لا يزال جدل أسعار السمك يثير اللغط داخل سوق الجملة بمدينة الدار البيضاء حيث تفاقمت أزمة أسعار “السردين” وباقي المنتجات البحرية التي تستهلكها الطبقة الفقيرة، وذلك بعد الزيارة الميدانية التي قامت بها زكية دريوش، كاتبة الدولة المكلفة بالصيد البحري، لسوق الجملة للسمك بمنطقة الهراويين بالعاصمة الاقتصادية، أمس الأحد، والتي فجّرت أسراراً أخرى من خبايا المضاربين.
وانتقلت جريدة “العمق المغربي” صباح اليوم الإثنين إلى السوق المذكور لمعرفة حقيقة الأسعار التي كشف عنها أغلب التجار خلال زيارة المسؤولة الحكومية، والتي تشير إلى وجود أسعار مناسبة للسردين لا تتجاوز 200 درهم للصندوق الواحد، الذي يزن بين 20 و25 كيلوغراماً.
وحسب ما عاينته الجريدة أثناء الزيارة في عين المكان، فإن جميع الادعاءات التي جاءت على لسان التجار لا أساس لها من الصحة، خاصة في المنطقة الخاصة ببيع “السردين”، حيث يصل ثمن الصندوق إلى 350 درهما، وهو الأمر الذي أثار حنق التجار المتجولين الذين انتقلوا إلى المرفق العمومي لاقتناء السمك بغرض بيعه بالتقسيط.
وتختلف أسعار السردين حسب الجودة، حيث سجلت الجريدة ملاحظات عديدة حول طريقة بيع السمك، والتي لا تحترم شروط السلامة الصحية. كما لوحظ وجود أسماك بجودة ضعيفة تُباع بسعر يتراوح بين 240 و260 درهما للصندوق الواحد.
وقال أحد باعة السردين بالتقسيط: “الشناقة قتلونا، ما بقيناش باغين نجيوا للسوق. البارح كذبوا على الوزيرة، قالوا ليها بأن السردين بـ200 درهم للصندوق، حسبنا الله ونعم الوكيل.” وأضاف: “السردين المليح يصل إلى 400 درهم للصندوق، كلشي كذاب، وعند ربي نتلاقاو”.
وقد تبين من خلال الزيارة أن الوجوه نفسها التي ظهرت في المقاطع المصورة خلال زيارة المسؤولة الحكومية لسوق الجملة بمنطقة الهراويين، والتي أكدت أن ثمن الصندوق لا يتجاوز 200 درهم، هي نفسها التي تبيع اليوم الإثنين بأسعار تتراوح بين 270 و350 درهما للصندوق، ما يشير إلى أن هناك تنسيقا بين بعض التجار لإخفاء الأسعار الحقيقية مؤقتا.
ومن المحتمل أن يكون بعض التجار قد عرضوا كميات محدودة من السردين بسعر أقل من المعتاد أثناء زيارة دريوش، لإيهامها بأن السوق يبيع السمك بأسعار مناسبة، لاسيما وأن هذه الأساليب مكنت التجار من تقديم صورة غير واقعية عن وضع الأسعار، بينما الواقع يكشف أن المضاربة والاحتكار ما زالا يتحكمان في سوق السمك، ما يجعل الفقراء غير قادرين على شراء السردين بأسعار معقولة.
وفي هذا السياق، قال حسن الشطيبي، رئيس جمعية حماية المستهلك، إن “ارتفاع أسعار السمك بالمغرب، وخاصة في مدينة الدار البيضاء، هو النقطة التي أفاضت الكأس، لأن ما يجري على السمك ينطبق أيضاً على جميع المنتجات الفلاحية والبحرية، وذلك بسبب كثرة المضاربين والسماسرة الذين يستغلون الأزمات الوطنية.”
وأضاف الشطيبي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن “هذه الأوضاع دليل على غياب مراقبة السلطات داخل الأسواق الوطنية، مما يؤدي إلى الفوضى في تحديد الأسعار، رغم وجود إمكانية تسقيفها.” مشيراً إلى أن “قانون حرية الأسعار والمنافسة لا يمكن تطبيقه إلا في الحالات الاستثنائية وبموافقة الحكومة.”
وأكد المتحدث ذاته على “ضرورة مراقبة السلطات لجودة المنتجات وأسعارها، سواء في الموانئ أو في أسواق الجملة، مع إلزام التجار بإشهار لائحة الأسعار أمام العموم، تفادياً للغلاء وهيمنة الوسطاء على الأسواق.” مضيفاً أن “للمستهلك المغربي حرية الاختيار، كما أن الاحتكار ممنوع قانوناً وشرعاً.”
وختم قائلاً: “عبد الإله المراكشي وجّه رسائل إلى المسؤولين، وعليهم التقاطها. وما تدّعيه الحكومة من أن هدفها هو الحفاظ على السوق الوطنية ليس دقيقاً، وحتى مجلس المنافسة يجب أن يتحرك خلال هذه الأيام باعتباره مؤسسة دستورية.”