لمياء جباري
تشهد أسعار الدواجن في المغرب ارتفاعا ملحوظا في الآونة الأخيرة، إذ تتراوح أسعار الدجاج الأبيض الأكثر استهلاكا من قبل المواطنين ما بين 24 و26 درهما في الأسواق الشعبية، في حين يصل ثمنها في المزارع إلى 21 درهما. وقرر مجلس المنافسة فتح تحقيق موسع في سوق الأعلاف المركبة الموجهة لقطاع الدواجن، بعد تسجيل اختلالات هيكلية تؤثر على المنافسة والأسعار. ويهدف المجلس من خلال هذا الإجراء إلى تقييم مدى احترام الفاعلين لأحكام القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، مع التركيز على ضبط أي ممارسات قد تمس بتوازن السوق.
دقيق السمك
أوضح المجلس في بيان رسمي أن السوق يعاني من تركيز كبير، حيث تستحوذ ثماني شركات على 75 بالمائة من الحصة، ما يحد من فرص المنافسة ويضعف الخيارات أمام مربي الدواجن. هذا التركيز يسمح لشركات كبرى بتعديل الأسعار بطريقة شبه موحدة، دون ارتباط واضح بجدول زمني محدد، مما يجعل السوق عرضة لتقلبات غير منتظمة. ورصد المجلس أيضا غياب التنوع في خيارات التموين، حيث يعتمد منتجو الكتاكيت ومربو الدواجن على شركات تصنيع الأعلاف التابعة للمجموعات الكبرى. هذا الواقع يضعف القدرة التفاوضية لهؤلاء المربين، الذين غالبا ما يضطرون إلى الاعتماد على أعلاف بجودة أقل، بسبب قلة الخيارات المتاحة وارتفاع الأسعار. وأوصى المجلس بالاعتماد على دقيق السمك كمكون رئيسي في الأعلاف الحيوانية، نظرا إلى قيمته الغذائية العالية واحتوائه على بروتينات وأحماض أمينية أساسية وأحماض «أوميغا-3» الدهنية. وأشار إلى أن جزءا كبيرا من إنتاج دقيق السمك بمعدل 136 ألف طن سنويا يُوجَّه للتصدير، مما يحرم السوق المحلية من الاستفادة الكاملة من هذه المادة الحيوية. وبحسب الأرقام التي جاء بها الرأي، فإن هناك 24 مؤسسة مرخص لها لإنتاج دقيق وزيت السمك، منها 19 معتمدة من قبل الاتحاد الأوروبي، تشتغل أساسا في العيون وطانطان وأكادير وآسفي والصويرة، وتخلق حوالي ألف منصب شغل مباشر و20 ألف منصب شغل غير مباشر. وأوصى مجلس المنافسة بتعزيز الإنتاج الوطني من «كعك النباتات»، والذي يتم الحصول عليه باستخراج الزيت من البذور الزيتية، وهو مصدر مهم للبروتين في التغذية الحيوانية، غير أن الإنتاج المحلي منه لا يتجاوز نسبة 0,02 في المائة. في هذا الصدد، شدد المجلس على ضرورة البحث والتطوير وتقديم إعانات وحماية المحصول عبر حواجز تعريفية مؤقتة في فترات الفائض في الإنتاج، لحماية السوق من تقلبات الأسعار الدولية.
تعزيز عمليات المراقبة
دعا المجلس إلى حث مربي قطاع الدواجن على اعتماد نموذج التجميع الفلاحي لدعم صمود الاستغلاليات، وهو ما سيمكنهم من توطيد قدراتهم التفاوضية مع كبار موردي المواد الخام، وتشجيع ممارسات تجارية شفافة، وترشيد التكاليف، وولوج أفضل للتمويل. ويرى أيضا أنه من المواجب تجميع مربي الماشية في المذابح العصرية الموجهة لدجاج اللحم في وحدات توضيب البيض المعد للاستهلاك، وهو ما سيمكن المغرب من ضبط دورات الإنتاج، والحد من الفائض أو الندرة. وأكد على أهمية المراقبة التي يقوم بها المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، لضمان جودة الأعلاف المركبة وسلامتها. وقد أوصى بتكثيف حملات التفتيش بشكل منتظم لمنشآت إنتاج وتوزيع الأعلاف المركبة، وتعزيز إجراء الاختبارات لرصد الملوثات التي يمكن أن تضر الحيوانات. ورغم وجود إطار تشريعي صارم، قال المجلس إن العمليات هذه لا تشمل جميع مراحل سلسلة الإنتاج والتوزيع، مما يفتح المجال للثغرات التي تؤثر على جودة الأعلاف وسلامتها. ووفقا للتقرير، تواجه صناعة الأعلاف المركبة في المغرب تقلبات حادة في أسعار المواد الأولية المستوردة، مما يجعلها عرضة لتغيرات الأسعار الدولية. هذه التقلبات تؤثر بشكل مباشر على تكاليف الإنتاج، مثل زيادة أسعار الذرة في الأسواق الدولية، ما ينعكس بدوره على أسعار المنتجات النهائية. وينبغي اعتماد نظام أكثر مرونة، كما يقول المجلس في توصياته، وإلزام المنتجين بالحفاظ على سجلات مفصلة لمنشأ المواد الأولية وأساليب التصنيع وحصص المنتجات النهائية، وهو ما سيمكن من رصد المنتجات الفاسدة أو الملوثة بسرعة. ودعا إلى توطيد التعاون بين الفاعلين في القطاع، بمن فيهم المنتجون والموزعون والجمعيات المهنية، لترسيخ ثقافة الامتثال للقواعد وتحمل المسؤولية.
تنويع إنتاج الأعلاف
من توصيات المجلس، أيضا، ضرورة تنويع إنتاج الأعلاف المركبة لتشمل قطاعات جديدة، خاصة قطاعي الحيوانات الأليفة وتربية الأحياء البحرية، إذ شدد على أن الاستثمار في إنتاج الأعلاف المعدة للحيوانات الأليفة، هو استجابة استراتيجية لطلب متزايد، بالنظر إلى تزايد عدد مالكي هذه الحيوانات وطنيا ودوليا، حيث سيتيح الإنتاج اكتساب حصص سوقية جديدة وتنويع مصادر الدخل. كما اعتبر أن فتح تطوير أعلاف خاصة بالأحياء البحرية يفتح آفاقا واعدة، لأن القطاع يتطور وهناك طلب عالمي، كما أنه يتيح دعم الاقتصاد المحلي في إفريقيا وخارجها، وتحفيز الإنتاج المحلي عبر إنتاج أعلاف معدة للأسماك والقشريات. وإلى جانب هذين القطاعين، أبرز المجلس أن تطوير الأعلاف المركبة المعدة للأرانب هو فرصة للنهوض بالقطاع، ورفع تحديات تموين اللحوم الحمراء، وتحسين مردودية القطاع غير المستغل إلى حدود الساعة، لأنه بديل صحي واقتصادي للحوم الحمراء. ما تتجلى الأهمية في كونه سيستجيب للطلب المتزايد على البروتينات الحيوانية، ومن شأن دعم الإنتاج الوطني بأعلاف مناسبة وغنية تنويع العرض الوطني من اللحوم. ورأى المجلس أن تعزيز استخدام الأعلاف المركبة للحيوانات المجترة بمثابة فرصة للرفع من مستوى إنتاجية القطيع وتحسين صحته. ودعا إلى تشجيع تصدير الأعلاف المركبة وتنظيم قطاع الدواجن، لتعزيز تصدير اللحوم والمنتجات المصنعة. وأوصى بتسهيل الولوج إلى الآليات المتعلقة بتغطية المخاطر للتغطية على تقلبات الأسعار الدولية، وتأمين المخزون، بما ينعكس على الأسعار النهائية. كما حث على تشجيع التطوير والبحث لضمان الاكتفاء الذاتي من الإمدادات بالمواد الأولية، عبر تحديث البنيات التحتية وتشجيع الإنتاج المحلي.
عدم الانتظام في تعديل الأسعار
يمثل قطاع الأعلاف المركبة عنصرا حاسما في تكلفة إنتاج الدواجن، حيث تصل نسبته إلى 75 بالمائة من تكلفة دجاج اللحم. هذا الوضع يجعل أي تغيير في أسعار الأعلاف ينعكس بشكل مباشر على أسعار البيع النهائية، مما يثقل كاهل المستهلكين، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة. وأشار المجلس إلى أن التعديلات في الأسعار التي أجرتها الشركات بين 2018 و2024 اتسمت بعدم الانتظام، كما تأثرت بعوامل متعددة منها تقلبات أسعار المواد الأولية وتغيرات الطلب. كما رصد وجود تزامن كبير في زيادات الأسعار بين الشركات، مما يعكس استراتيجيات متقاربة قد تثير الشكوك حول التنافسية الحقيقية في السوق. ويعاني مربو الدواجن، خاصة الصغار منهم، من تحديات كبيرة تعيق تطوير أنشطتهم. فضعف القدرة التفاوضية، والاعتماد على أعلاف بجودة أقل يؤديان إلى انخفاض الإنتاجية وارتفاع التكاليف. كما أن القطاع يعاني من ضعف التنظيم، مع هيمنة الأفراد والكيانات الصغيرة، في ظل غياب رؤوس الأموال الكافية، ووجود معدات متقادمة. من جهة أخرى، أشار المجلس إلى أن السوق الوطنية تعتمد بشكل شبه كامل على الإنتاج المحلي للأعلاف المركبة، حيث يتم استيراد المواد الأولية فقط، رغم وجود اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي تتيح استيراد الأعلاف الجاهزة. هذا الانغلاق النسبي يقلل من فرص تعزيز المنافسة وتحسين الجودة. ويرى مجلس المنافسة أن هذه الاختلالات تستدعي اتخاذ تدابير تنظيمية عاجلة، لتحسين شفافية السوق وتعزيز التنافسية. وأكد المجلس أن فتح التحقيق لا يعني بالضرورة وجود ممارسات غير قانونية، لكنه خطوة تهدف إلى حماية المستهلكين وضمان توازن السوق، خاصة أن الأعلاف والدواجن من السلع الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على الأمن الغذائي وقدرة المواطنين الشرائية. في الختام، حذر التقرير من أن الاعتماد الكبير على الواردات يشكل تهديدا إضافيا للقطاع، حيث قد تتسبب التغيرات غير المتوقعة في الأسعار في صعوبات تخطيطية للشركات المغربية المتخصصة في الأعلاف. كما لفت المجلس إلى أن هناك سوء استغلال للقدرات الإنتاجية، حيث لا يتم استغلال أكثر من 60 بالمائة من الطاقة الإنتاجية المتاحة، مما يؤدي إلى تأثيرات سلبية على أسعار المنتجات.