجاه المواطنين المهاجرين و بالتالي فان التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية والثقافية و الاجتماعية للبلاد تنخرط فيها أيضا الجالية بحكم أنهم أبناء الوطن بالإضافة الى ذلك ان شؤون المهاجرين كتيرة و متعددة فلابد من الاهتمام باللغات و التربية الدينية و النشاط التقافي و أيضا المشاركة في الانتخابات البرلمانية و المحلية .
ثم أيضا لابد من القول أن جلالة الملك يرمي من خلال هذا الخطاب الى النظر في الوضعية الصعبة أو الهشة لبعض المهاجرين حيث هناك مهاجرين ليسوا في وضعية مستقرة، بل هم في أوطان كوطنهم ممكن أن ينجحو كما نجح البعض و ممكن أن يفشلو ، لهذا فمشاركة هموم المهاجرين و الاستشارة معهم و البقاء على اتصال بهم هي غاية و هدف من أهداف المؤسسة المحمدية للمهاجرين و مجلس الجالية .
و تبقى المملكة المغربية بملكها و شعبها بكل مظاهر التلاحم فإنه يحقق النصر الدائم في قضية الوحدة الترابية ، ومن بين القضايا التي لا يمكن مساومتها هي القضية التي يلتف حولها الملك و الشعب ، و للإشارة فأنا أقول أن الارتباط بين الملك و الشعب هو ارتباط تاريخي بين السلاطين والرعايا في النظام السلطاني وفي النظام الملكي أيضا استمر هذا الترابط وهذا الإرتباط والمسيرة الخضراء من أعظم الملاحم في القرن 20 التي عاشها المغرب وقد لقن العالم درسا يتعلق بكيفية معالجة قضايا شائكة وكيف يمكن معالجة أزمة بطرق سلمية بطرق ليست فيها إلا القرآن الكريم و العلم الوطني .