لا حديث في الأوساط الشعبية إلاّ عن نار الأسعار الملتهبة التي تلتهم جيوب فئة واسعة من المغاربة، مع أول أيام رمضان، المعروف بإقبال المغاربة خلاله بشكل كبير على عدد من المواد الأساسية، سواء تعلق الأمر بالخضر، الفواكه، اللحوم أو الأسماك وغيرها…
وبالرغم مما سبق هذا الشهر من حديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن ضرورة عودة الأسعار إلى وضعها الطبيعي، الذي يناسب القدرة الشرائية للمغاربة، وما حدث مع الشاب عبد الاله المراكشي الذي فضح بسلوكه “الشنّاقة” و”المضاربين” في سوق الأسماك؛ إلاّ أن الوضع لم يختلف كثيراً في الأسواق الشعبية، فيكفي أن تتجول بين العربات الخاصة ببيع السمك والخضر ومحلات بيع الدجاج والبيض و”الجزارة” لتكتشف أن الوضع كما هو عليه.
الحكومة كعادتها، قالت على لسان مصطفى بيتاس الناطق الرسمي باسمها، إن هناك لجانا تخرج لمراقبة الأسواق، وأن الوضع تحت السيطرة، ولكن الأمر يراه العديد من المغاربة أنه “في مخيلة الحكومة وأعضاءها، أمّا الواقع شيء أخر”، يكفي أن تسأل عن ثمن الطماطم حتى تجد أن لا شيء تغير في الحقيقة.
الحنق على ارتفاع الأسعار يرتفع، والحكومة “غارقة” في أرقامها وإحصائياتها و”هروبها إلى الأمام”، ومحاولة أن تجيب عن التزامات تقول إنها محددة بالنسبة للمغرب، لكن عموم الفئات المتوسطة والبسيطة في المغرب لا تهتم بها بقدر ما تهتم بقدرتها الشرائية التي أصبحت في الحضيض.
حسب الحكومة، بالإضافة إلى الجفاف والمشاكل العالمية التي تخرج عن إرادتها، إن “الشناّقة” و”المضاربين” في الأسواق يرفعون الأسعار، ويجب التصدي لهم، لكن كيف؟، لا أحد قال للمواطن البسيط المثقل بالمصاريف كيف يمكن التخلص من هؤلاء المتاجرين بالأزمات.
والجميع يتذكر كلام أحمد رحو، رئيس مجلس المنافسة، قبل أيام خلال اللقاء الصحفي السنوي عندما أكد أن “القضاء على الوسطاء والمضاربين في الأسواق غير ممكن، بالنظر إلى دورهم الأساسي في الأسواق.. الحل الممكن هو أن تكون القيمة المضافة التي يتحصلون عليها أو الأجرة النهائية محددة وواضحة بشكل شفاف.. من أجل ضمان تتبعها”.
وتابع رحو: “عمل المضاربة بشكله الحالي يطرح مشكلة حقيقية بما أن أكثر من 50 في المائة من سعر المنتج يذهب لفائدة هؤلاء.. الحل هو تأهيل البيع المباشر أكثر في المغرب وتشجيعه، بالنظر إلى دوره الأساسي في منح إشارات شفافة لحقيقة الأسعار في الأسواق من داخل سلسلة القيمة. أما الوسيط فهو لا غنى عنه في سوق منظم”.
وفي هذا السياق، أوضح يونس فيراشين، عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل والكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم، أن الأسعار في المغرب وصلت إلى مستويات غير مقبولة ومرتفعة جداً، وهذا في تصاعد مستمر، وللأسف كما نؤكد دائما أن السبب ليس هو التضخم المستورد، ولكن السبب الرئيسي هو المضاربات، والاحتكار، والتفاهمات، وغيياب المراقبة، والمسؤولية لكل المؤسسات التي من المفروض أن تقوم بدور المراقبة.
وأضاف فيراشين في حديثه مع “الأول”: “أسباب الارتفاع الخاصة بهوامش الربح التي أصبحت مستفزة، عندما نسمع وزير في الحكومة يتكلم عن أن ثمن الأدوية يتضاعف بـ 300 في المائة، وكذلك عندما نسمع الأرقام المتعلقة بالدعم الذي تمّ تقديمه للمواشي واستيراد الأغنام من أجل دعم ثمن اللحوم ومع ذلك استمرت الأسعار في تصاعد مستمر.. وهذا الدعم يذهب إلى جيوب فئة من الرأسمالية الريعية والاحتكارية، التي لا تنتج أي فائض قيمة بل تستفيد من الريع والامتيازات.. وكل هذا عندما يتابعه المواطنون والمواطنات يزيد من غضبهم”.
وقال فيراشين، أيضاً، “الحكومة ليست عاجزة أو غير قادرة بل متواطئة، لأن أغلب هؤلاء المستفيدين من المضاربات والربح غير المقبول فهم من محيط هذه الحكومة والأغلبية التي تقودها، وبالتالي يجب تفعيل أليات المراقبة، ويجب مراجعة القانون الخاص بالأسعار والمنافسة، حيث يجب إمّا تسقيف الأسعار أو هوامش الربح، وأيضاً يجب أن يتوجه الدعم إلى مستحقيه عوض أن يذهب في اتجاه جيوب الأغنياء، وأن يتم اعتماد أليات المراقبة في جميع النقط التي تباع بها المواد الأساسية، وطيلة السنة، لأن الملاحظ أن هذه الآليات يتم القيام بها بشكل فرجوي”.