الشامل المغربي

الأديب كمال داوود أمام القضاء بسبب روايته


بعد شهر فقط من فوزه بجائزة «غونكور» الفرنسية، تصدر اسم الروائي الفرنسي- الجزائري كمال داوود محركات البحث ومنصات التواصل الاجتماعي بعد اتهام سيدة له باستغلال قصتها الحقيقية في روايته «الحوريات» أو «الحور العين» وتوعدها بالتشبث بحقها واللجوء إلى القضاء.

 

إعداد: سهيلة التاور

 

اتهمت سيدة جزائرية الروائي الفرنسي- الجزائري، كمال داوود، بـ«استغلال قصتها الحقيقية» في روايته المسماة «الحوريات» أو «الحور العين»، وقالت إنها تعرف داوود شخصيا وزوجته الطبيبة النفسية التي كانت تعالجها لسنوات.

وأوضحت السيدة سعادة عربان، عبر مقابلة لها مع قناة «وان» الجزائرية، أنها رفضت طلبا من الكاتب وزوجته من أجل رواية قصتها، لتكتشف، في وقت لاحق، أنه «استغل قصتها مع تحويرات في الأمكنة والأحداث في روايته، لكن عدة فقرات تحيل بوضوح إليها»، بحسب تعبيرها.

ووجهت السيدة الجزائرية اتهامات مباشرة إلى زوجة الروائي كمال داوود بـ«إفشاء سرها الطبي الذي تتكتم عنه»، مشيرة إلى أنها كانت تزور المنزل العائلي لكمال داوود وزوجته، في مدينة وهران، حيث تقيم هي كذلك، وأن ابنهما وابنها صديقان.

وأبرزت سعادة أنها علمت من أصدقاء، بعد صدور الرواية في فرنسا، أن موضوعها يتناول قصتها وواجهت زوجة كمال داوود بالموضوع، إلا أن الأخيرة أكدت لها أن القصة ليست عنها وأهدتها نسخة من الرواية بتوقيع داوود، الذي كتب لها: «بلدنا غالبا ما أنقذته نساء شجاعات، أنت واحدة منهن».

وأكدت سعادة على أن قصتها تتقاطع بتفاصيل كثيرة مع قصة بطلة رواية كمال داوود، التي حملت اسم «فجر»، وهي فتاة نجت، على غرار سعادة، وهي في الخامسة من العمر من عملية ذبح في هجوم إرهابي بقلب الجزائر، خلال ما يُعرف بـ «العشرية السوداء» وفقدت حبالها الصوتية، ثم تبنتها سيدة في وهران هي بدورها يتيمة. وعندما بلغت السادسة والعشرين من عمرها، حملت، غير أنها فكرت في إجهاض جنينها الذي أسمته «حورية».

وشددت سعادة على أنها وجدت نفسها في قصتها وشخصية السيدة خديجة، التي تبنتها، ومحاولتها هي ذاتها إجهاض جنينها، ووقوع الأحداث نفسها في المدينة التي ترعرعت فيها، وهي تبلغ الآن 26 سنة مثل بطلة كمال داوود ذاتها في الرواية.

وأردفت سعادة أنها، بعد الاطلاع على الرواية التي لم تستطع أن تكمل قراءتها، تأثرت كثيرا نفسيا وكانت لذلك تداعيات على صحتها كما أكد زوجها الذي كان مرافقا لها خلال المقابلة.

 

رد داوود

تصدر اسم داوود محركات البحث في منصات التواصل الاجتماعي بالجزائر، وتناقل العديد من المؤثرين حكاية سعادة بين مدافع ومهاجم.

وقال الروائي الجزائري جلال حيدر: «تضامني الكلي مع سعادة وعائلتها. أضع اسمي في أي بيان يطالب بإخضاع كمال داوود وزوجته للعدالة الجزائرية للبت في هذه القضية».

وبأسلوب ساخر علق الكاتب والصحافي الجزائري نجيب بلحيمر: «متضامن مع الكاتب الفرنسي كمال داوود الذي يتعرض الآن لحملة بشعة لإرغامه على أن يكون جزائريا، بعد أن باع إنسانيته من أجل التخلص من هذه الصفة».

ووصل الجدل إلى كندا، حيث علق الحزب الشيوعي الكندي على منصة «إكس»، واصفا تصريحات الفتاة الجزائرية بـ«قنبلة تحاصر روائيا ذاع صيته في فرنسا».

من جهة أخرى، أشار المدافعون عن داوود إلى أن «ما يتعرض له من حملة شرسة يعد انعكاسا لفجوة الثقة بين ضفتي البحر المتوسط».

وعلق الناشط الجزائري كريم رضوان على الجدل قائلا: «لماذا يعجبني كمال داوود؟ ليس لأنه يملك أسلوبا جميلا. يعجبني لأنه يضرب ويُضرَب، ينتقد ويُنتقَد، يهاجم ويهاجَم، يؤثر ويتأثر».

والملاحظ أن الصحافة الفرنسية تعاملت بتجاهل مع تصريحات السيدة واتهاماتها الموجهة إلى كمال داوود.

ومن جهته هنأ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأديب عقب فوزه بجائزة «غونكور»، بينما لم تصدر عن أي هيئة رسمية جزائرية، بما فيها الرئيس عبد المجيد تبون، أي تهنئة في هذا الصدد.

وتستعد سعادة لتنظيم ندوة صحفية في الجزائر العاصمة، ومن المرشح أن يتم رفع دعوى قضائية مزدوجة ضد داوود في الجزائر وفرنسا.

وأوضح المحامي الجزائري عبد الرحمان صالح الجانب الإجرائي للقضية، وقال لموقع «سكاي نيوز عربية»: «قانون أخلاقيات المهنة وقانون العقوبات يلزمان الجميع بالحفاظ على سر العملاء. الاختصاص يعود إلى القضاء الجزائري، وهناك فرصة لرفع القضية في فرنسا باعتبار عالمية النص الجنائي».

ووصف المحامي القضية بالضعيفة التي لن تتجاوز حدود الشكل، وقال: «التقدير يرجع للقاضي. من حق أي روائي أن يستوحي من الواقع طالما لم يكشف هوية الشخصية»، مؤكدا أن رفع الدعوى في فرنسا لن يتجاوز مرحلة الشكل من دون استدعاء المتهم للمثول أمام القضاء.

ويرى المحامي الجزائري عمر فاروق سليمان أن «القضية تضع الزوجة الطبيبة أمام مشكلة لمخالفتها لأخلاقيات مهنة الطب، بينما الروائي في وضع سليم من الناحية القانونية».

وقال سليمان: «الانتقادات التي توجه إلى كمال داوود تأخذ من الجانب الفرنسي على أنها انتقادات سياسية، وهو ما يجعل القضاء الفرنسي ينظر إلى هذه القضية من ناحية سياسية»، مستبعدا هو الآخر أن يتم استدعاء داوود للتحقيق في إطار «حماية حرية التعبير والإبداع».

 

فائز بجائزة «غونكور»

فاز الكاتب الجزائري كمال داوود بجائزة «غونكور» الأدبية الفرنسية عن روايته «الحوريات»، ليصبح بذلك أول جزائري ينال هذه الجائزة الرفيعة للأدب الفرانكفوني. وتعالج الرواية الأحداث التي وقعت خلال العشرية السوداء (1992- 2002) في الجزائر. وحصل داوود على ستة أصوات من أصل عشرة في لجنة تحكيم الأكاديمية.

وكانت الكاتبتان الفرنسيتان إيلين غودي وساندرين كوليت، إضافة إلى الفرنسي من أصل رواندي غاييل فاي في منافسة مباشرة مع داوود للحصول على الجائزة.

وأعلن فيليب كلوديل، رئيس أكاديمية غونكور، فوز الكاتب الفرنسي من أصل جزائري، كمال داوود، بجائزة «غونكور»، التي تُعدّ أبرز المكافآت الأدبية الفرانكفونية، عن روايته «الحوريات»، ليحسم بذلك التنافس الشديد الذي انحصر في النهاية بين الفائز والكاتب غاييل فاي.

وتعد «غونكور» أعرق وأهم جائزة أدبية في فرنسا، وتُمنح سنويًا منذ عام 1903، وتعرف بتكريمها للأعمال الأدبية ذات القيمة الفنية العالية، وهي أكبر طموح للكتاب الفرنسيين والفرانكفونيين، حيث تؤمن لهم الشهرة وتضمن لهم نجاحًا كبيرًا، على الرغم من أن قيمتها المالية رمزية تقدر فقط بعشرة يوروهات.

 

العشرية السوداء

تتحدث رواية «الحوريات» أو «الحور العين» عن فترة حساسة في تاريخ الجزائر، فترة انتشار الإرهاب في البلاد أو ما يعرف بـ«العشرية السوداء»، حيث يسرد الكاتب قصة «فجر» الحامل التي فقدت جزءًا من جسدها نتيجة اعتداء الجماعات الإرهابية، وهي تروي لطفلتها المنتظرة مأساتها. وتعد الرواية شهادة حية على الأحداث الدامية التي عاشتها الجزائر خلال تلك الحقبة.

وهذا المحتوى الذي يخوض في المأساة الوطنية وفق الطرح الرسمي في الجزائر، دفع سلطات البلاد إلى منع دار النشر «غاليمار» من المشاركة في المعرض الدولي للكتاب في الجزائر. ويرتكز قرار السلطات على قانون المصالحة الوطنية الصادر سنة 2005 في الجزائر، والذي يمنع، في إحدى مواده، نكأ جراح المأساة الوطنية، رغم أنه لم يصدر موقف رسمي حول هذا الموضوع.

واعتبر معلقون أن الإعلام الفرنسي بالغ في الإشارة إلى هذا الموضوع، على اعتبار أن هناك روايات كثيرة تناولت موضوع العشرية السوداء في الجزائر، من أشهرها روايات ياسمين خضرة، وكاتبها هو محمد مولسهول، ضابط سابق في الجيش الجزائري وعمل في الميدان في مواجهة الجماعات الإرهابية.

وفي دفاعه عن رواية «الحوريات»، أكد كمال داوود أن تناول حقبة الإرهاب في الجزائر يأتي لتجاوز محاولة نسيان تلك الأحداث المروعة. ومن الناحية الأدبية، قالت صحيفة «لوفيغارو» إن نجاح رواية «الحوريات» يعكس (أيضًا) الاعتراف الكبير بلغتها الأدبية الرفيعة التي وصفتها بأنها قوية ومشحونة بالعواطف، وتُعبّر عن مشاعر مختلطة وتتنقل بين الأحاديث العفوية والاعترافات الشخصية، ما يجعل من الرواية نصًا قويًا ومؤثرًا أشبه بـ«نهر جارٍ يُعبر عن الآلام والصدمات التي خلفتها الحرب».

ويُعرف داوود، المولود عام 1970 في مدينة مستغانم غرب الجزائر، والذي منحه الرئيس الفرنسي الجنسية الفرنسية قبل سنوات قليلة، بمواقفه الصادمة في كتاباته وأعمدته الصحفية التي بدأها خلال التسعينيات في جريدة «لوكوتيديان دورون» الجزائرية. ومن أبرز أعمال داوود رواية «ميرسو، تحقيق مضاد»، التي صدرت عن دار «غاليمار» في 2014، وهي تحاكي رواية ألبير كامو «الغريب». والرواية المذكورة رشحت داوود لجائزة «غونكور» لأول مرة، ونال حينها الجائزة عن أفضل رواية أولى.

 

«الحوريات» محظورة في الجزائر

تم حظر رواية «الحوريات» في الجزائر منذ 27 فبراير 2006، استنادا إلى تنفيذ ميثـاق السلم والمصالحة الوطنية. وينص القانون على أنه «يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات وبغرامة من 250.000 دينار إلى 500.000 دينار، كل من استغل أو استغل جراح المأساة الوطنية بأقواله أو كتاباته أو أي عمل آخر، أو استخدمها كأداة لتقويض مؤسسات الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أو إضعاف الدولة».

وسبق للكاتب الجزائري كمال داوود أن عبّر عن أسفه لحظر كتابه في الجزائر، في تصريح خلال مهرجان كوريسبوندانس الأدبي في مانوسك الفرنسية، حيث قال إن «كتابي يُقرأ في الجزائر لأنه مقرصن، لكن لم يُنشر فيها للأسف».







Source link

Exit mobile version