أكد جمال العسري، الأمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، أن الأحداث الجارية في سوريا ليست وليدة اللحظة، بل تمثل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من التوترات والمخططات التي تستهدف المنطقة منذ عقود، مشيراً إلى أن الشرق الأوسط ظل على الدوام في قلب الاستراتيجيات الإمبريالية بسبب ثرواته الهائلة وموقعه الجغرافي الاستراتيجي.
وجاءت تصريحات العسري خلال ندوة بالرباط، نظمتها الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب، مساء الجمعة 27 دجنبر الحالي، تناولت أبعاد الأزمة السورية وتداعياتها الإقليمية والدولية.
واستعرض العسري الخلفية التاريخية للأحداث التي تشهدها المنطقة، مبرزاً أن الصراعات في الشرق الأوسط ليست جديدة، بل تمتد جذورها إلى قرارات مثل وعد بلفور والنكبة والنكسة، والتي اعتبرها محطات مفصلية ساهمت في تأجيج التوترات في المنطقة. وقال: “من يعتقد أن ما يحدث اليوم في سوريا هو وليد اللحظة يخطئ، فالواقع أن المنطقة بأسرها عاشت وتعيش تحت وطأة مخططات تهدف إلى السيطرة على مواردها الطبيعية وإضعاف شعوبها.”
وأشار العسري إلى أن سوريا كانت إحدى الدول التي شهدت انتفاضات شعبية عام 2011 في سياق الربيع العربي، حيث خرج السوريون للمطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية، لكن هذه المطالب الشعبية تم الالتفاف عليها من خلال عسكرة الثورة وتدخل قوى خارجية لها أجنداتها الخاصة، مما أدى إلى تعقيد الوضع وانزلاق البلاد إلى حالة من الفوضى.
تحدث العسري عن التحولات التي طرأت على الساحة السورية منذ عام 2011، مؤكداً أن الانتفاضة الشعبية في بداياتها كانت تعبيراً عن رغبة شعبية صادقة في التغيير. ومع ذلك، أشار إلى أن غياب خطة واضحة لبناء نظام ديمقراطي عقب إسقاط النظام جعل من الصعب تحقيق الأهداف التي خرج من أجلها المتظاهرون.
وقال: “كان هناك خلط بين إسقاط النظام والتدمير الشامل. لم يتم التركيز على بناء الدولة بقدر التركيز على إسقاط النظام، وهو ما أدى إلى الفراغ السياسي والأمني الذي استغلته الجماعات المسلحة.”
وأضاف المتحدث أن سوريا أصبحت ساحة لصراعات القوى الكبرى، حيث تدخلت دول مثل روسيا وإيران من جهة، وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى، كل منها لخدمة مصالحها الاستراتيجية. وانتقد بشدة الازدواجية في مواقف القوى الدولية، مشيراً إلى أن التدخلات الخارجية لم تسعَ إلى حماية الشعب السوري بقدر ما ركزت على تأمين مصالحها الجيوسياسية.
وقال العسري: “كيف يمكن تفسير وجود بطاريات صواريخ روسية متطورة في سوريا، ومع ذلك لم تُستخدم لحماية الأراضي السورية من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة؟” واستنكر بشدة ما وصفه بالتوافق الضمني بين روسيا وإسرائيل بشأن الأجواء السورية، معتبراً أن ذلك يثير تساؤلات حول نوايا الأطراف المتدخلة.
لم يغفل العسري الحديث عن المأساة الإنسانية التي يعيشها السوريون، مشيراً إلى أن الملايين من اللاجئين السوريين يعيشون في ظروف مأساوية في دول مثل لبنان وتركيا والأردن، فضلاً عن آلاف آخرين الذين اضطروا للجوء إلى أوروبا. وأكد أن الشعب السوري وقع ضحية لصراع بين نظام استبدادي وجماعات مسلحة ذات أيديولوجيات متطرفة بعيدة كل البعد عن أهداف الثورة الأصلية.
وقال العسري: “الشعب السوري اليوم يعاني من التهجير والقتل والتدمير، وسط تجاهل شبه كامل من المجتمع الدولي الذي اكتفى بالتنديد دون اتخاذ خطوات فعلية لإنهاء معاناته.” كما دعا إلى ضرورة إعادة توحيد الشعب السوري على أساس مبادئ العدالة والمساواة، مشيراً إلى أن الحل يجب أن يكون شاملاً ولا يُقصي أي طرف.
وفي حديثه عن مستقبل سوريا، شدد العسري على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية والعمل على تحريرها من أي احتلال أجنبي. وأضاف أن المرحلة الانتقالية التي تحتاجها سوريا تتطلب استبعاد القوى المتطرفة، سواء كانت أنظمة استبدادية أو جماعات مسلحة.
وقال: “نحن بحاجة إلى بناء دولة وطنية ديمقراطية حقيقية تكون قادرة على تلبية تطلعات الشعب السوري. لا يمكننا الفصل بين الديمقراطية والوطنية، فالديمقراطية هي الضامن الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها.”
واختتم العسري مداخلته بدعوة المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته الأخلاقية والسياسية تجاه الشعب السوري، مؤكداً أن استمرار الأزمة دون حل سيؤدي إلى مزيد من المعاناة ليس فقط لسوريا ولكن للمنطقة بأسرها. وأضاف: “سوريا اليوم تحتاج إلى دعم حقيقي يعيد بناء الثقة بين مكونات الشعب ويضع حداً للصراعات التي استنزفت البلاد على مدى أكثر من عقد. هذا حُلمنا.”