قال عبد الله حمودي، عالم الأنتروبولوجيا المغربي، إن النضال الفلسطيني يكشف نفاق الكونية الأوروبية التي انطلقت مع مبادئ الثورة الفرنسية عام 1789، ولكنها تحولت لاحقًا إلى أداة للقمع الاستعماري.
خلال الأسابيع التي سبقت إعلان وقف إطلاق النار، شهدت غزة هجوما إسرائيليا وُصف بأنه الأعنف، حيث استخدمت فيه إسرائيل تقنيات عسكرية وعلمية متطورة. ومع ذلك، صمد سكان غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص في وجه هذا العدوان. وعلق حمودي على ذلك قائلًا: “معجزة الروح الحرة التي لا تُقهر لشعب اختار التضحية من أجل حريته”. وأشار إلى أن هذا الصمود ألهم حركات تضامن عالمية، مما وضع غزة في قلب تعبئة كونية جديدة تسعى إلى إعلاء قيم الحرية والعدالة.
في مقال تحليلي نشر بموقع “ميديا بارت”، أوضح العالم الأنتروبولوجي أن الكونية الأوروبية، التي وُلدت مع مبادئ الثورة الفرنسية عام 1789، حملت وعدًا بتحرر جماعي قائم على مبادئ الحرية والعدالة والمساواة. ومع ذلك، يُظهر حمودي بحدة كيف تم تحريف هذه المبادئ بسرعة. مضيفا “أن التحول المأساوي لهذا الكونية إلى أداة للقمع الاستعماري ينكشف اليوم من خلال الإبادة الجماعية الزاحفة التي تستهدف شعبًا بأكمله”. وانتهى إلى أن هذا الواقع يلقي ضوءًا ساطعًا على نفاق نظام يدعي العالمية بينما يهمش ملايين الأشخاص.
وذكر حمودي أن الهجوم الإسرائيلي على غزة، بترسانة علمية وتقنية من الأكثر تقدمًا، يجسد “كونية القوة والتكنولوجيا العلمية بلا ضمير، في خدمة اللا إنسانية.” وأكد أن هذه الحرب غير المتكافئة تعكس في الوقت نفسه التجريد المنهجي للفلسطينيين من إنسانيتهم وانحدارًا أخلاقيًا للغرب الذي تهيمن عليه العنصرية والثروة والتكنولوجيا. “ومع ذلك، من خلال نضالهم، يرسل الفلسطينيون رسالة لا مثيل لها: الحرية لا يمكن اختزالها في امتياز النخب” يضيف كاتب المقال.
وتناول حمودي في تحليله الانتقادات الموجهة إلى الغرب، مؤكدًا أن أوروبا وأمريكا تعيشان إفلاسًا أخلاقيًا وفلسفيًا. وصرح بأن “التحالف بين العنصرية وبعض أشكال المسيحية المضللة أدى إلى تراجع القيم التي ادعت هذه القوى أنها تمثلها”. وعلى النقيض من ذلك، رأى أن نضال الفلسطينيين يمثل “انتصار الكرامة الإنسانية على العسكرية، وعلى ديانة العرق وأخلاقياتها.”
ودعا حمودي إلى إعادة صياغة المبادئ الكونية على أسس جديدة، مؤكدا أن “التقاء الحرية والعدالة” يمكن أن يشكل ضمانًا لاعتراف عالمي بقدسية الحياة. كما شدد على أهمية بناء رابط إنساني عالمي يتجاوز الانقسامات الدينية والعرقية والجغرافية.