الأحد, مارس 16, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربياستفحال الغلاء بالمغرب.. بين السخط الشعبي والتنافس الانتخابي 

استفحال الغلاء بالمغرب.. بين السخط الشعبي والتنافس الانتخابي 


عرف المشهد السياسي خلال هذه السنة ظاهرة ملفته للانتباه تتمثل في خروج الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة، بتصريحات تدعو فيها إلى التصدي لغول الغلاء، الذي التهم القدرة الشرائية لفئات كثيرة من المغاربة، وتعليق غلاء أسعار العديد من المواد الأساسية على شماعة “المضاربين” من خضر وفواكه ولحوم . فهل تعكس هذه التصريحات عجزا حكوميا عن مواجهة اختلالات سوق، يتحدى قواعد العرض والطلب والمنافسة أم ترتبط بتنافس انتخابي مبطن  لتوظيف ورقة الغلاء للتموقع في أفق  انتخابات 2026 ؟؟

  • الغلاء ومظاهر السخط الشعبي

تجدر الإشارة بأن أسعار المواد الغذائية في المغرب قد عرفت ارتفاعا مطردا وذلك منذ جائحة كورونا لتزداد وتيرتها بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا. لكن استفحال هذه الأزمة تفجر، بعد أن انتقل هذا الغلاء ليشمل الخضر والفواكه واللحوم والدواجن، والتي أصبحت تمس في العمق مخرجات المخطط الأخضر الذي أشرف عليه رئيس الحكومة الحالي السيد عزيز أخنوش، شخصيا حين كان يشغل مهمة وزير الفلاحة في الحكومات السابقة. ولعل مما زاد من احتدام هذه الأزمة هو المفارقة بين سوق محلي ترتفع فيه أسعار الخضر والفواكه واللحوم والدواجن بشكل غير مسبوق، وبين سوق أوروبية وإفريقية وخليجية وروسية تضج بالمنتجات المغربية المصدرة إليها. ليتم اتهام حكومة أخنوش، بكونها  على تصدير هذه المنتجات للرفع من الاحتياطات النقدية والزيادة في الموارد الضريبية مما أصبح يهدد السوق الوطني بالندرة وقلة العرض، والتسبب في التهاب الأسعار والإجهاز على القدرة الشرائية وتعريض السلم الاجتماعي للتهديد.وقد خلف هذا الوضع سخطا شعبيا انعكس من خلال تحركات بعض الهيئات النقابية والحقوقية ، حيث ربط المكتب الوطني للجمعية المغربية لحماية المال العام، ارتفاع الأسعار وتوسع هامش الربح عند بعض الشركات بـضعف الآليات القانونية لضبط السوق، وعجز مجلس المنافسة عن القيام بالأدوار المنوطة به. في حين انتقدت  بعض المركزيات النقابية  هذا الغلاء ، حيث صرح الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل بأن”الطبقة العاملة والجماهير الشعبية تكتوي بغلاء الأسعار في ظل الارتفاع الصاروخي غير المفهوم للمنتجات الاستهلاكية”، مبرزا أن “تبريرات الحكومة بخصوص الغلاء غير مقبولة فالمغرب بلد فلاحي يتوفر على جميع أنواع الخضر والفواكه، وبالتالي لا يعقل إرجاع الزيادات الحالية إلى الجفاف، لأنه لا يمكن للحكومة ترك المواطنين في أيدي المضاربين والوسطاء الذين رفعوا من أسعار المنتجات الاستهلاكية”. في حين أورد الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، بأن “النقابة تفكر في تجسيد مبادرات نضالية على أرض الواقع بعد توالي شكايات المواطنين حول لهيب الأسعار وأن المنظمة ستنسق مع النقابات الراغبة في النزول إلى الشارع لخوض إضراب عام أو وقفة احتجاجية مشتركة” . وقد انخرطت بعض هذه المركزيات في أشكال احتجاجية وصلت إلى تنظيم إضراب عام تزامن  توقيته مع المصادقة على القانون التنظيمي للإضراب . الشيء الذي جعل هذه الاحتجاجات تفشل في انتزاع أية إجراءات حكومية لا في إعادة مناقشة هذا القانون أو اتخاذ أية إجراءات للحد من تغول الغلاء وملاحقة الوسطاء والمضاربين . ولعل هذا ما أدى إلى استمرار السخط الشعبي الذي انعكس من خلال بعض الحملات التي ظهرت على مواقع التواصل الاجتماعي، من قبيل ظاهرة “مول الحوت” الذي يبيع الأسماك بأسعار زهيدة، التي أحرجت الحكومة ودفعت أحزابها إلى إطلاق تصريحات في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي الذي أنتجه الغلاء. لكن ذلك لم يمنع من اندلاع بعض الاحتجاجات في الأسبوع الثاني من شهر رمضان بسبب تفاقم معاناة المواطنين من غلاء أسعار جميع المنتجات الغذائية، من الخضروات والفواكه واللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك، حيث عرفت  بعض الأسواق بالمملكة ظواهر عنف مثيرة على غرار ما شهده السوق الأسبوعي رباط الخير بمدينة صفرو على خلفية الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية، خاصة الخضر والفواكه واللحوم والأسماك، حيث انتشرت مقاطع فيديو بشكل واسع على منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تظهر مشادات كلامية بين باعة ومتسوقين غاضبين، والتي انتهت باعتقال سبعة منهم تم عرضهم أمام القضاء.

  • الغلاء والعجز الحكومي عن التحكم في آليات سوق التصدير

إن الاستقراء المعمق لأسباب فشل الحكومة في التحكم في استفحال غلاء الأسعار خاصة أسعار الخضر والفواكه و اللحوم قد يرجع بالأساس إلى  تغول نخب المال والأعمال على السلطة الحكومية، وارتهان الحكومة لمعادلات ضيقة فرضها واقع تضارب المصالح لبعض أعضائها وربما لأحزاب مكونة لها. فقبل سنة، صدر تحذير مهم من  بعض المهنيين لوزارة الفلاحة نبه إلى أنهم لن يستمروا في إنتاج الطماطم الموجه للسوق الداخلية بسبب ارتفاع الكلفة وعدم قيام الحكومة بأي إجراء يخفف من العبء الضريبي، في الوقت الذي كانت الحكومة تحقق موارد ضريبية مهمة. وبالتالي اختار المهنيون توجيه استثماراتهم للمنتوجات الزراعية الموجهة للتصدير نظرا لمردودها المالي المهم الذي يمكنه أن يغطي كلفة الاستثمار، والانصراف عن تلبية حاجيات السوق الوطنية . وقد كان لهذا التوجه تأثير سلبي على تلبية السوق الداخلية ، خاصة في شهري يناير وفبراير اللذين يتأخر فيهما الإنتاج بسبب انخفاض درجة الحرارة، مما جعل الحكومة، تعقد لقاء مع المهنيين لإقناعهم بصرف جزء من المنتوجات الموجهة للتصدير إلى السوق الوطنية. ولكن إذا كانت الحكومة قد نجحت في توقيف التصدير للسوق الافريقية بحكم أن التصدير لهذه الأخيرة لا يخضع للعقود الإلزامية المبرمة مع  السوق الأوروبية ، فقد كشف حقيقة أنها  لا تملك أي معطيات عن الحاجة الحقيقية للسوق الوطنية، وتترك توفير متطلباتها، وحاجة الدول الأخرى للمنتوجات المغربية لإرادة المهنيين، الذين يبرمون عقودهم للتصدير، دون أن يكون لها يد حتى في تنسيق هذه العملية أو ضبط إيقاع معادلة حاجة الداخل ومتطلبات الخارج. وأمام هذا العجز ، لجأت حكومة أخنوش إلى خطاب يبرر استفحال الغلاء بارتفاع أسعار المواد الأولية كالبذور والأسمدة في مناخ دولي مضطرب، وارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق الدولية، وما ينتج عنها من ارتفاع أسعار البذور والآليات الزراعية التي يحتاجها الفلاح وحالة الطقس (البرد الشديد) الذي قلل الإنتاج خاصة في شهر يناير وفبراير، وجشع الوسطاء الذين يستغلون قلة الإنتاج للقيام بمضاربات واحتكار يضخم الأسعار. لتقوم باتخاذ بعض الإجراءات الشكلية المتمثلة على الخصوص في تحريك الجهاز الإداري لمراقبة الأسعار والتصدي لبعض المضاربات، مع تغطية إعلامية لهذه العمليات .ولعل ما زاد من تعرية عجز هذه الحكومة هو القرار الملكي بعدم ذبح الاضاحي لهذه السنة بعد تراجع القطيع وعدم نجاعة إجراءات الدعم في الحد من ارتفاع أسعار اللحوم وتراجع القدرة الشرائية لأوسع الفئات الشعبية بما فيها الطبقات المتوسطة.

-الغلاء كورقة انتخابية بين أحزاب الحكومة

أمام موجة الغلاء التي اكتسحت السوق المغربية ، نظم حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة، بمدينة أكادير، ندوة حول “ارتفاع الأسعار بالمغرب.. الأسباب وسبل تحقيق الاستقرار الاقتصادي”، دعا فيها إلى تعزيز المراقبة على الأسواق وضبط الأسعار للحد من المضاربات. أما حزب الأصالة والمعاصرة، فقد دعا الحكومة التي يشارك فيها، في بلاغ له ، على تكثيف المراقبة والضرب بيد من حديد على “بعض الوسطاء والمهنيين المفسدين الذين لايزال يستغلون كل إمكانيات علاقاتهم لافتعال الأزمات والانتفاع من وضع المضاربات”. في حين سبق للأمين العام لحزب الاستقلال ووزير التجهيز والماء، نزار بركة، في تجمع حزبي بإقليم الجديدة،أن انتقد  استمرار ارتفاع الأسعار ودعا التجار إلى أن “يتقوا الله” في المواطن، وهاجم المضاربين في الأسعار، مفسرا غلاء اللحوم بـ”الجشع” و”استباحة أموال المغاربة” .وبهذا الصدد ،يمكن أن نرجع مواقف هذه الأحزاب وتصريحات قيادييها  إلى عدة عوامل من بينها :

-احتواء خطاب المعارضة التي استغلت مناقشة تقرير المجلس الأعلى للحسابات لتعري قصور العمل الحكومي عن التحكم في الغلاء ، حيث لفت فريق التقدم والاشتراكية بأن الحكومة قد قدمت ما يصل إلى 8,6 ملايير درهم لأرباب النقل و13 مليار درهم لمستوردي الأبقار والأغنام بدون أثر إيجابي يذكر على القدرة الشرائية للمغاربة، مسجلا عجزها عن المراقبة الحقيقية للأسواق والمحاربة الحازمة للمضاربات والاحتكارات ورفضها تسقيف أسعار الغازوال والبنزين”. في حين أشار الفريق الحركي في تفاعله مع تقرير المجلس “بأنه رغم المؤشرات المتفائلة، فإن الأسعار لازالت ملتهبة وتتجاوز القدرة الشرائية للمواطنين”

– قرصنة خطاب بعض جمعيات الدفاع عن حقوق المستهلك ، حيث صرح رئيس الاتحاد المغربي لجمعيات حماية المستهلك بالمغرب ” أن اللجوء إلى هذا النوع من الخطاب، دليل على أن الحكومة عاجزة تماما على محاربة المضاربين وضبط الأسواق، وهي التي تسببت في ظهور هؤلاء المضاربين بوتيرة لم يسبق أن شهدتها أي ولاية حكومية بالمغرب. فواجب الحكومة أن تستعمل صلاحياتها لمواجهة الغلاء والمضاربين، بتسقيف الأسعار، فهذه الحكومة وأحزابها، سرقت خطاب الشعب وخطاب الحقوقيين وحماة المستهلك، ورددت المطالب المطالب التي نطالب بها”

– استشعار الأحزاب المكونة للحكومة بأن الغلاء أصبح مشكلا عاما وموضوعا ذي حساسية كبيرة، بحيث أنتج سخطا شعبيا بات يهدد عملها خاصة فيما تبقى من فترة ولايتها . وبالتالي لجأت أحزاب الأغلبية الحكومية إلى محاولة التملص من هذا المشكل من خلال إطلاق مثل التصريحات، خصوصا أن هذه المسألة تتزامن مع بداية حملة انتخابية سابقة لأوانها. وبالتالي ، فكل حزب يحاول أن يرمي الكرة في ملعب الآخر، سعيا منه للتموقع استعدادا لانتخابات 2026، حيث أن نتائج هذه الاستحقاقات ستكون محكومة بهذا الوضع، فالغلاء، إذا لم يتم وضع حد له، مما قد يؤدي إلى عصف سياسي  بالحكومة ونكسة انتخابية لحزب التجمع الوطني للأحرار المتصدر للحكومة وذلك على غرار ما وقع لحزب العدالة والتنمية الذي تعرض لانتكاسة انتخابية بسبب الغلاء وتدهور القدرة الشرائية لأوسع الفئات الاجتماعية.

– محاولة أحزاب الأغلبية الحكومية ، وبالأخص الحزب المتصدر لهذه الحكومة التبرؤ من التورط في شبهة تضارب المصالح، خاصة بعد تزايد التساؤل عن سبب عدم تدني أسعار المحروقات وأسعار الزيوت وأسعار القمح في السوق الداخلية مع حصول انخفاض مهم في الأسواق الدولية، بل هناك تساؤل عن سبب قيام شركات المحروقات ومنها شركات رئيس الحكومة ، تزامنا مع انطلاق الاحتجاجات الشعبية على أزمة الغلاء ،بتخفيض درهم واحد في سعر الكازوال، مع أن سعر النفط دوليا لم يختلف عما كان عليه في السابق و سعر الدولار لم ينخفض بالمقارنة مع الدرهم.

وبالتالي فكل هذه التصريحات التي عبرت عنها أحزاب الأغلبية مؤخرا تبرز بأن الغلاء تحول إلى ورقة انتخابية لدى كل حزب من أحزاب الأغلبية التي لها طموح سياسي في أن تحجز لها مكانا ضمن ما أصبح  ما يسمى بحكومة المونديال التي ستتميز عن الحكومات السابقة بشرف تدبير تظاهرة كروية عالمية لم يسبق للمغرب أن نظمها خلال تاريخه المعاصر بما يختزن ذلك من رمزية سياسية واقتصادية وثقافية. كما تعكس أيضا   تخوفها من أن ورقة الغلاء قد تؤثرعلى تموقعها السياسي خاصة بالنسبة للحزب المتصدر للحكومة  الذي يرى بأن استفحال غلاء أسعار المواد الأساسية وبالأخص أسعار الخضر والفواكه واللحوم بما فيها سعر السردين قد تكون ضربة قاصمة للحزب خاصة بعدما بدأ كل من حزبي الاستقلال والبام يرميان بمسؤولية  هذا الوضع على رئيس الحكومة وحزبه . ولعل هذا ما دفع بقياديين من التجمع الوطني للأحرار إلى الخروج بتصريحات لمواجهة هذا الهجوم بانتقاد الغلاء والمضاربين، حيث انتقد عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، محمد أوجار، ووزير حقوق الانسان السابق ،  في برنامج تلفزي بالقناة الأولى ، الغلاء وهاجم من وصفهم بتجار الأزمات والباحثين عن الربح السريع، منبها إلى بروز قلق حقيقي وسط المواطنين حول الأسعار والبطالة”.

 



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات