تتردد عبارة “أسكاس أمباركي” بين المغاربة مع حلول رأس السنة الأمازيغية، التي تسبق التقويم الميلادي بـ950 عامًا، في أجواء احتفالية خاصة تمتد عبر بلدان المغرب الكبير، من ليبيا شرقًا إلى المغرب غربًا. هذه المناسبة، التي تعرف محليًا باسم “إيض ينّاير” أو “ليلة يناير”، أصبحت رسميًا عطلة وطنية مدفوعة الأجر في المغرب، بعد اعتمادها بقرار ملكي في مايو 2023.
الاحتفال برأس السنة الأمازيغية يعكس ارتباطًا وثيقًا بالنشاط الزراعي الذي مارسه الأمازيغ منذ آلاف السنين. ويعد هذا الوقت من العام بمثابة بداية لموسم فلاحي جديد، إذ يحمل الأمل في وفرة المحاصيل وخصوبة الأرض، وهو ما جعل المناسبة تُعرف أيضًا بـ”السنة الفلاحية”.
ويرى الباحثون أن تاريخ الاحتفال بـ”إيض ينّاير” يصعب تحديده بدقة، نظرًا لارتباطه القديم بالأرض وخيراتها. وقد ارتبطت هذه المناسبة بتسميات محلية مختلفة، مثل “إيخف أوسكاس” (رأس السنة) و”إيض أوسكاس” (ليلة السنة)، إلى جانب اسمها الشائع “إيض ينّاير”.
ويرتبط التقويم الأمازيغي الذي يحتفل هذا العام بدخول سنة 2975، برواية تاريخية تتحدث عن انتصار الملك الأمازيغي شيشنق الأول على الفرعون المصري رمسيس الثالث في عام 950 قبل الميلاد، وتوليه عرش مصر مؤسسًا الأسرة الـ22. ورغم اعتماد هذا التقويم رسميًا في المغرب والجزائر، يشير مؤرخون إلى أن الاحتفال بـ”إيض ينّاير” يعود إلى زمن أقدم بكثير ولا علاقة له المباشرة بهذا الحدث التاريخي.
وتختلف تقاليد الاحتفال برأس السنة الأمازيغية من منطقة إلى أخرى في المغرب، لكنها تتفق في الطابع العائلي والاحتفاء الجماعي. ففي مناطق الأطلس وسوس والريف، تبدأ الاحتفالات مع الأيام الأولى من يناير، حيث تُنصب الخيام وتُعدّ أطباق تقليدية مثل الكسكس و”بركوكش”. وتعمّ أجواء الفرح والتضامن وتجديد الروابط الاجتماعية، فيما تنظم السلطات فعاليات ثقافية وفنية احتفاءً بهذه المناسبة.
واعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية يعكس توجه المغرب نحو تعزيز الهوية الثقافية الأمازيغية، في خطوة مهمة جاءت بأمر من الملك محمد السادس، الذي وجه بإدراج هذه المناسبة ضمن قائمة الأعياد الوطنية إلى جانب رأس السنة الميلادية وفاتح محرم الهجري.
ومع اختلاف المظاهر الاحتفالية، يبقى “إيض ينّاير” مناسبة تعكس غنى التراث المغربي وتنوعه، مجسدة في الوقت ذاته الروابط المتينة بين الأرض والإنسان عبر العصور.