لا يمكن الحديث عن المستقبل، أو بمعنى أصح عن المستقبلات، دون التطرق وتوضيح مجموعة من المفاهيم المرتبطة بهذا المفهوم.
فالحديد عن الاستشراف لا يستقيم دون توضيح مفهوم التخطيط الاستراتيجي، ودون توضيح مفهوم الرؤية، ومفهوم قيادة التغيير، وإدارة الأزمة، والتوقع والتنبؤ، …. والعديد من المفاهيم المرتبطة بهذا المجال.
إن الاستشراف فهو علم يهتم باستكشاف المستقبل بناءً على تحليل الاتجاهات الحالية والسيناريوهات المحتملة المستقبلية، بالإضافة إلى العوامل المؤثرة في مختلف المجالات. فالاستشراف يهدف إلى تقديم رؤى استراتيجية تُمكّن من اتخاذ قرارات واعية للتعامل مع التحديات والفرص المستقبلية.
وبالتالي فهناك من يعتقد أن الاستشراف هو التخطيط الاستراتيجي، وهما شيئان مختلفان ولكن في المقابل فهما مكملين لبعضهما البعض.
فالتخطيط الاستراتيجي يمكن تعريفه على أنه : ” فعل جماعي في المستقبل” وهو تعريف مقتبس للدكتور المغربي إدريس أوهلال، في المقابل الاستشراف يمكن تعريفه إضافة إلى التعريف الأول بأنه هو ” فتح مسارات جديدة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع”، وبالتالي فهذا التعريف الأخير فهو مقتبس من المؤتمر الدولي العربي للتنمية المستدامة لسنة 2023، في إطار ورشة الاستشراف الاستراتيجي.
وللإشارة فقد سبق توضيح الاستشراف الاستراتيجي والتخطيط الاستراتيجي، بمثال حي لسباق خيول جر العربات وسباق خيول الحلبة، حيث أن خيول جر العربات تتوفر على غطاء للرأس، وخيول سباق الحلبة لا تتوفر على غطاء للرأس، فما الفرق؟ الفرق واضح وبسيط أن خيول جر العربات تتوفر على غطاء للرأس فهذا أنه يجب أن تبقى مركزة على الهدف ولا تتجاوزه وتذهب إلى تحقيقه وهذا هو التخطيط الاستراتيجي، أما خيول سباق الحلبة التي لا تتوفر على غطاء للرأس فهي طبيعية نظرا لأن أثناء السباق يجب أن تكون الرؤية أمامهم واضحة وتظهر كل شيء كي يتسنى للخيول وراكبها رؤية الفرصة والاستعداد لها واقتناصها وتجنب المخاطر والتحديات وهو ما يسمى بالاستشراف الاستراتيجي.
واليوم نوضح بين أيديكم الفرق بمثال ثاني مقارن بين عمل النمل وعمل النحل.
وفي هذا الإطار يمكن شرحه كما يلي :
فالنمل يمثل التخطيط الاستراتيجي أكثر، فالنمل يعتمد بشكل كبير على الخطط العملية والمنظمة لإدارة الموارد وتنفيذ المهام.
فالنمل يعمل على، تقسيم الأدوار بين النمل العامل والنمل المدافع، كما يعمل على إنشاء ممرات مخصصة لجمع الطعام ونقله بكفاءة، بالإضافة إلى تخزين الطعام بشكل منظم داخل الجحر استعدادًا لفصل الشتاء.
وبالتالي هذا السلوك للنمل يعتبر سلوكا للتخطيط الاستراتيجي نظرا لانه يعتمد على تنفيذ خطط محددة لتحقيق أهدافه بفعالية، مما يعكس فعالية التخطيط الاستراتيجي.
في المقابل تمثل حشرة النحل مثلا للإستشراف الاستراتيجي أكثر، فالنحل يعتمد بشكل أكبر على استشراف البيئة وتوقع التغيرات لاتخاذ قرارات مستقبلية. فعلى سبيل المثال، فكشافة النحل تبحث عن أفضل مواقع الرحيق. بالإضافة إلى ذلك تقوم الرقصات بنقل المعلومات حول المواقع البعيدة بناءً على تحليل دقيق للبيئة. مع العمل على التكيف مع احتياجات المستقبل، مثل إنتاج العسل أو توسيع الخلية.
فحشرة النحل تعتمد على الاستشراف الاستراتيجي حيث تعمل على استكشاف واستشراف الفرص (مثل الأزهار الموسمية) والاستعداد للمخاطر (مثل نقص الموارد)، مما يعكس دورها في الاستشراف الاستراتيجي.
وبالتالي فالنحل يمثل الاستشراف الاستراتيجي لأنه يركز على استكشاف المستقبل وتحليل الفرص والتهديدات. بالمقابل يمثل النمل التخطيط الاستراتيجي لأنه يركز على تنفيذ الخطط بشكل محدد وإدارة الموارد بكفاءة لتحقيق الأهداف المرجوة.
إن أهداف الاستشراف عديدة ومتعددة منها، ١. العمل على دعم اتخاذ القرارات الاستراتيجية، ٢. تعزيز التكيف مع التغيرات المستقبلية، ٣. المساهمة في تقليل المخاطر وتعظيم الفرص، ٤. المساهمة في بناء رؤية مستقبلية متوازنة وشاملة ومتعددة الأبعاد. وبالتالي فالاستشراف فهو أداة حيوية للمجتمعات والدول والشركات لرسم مستقبل أكثر استدامة وابتكارًا.
إن حديثنا عن الاستشراف اليوم، ليس وليد الصدفة، بل حديث ينبع من القيم والمناهج التي تعلمنا منها ونهلنا منها معرفيا ومهاريا وقيميا، فالاستشراف ليس وليد اليوم بل هو علم قائم الذات. ولكل علم أصل وعلم الاستشراف له أصول متعددة ومتشعبة ومتشربة من مختلف المجالات، منها ما هو فلسفي، وما هو ديني، وما هو عملي، وماهو عسكري، وماهو علمي وأكاديمي.
وبالتالي فأصل علم الاستشراف يكمن في التفاعل بين، الفكر الفلسفي (تحليل الزمن والمستقبل)، والممارسات العملية (رصد الطبيعة والنجوم)، والاحتياجات الاستراتيجية (العسكرية والاقتصادية).
وبالتالي فمع تطوره، أصبح علمًا مستقلًا يجمع بين التحليل الكمي والنوعي لدراسة المستقبل.
وبالتالي يمكن أن نفصل بين شيئين مهمين، أصول علم الاستشراف ويمكن تسميتها ب ” فقه الاستشراف” و علم الاستشراف.
إن “فقه الاستشراف” مصطلح يُستخدم للإشارة إلى الأصول الفكرية والفلسفية التي يقوم عليها علم الاستشراف، فهو يعبّر عن الفهم العميق للمنهجيات والقيم التي توجه الاستشراف. في حين أن علم الاستشراف يهتم بالأدوات والمناهج العلمية لدراسة وتحليل المستقبل، ويعتمد على المناهج الكمية والنوعية. وبالتالي يجب التمييز بين فقه الاستشراف وعلم الاستشراف.
إن للاستشراف عدة مقاربات ومدارس و أنواع متعددة ولكل منها دور معين ومحدد. فمقاربات علم الاستشراف متعددة منها :
1. المقاربة الاستكشافية أو ” المستقبل الرسمي” :
حيث تعتمد هذه المقاربة على التركيز على استكشاف السيناريوهات المحتملة بناءً على الاتجاهات الحالية، حيث تتتمد على تحليل البيانات التاريخية وربطها بالاتجاهات الحالية وتوقع التطورات المستقبلية من خلال بناء السيناريوهات المستقبلية.
2. المقاربة الاستراتيجية ” المستقبل المرغوب” :
حيث يتم الاعتماد على تحديد رؤية مستقبلية واضحة ورسم خطوات للوصول إليها، وتُستخدم هذه المقاربة الاستراتيجية في وضع خطط طويلة الأمد لتحقيق أهداف محددة.
3. المقاربة التشاركية :
حيث تقوم هذه المقاربة بدمج آراء مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة (خبراء، مجتمعات محلية، صناع قرار) في بناء المستقبل المرغوب أو ما يسمى بالمستقبل الذي نريد الولوج إليه. وبالتالي فهذه المقاربة تُستخدم في قضايا التنمية المستدامة والتخطيط الشمولي والتخطيط الاستراتيجي الترابي والقضايا التنموية.
4. المقاربة الكمية :
حيث تعتمد هذه الأخيرة على الاستعانة ودمج النماذج الرياضية والإحصائية لتحليل الاتجاهات وصياغة التوقعات. حيث تُستخدم بشكل واسع في القطاعات الاقتصادية والمالية.
5. المقاربة النوعية:
وأخيرا المقاربة النوعية، حيث تعتمد هذه الأخيرة على أساليب تحليلية وصفية مثل الدراسات الاستشرافية وسيناريوهات الخبراء.
ونظرا لأن علم الاستشراف علم قائم بذاته، فلابد من وجود مدارس لهذا الأخير، فقد عرف علم الاستشراف ظهور عدة مدارس منها :
1. المدرسة الأمريكية، حيث تركز هذه المدرسة على التطبيقات العملية والاقتصادية، وتستخدم الاستشراف بشكل واسع في الدراسات السوقية والتكنولوجية.
2. المدرسة الأوروبية، حيث تُركز هذه المدرسة على السيناريوهات الشمولية مع البعد الاجتماعي والسياسي.
3. المدرسة اليابانية، حيث تعتمد هذه المدرسة على الابتكار التكنولوجي والتخطيط طويل الأمد، مثلها مثل المدرسة الصينية.
4. المدرسة الإسلامية:
وأخيرا المدرسة الإسلامية والمدرسة الأولى والسابقة في هذا المجال منذ 14 قرنا، حيث تعتبر المدرسة الإسلامية مدرسة فريدة ورائدة في هذا المجال حيث تمزج بين القيم الأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها الفرد والرؤية الاستراتيجية المستقبلية.
فالمدرسة الإسلامية في الاستشراف تتميز بعمق فكري وقيمي يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل، مستمدة أصولها من القرآن الكريم، والسنة النبوية، واجتهادات العلماء المسلمين. فهي تهدف إلى تحقيق استدامة حضارية وتوازن بين الإنسان والبيئة، مع مراعاة القيم الأخلاقية والغايات الإنسانية.
إن المدرسة الإسلامية للاستشراف تقدم نموذجًا شاملاً يدمج بين القيم الإنسانية والأدوات العملية. فهي تُظهر كيف يمكن استخدام المبادئ الإسلامية لاستشراف المستقبل والتخطيط له لتحقيق تنمية مستدامة ومجتمعات متوازنة، مستفيدة من فهم الماضي والحاضر واستشراف المستقبل في سياق مقاصد الشريعة الإسلامية.
وبالتالي نستشف من خلال ما تم التطرق له أهمية ودور الاستشراف في الإعداد للمستقبل، والتوقع له من خلال إعداد سيناريوهات محتملة أو فتح مسارات جديدة قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، وبالتالي فالاستشراف يحتاج إلى ممارسة وتطبيق على أرض الواقع، وحديثنا اليوم عن الاستشراف الترابي والاستشراف القطاعي كمكون أساسي للتنمية الترابية يأتي في سياق المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة.
إن إنتاجنا لمصطلحي الاستشراف الترابي والاستشراف القطاعي نابع من قناعتنا الدينية والشخصية والمجتمعية لما يمثله هذان المصطلحان من أهمية كبرى واستراتيجية في مجال التنمية الترابية، وما يشهده المغرب اليوم من تقدم وتطور في إطار الجهوية المتقدمة، وفي مختلف المجالات التنموية يدعو اليوم إلى أنه يجب الاستعانة واعتماد الاستشراف الترابي والاستشراف القطاعي كمكون أساسي للتنمية الترابية تحت القيادة المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس نصره الله في هذا المجال.
فالاستشراف الترابي يُعنى بدراسة واستشراف مستقبل الأقاليم والمجالات الترابية من خلال تحليل التغيرات الديموغرافية، الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية التي تؤثر على هذه المجالات، وبالتالي فنحن أمام مفهوم هيكلي وأساسي في تطوير وصناعة القرار الترابي المحلي.
فهذا الأخير يسعى إلى دعم التنمية المستدامة للمجالات الترابية (سواءا الأقاليم، الجهات، المدن) من خلال استكشاف الفرص والتحديات المستقبلية، ووضع خطط استراتيجية مبنية على رؤية واضحة ومتكاملة. وبالتالي فالاستشراف الترابي يسعى إلى :
1. المساهمة في تعزيز الاستشراف والتخطيط الاستراتيجي المحلي من خلال :
أولا، العمل على تحليل الاتجاهات العالمية والتطورات المستقبلية ودراسة تأثيرها على الأقاليم والجهات والمدن من خلال وضع رؤية مستقبلية للمجال الترابي، حيث يساعد الاستشراف الترابي في صياغة رؤية طويلة الأمد تتماشى مع تطلعات السكان والإمكانات المحلية.
ثانيا، يساهم الاستشراف الترابي في تحديد الأولويات التنموية، حيث يساهم في تمكين صانعي القرار الترابي من تحديد المجالات ذات الأولوية (على مستوى البنية التحتية الأساسية والرقمية، الخدمات، الاستثمار) وفقًا للسيناريوهات المستقبلية.
ثالثا، المساهمة في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال إخقاق التوازن بين الأبعاد الثلاثة للتنمية وهي البعد البيئي، من خلال المحافظة على الموارد الطبيعية، والبعد الاقتصادي، من خلال تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، وأخيرا البعد الاجتماعي، من خلال تحسين جودة حياة السكان. كما يساهم الاستشراف الترابي في تعزيز كفاءة استخدام الموارد بفعالية، من خلال إعمال مبدأ النجاعة الاقتصادية، التي جاءت في الرسالة الملكية بخصوص إحصاء 2024، وهي مفهوم ينبني على مبدأ أو قاعدة باريتو 80/20، والتي تعني 20% من موارد الدولة تساهم في تحقيق 80% من الأهداف المرجوة والمستقبلية، ويعتبر مبدأ النجاعة الاقتصادية نقطة التحول بين الممارسة الاقتصادية الدنيا والممارسة الاقتصادية العليا، حيث من خلال هذا التحول نتجه إلى الوصول نحو الأداء العالي جدا في الممارسة الاقتصادية، وصولا إلى التميز في الممارسة الاقتصادية. وبالتالي فالاستشراف الترابي يساهم بشكل كبير في توجيه الموارد المتاحة بشكل يعزز استدامتها للأجيال القادمة.
رابعا، العمل على استباق المخاطر وإدارة الأزمات وقيادتها بفعالية، وذلك من خلال التكيف مع التغيرات وتحليل تأثيرات التغيرات المناخية، الاقتصادية، والاجتماعية على المجال الترابي، والعمل على إدارة وقيادة الأزمات بشكل استباقي من خلال وضع استراتيجيات للتعامل مع الكوارث الطبيعية، الأزمات الاقتصادية، أو الأوبئة، كنا أن النجاح في قيادة الأزمات وإدارتها يتطلب تفعيل مبدأ اليقظة الاستراتيجية، ووضع نظام للإنذار المبكر للاستعداد للتغييرات والأزمات المستقبلية والعمل على رصد الإشارات سواء المتقدمة أو الضعيفة وتحليلها وتفسيرها في إطار منظومة نسقية متكاملة، تجمع بين التحليل الكمي والتحليل النوعي.
خامسا، الاستشراف الترابي يسانم في تعزيز جاذبية الأقاليم للاستثمار، خيث يعمل على تحفيز الاستثمار المحلي والدولي، من هلال خلق بيئة مواتية للاستثمار حيث يعمل على فهم الاتجاهات المستقبلية وتطوير البنية التحتية المناسبة، كما يساهم في تعزيز التنافسية
من خلال دعم المجالات الترابية في تحسين موقعها على الصعيدين الوطني والدولي. حيث يعمل الاستشراف الترابي على دعم اتخاذ القرار الترابي القائم على البيانات، فتوفير معلومات دقيقة والاعتماد على تحليل البيانات والتوجهات يساعد بشكل أساسي وهيكلي في إختيار أفضل القرارات المحلية من طرف صانعي القرار. كما أن إشراك الأطراف المعنية من خلال إدماج السكان، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص في عمليات التخطيط، يساهم في بلورة استراتيجيات واضحة ودقيقة تراعي التلبية السريعة لاحتياجات المواطنين، وفي نفس الوقت تستشرف المستقبل لمواكبة التغيرات المستقبلية.
سادسا، المساهمة في تعزيز العدالة الترابية، فالاستشراف الترابي يساهم في تقليص الفوارق الاجتماعيةوالاقتصادية للمناطق والأقاليم فهو يعمل على استشراف الاحتياجات المستقبلية للأقاليم الأقل نموًا والعمل على سد الفجوات التنموية. كما يعمل على تعزيز التوازن بين الجهات، من خلال ضمان توزيع عادل للموارد والخدمات.
سابعا، يساهم الاستشراف الترابي في دمج التكنولوجيا في التخطيط الترابي، فمن خلال استخدام الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، يمكن دعم التخطيط المحلي من خلال استخدام أدوات تكنولوجية حديثة.
والمساهمة في تطوير المدن والتحول نحو المدن الذكية، خاصة أن معدل التمدن حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024، وصل إلى نسبة 62,8%
وبالمقابل فالاستشراف الترابي يعزز ويساهم في توجيه الجهات والأقاليم والمدن نحو الابتكار والاستدامات الخمس الرقمية، البيئية، الاقتصادية، الاجتماعية، المكانية.
ثامنا، الاستشراف الترابي يساهم في تحسين جودة حياة السكان، من خلال توفير الخدمات الأساسية،
وبالتالي، استشراف الاحتياجات المستقبلية للمجتمع من (تعليم، صحة، سكن). كما يساهم في التخطيط لتحسين البنية التحتية من خلال تطوير الطرق، النقل، والمرافق العامة بما يتناسب مع النمو السكاني المتوقع.
تاسعا، المساهمة في تعزيز الشراكات، حيث يتم التعاون بين المستويات الإدارية، من خلال دعم التنسيق بين الجماعات المحلية، الأقاليم، والدولة. كما يساهم الاستشراف الترابي في تعزيز التعاون الدولي، من خلال الانفتاح على الشراكات الدولية لتبادل الخبرات والاستفادة من أفضل الممارسات.
عاشرا، المساهمة في بناء قدرات الفاعلين المحليين وصانعي القرار الترابي، فمن خلال التدريب والتأهيل، سيتم تطوير مهارات المسؤولين المحليين وصانعي القرار الترابي في مجالي التخطيط الاستراتيجي والاستشراف الترابي. كما يساهم تطوير وتقوية الكفايات في تشجيع الابتكار المحلي من خلال دعم الفاعلين المحليين في إيجاد حلول مبتكرة للتحديات المستقبلية.
إن الاستشراف الترابي ليس مجرد أداة تحليلية، بل هو نهج استراتيجي متكامل يهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة، واستباق التحديات، وتحقيق العدالة الترابية، من خلال رؤية مستقبلية واضحة وشاملة، يمكن للأقاليم والجهات تحقيق توازن مستلهمة من ماضيها وقيمها وتقاليدها وعاداتها، وبين الحاضر العنيف بكل تحدياته و بين مستقبل المرغوب الذي تريد الولوج إليه.
أما فيما يخص الاستشراف القطاعي فهو يركز على تحليل المستقبل في قطاع معين (مثل الزراعة، الصناعة، التعليم، الصحة، الطاقة)، وذلك بهدف تطوير رؤى استراتيجية تسهم في تحسين أداء هذا القطاع ومواجهة تحدياته المستقبلية، واقتناص فرصه المتاحة والمستقبلية.
ويسعى الاستشراف القطاعي إلى تحقيق مجموعة من الأهداف منها :
أولا، العمل على تحديد الفرص المستقبلية، حيث يسعى الاستشراف القطاعي إلى اكتشاف التوجهات الجديدة التي يمكن أن تحقق مزايا تنافسية في القطاع.
مثل: استشراف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم.
ثانيا، التعامل مع المخاطر، من خلال استباق الأزمات والتحديات المحتملة (مثل تغيرات المناخ في الزراعة).
ثالثا، العمل على تعزيز وتحقيق الكفاءة والاستدامة، من خلال وضع خطط لتحسين استغلال الموارد والاعتماد على الابتكار.
رابعا، العمل على دعم السياسات القطاعية، حيث يساهم الاستشراف القطاعي على توفير معلومات دقيقة لصناع القرار لتطوير سياسات تخدم القطاع.
خامسا، المساهمة في تعزيز التكامل الاقتصادي بين القطاعات، حيث يتم دراسة التداخلات بين القطاع المدروس وقطاعات أخرى لتحقيق الالتقائية بين السياسات العمومية من أجل تحقيق تنمية شاملة.
وبالتالي فالعلاقة بين الاستشراف الترابي والقطاعي علاقة متكاملة الأركان فالاستشراف القطاعي، يركز على قطاع محدد بغض النظر عن الجغرافيا، أما الاستشراف الترابي، فيركز على جميع القطاعات ضمن مجال جغرافي محدد.
وبالتالي فالاستشراف القطاعي هو أداة حيوية لفهم وتحليل المستقبل في قطاعات محددة، مما يساعد الحكومات والشركات والمؤسسات على اتخاذ قرارات مدروسة تساهم في تحقيق الكفاءة والاستدامة في مواجهة التحديات المستقبلية.
وبالرجوع للعلاقة فيما بينهما فهما منهجان متكاملان مع بعضهما البعض، وبالتالي فكل منهما يركز على أبعاد مختلفة (جغرافية أو قطاعية)، ولكنهما يتداخلان في الأهداف والأساليب لتحقيق تنمية متكاملة ومستدامة.
فنقاط الالتقاء بين الاستشراف الترابي والقطاعي، عديدة ومتعددة منها : أ) تحقيق التنمية المستدامة، ب) التكامل في التخطيط، ج) تحليل البيانات والتوجهات.
أما في السياق المغربي، فالعلاقة بين الاستشراف الترابي والقطاعي وطيدة جدا وتظهر من خلال مشروع الجهوية المتقدمة، ففي المغرب تمثل الجهوية المتقدمة إطارًا مثاليًا للتكامل بين الاستشراف الترابي والقطاعي
فالاستشراف الترابي من خلال الجهوية فهو يساهم في دعم التنمية الجهوية بتحديد الأولويات بناءً على الخصوصيات الترابية المحلية، في المقابل يقوم الاستشراف القطاعي، بتطوير استراتيجيات تخصصية لقطاعات مثل التعليم، الصحة، والطاقة لدعم التنمية الجهوية، واستشراف مستقبلها من خلال اقتناص فرصها ومواجهة التحديات المستقبلية.