وسط أجواء احتفالية تنبض بالثقافة والتراث والمعرفة، دشّنت جمعية أنازور للإبداع، يوم أمس السبت، فعاليات الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975، تحت شعار: “رأس السنة الأمازيغية بين الممارسة الشعبية والاعتراف الرسمي وتثمين الذاكرة الجماعية”.
واستُهِلَّت هذه الفعاليات بـ”رقصة النحلة”، التي قدمتها فرقة تزويت للأطفال التابعة لدار الشباب بأيت سدرات السهل الغربية. تلا ذلك تكريم للفنانين التشكيليين الأمازيغيين فاطمة ملال ومبارك أمزيل، اعترافًا بإسهاماتهما الإبداعية في الحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية وتعزيزها من خلال الفن التشكيلي.
وفي كلمة افتتاحية، قال حسن أوبراهيم، رئيس جمعية أنازور للإبداع، إن الاحتفال بـ “إيض سكاس” هذه السنة والسنة الماضية يتميز بنكهة خاصة، خصوصا بعد القرار الملكي السامي الذي يندرج في إطار التكريس الدستوري للأمازيغية باعتبارها مكونا رئيسيا للهوية المغربية الأصيلة الغنية بتعدد روافدها، ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء.
وشدد أوبراهيم، على أن “هذا القرار يمثل في حقيقة الأمر استمرارية لمسار إنصاف الأمازيغية الذي انطلق مع خطاب أجدير في 17 أكتوبر 2001، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ثم دسترة الأمازيغية سنة 2011، وأخيرا إقرار رأس السنة الأمازيغية سنة 2023 عطلة وطنية رسمية مؤدى عنها، على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية”.
وعبّر المتحدث عن تطلعه لدعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز الثقافة والفنون الأمازيغية، مع التركيز على تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال تثمين التراث المحلي والجهوي، وتنظيم فعاليات تُبرز الثقافة والطاقات الأمازيغية، ودعم مختلف الفنون المرتبطة بها كالمسرح والموسيقى والسينما والشعر والفن التشكيلي.
وبعد أن قدّم الشكر لداعمي هذه الفعاليات، ومنهم جماعة بومالن دادس، والمجلس الإقليمي للسياحة بتنغير، وفعاليات المجتمع المدني ببومالن دادس، بالإضافة إلى التعاونيات الشريكة، عبّر أوبراهيم عن أمانيه للجميع بـ”سنة أمازيغية سعيدة مليئة بالخير والبركة والسعادة والرخاء، مع وفرة المحاصيل، وازدهار القطعان، وانتعاش عيون الماء، وانتعاش الأمازيغية”.
من جانبه، أشار امبارك أمزيل، عضو المجلس الإقليمي للسياحة بتنغير، إلى أن هذا الاحتفال يأتي في ظل القرار الملكي السامي الذي يكرس التكريس الدستوري للأمازيغية كمكون أساسي في الهوية المغربية الأصيلة، التي تتسم بتعدد روافدها، مضيفا أن هذا القرار يعكس رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، ويعزز مسار إنصاف الأمازيغية ويؤكد استمرارية الاعتراف بها على المستوى الوطني.
في سياق متصل، شهد اليوم الأول من الفعاليات الاحتفالية تنظيم ندوة علمية متميزة بعنوان: “رأس السنة الأمازيغية: من الدلالات إلى إرساء التقويم الأمازيغي”، أطرها كل من الباحثين في مجال التاريخ والأنثروبولوجيا، لحسن أيت الفقيه وعمر الدرويش، حيث قدما رؤى عميقة حول الجذور التاريخية لرأس السنة الأمازيغية، ومعانيها الرمزية والثقافية، وأهميتها في الهوية الجماعية.
في هذا السياق، أشار الباحث في التراث الثقافي الأمازيغي، عمر درويش، إلى أن الفضل في تحديد بدايات التقويم الأمازيغي يعود إلى الباحث الأمازيغي عمار النكادي من منطقة الأوراس شرق الجزائر. ففي عام 1980، توصل إلى أنه كان هناك ملكا أمازيغيا يدعى شيشناق أو شيشونغ، اعتلى العرش الفرعوني عام 950 قبل الميلاد، وهي السنة التي شهدت تأسيس الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين.
وأشار درويش إلى أن ترسيم “إيض سكاس”، بدأ في الجزائر بتاريخ 27 يناير 2017، ثم تبعه المغرب في شهر ماي 2023، مؤكدا أن الاحتفال برأس السنة الأمازيغية له جذور تاريخية عميقة، مضيفا أن الأمازيغ في بلاد الأندلس كانوا يحتفلون بهذه المناسبة منذ قرون مضت، مما يعكس الامتداد الزمني والجغرافي لهذا التقليد العريق.
ومن بين التقاليد التي ترافق الاحتفال بـ”إيض إناير”، أشار إلى عادة ذبح ديك وتوزيع أجزائه بين أفراد الأسرة وفق رمزية عميقة تعكس القيم العائلية حيث يُمنح الأب العنق باعتباره رأس العائلة، بينما تُمنح الأم الكبد لكونها رمزا للحنان والعاطفة تجاه أبنائها. أما الصدر فيتناوله الأولاد كفأل ليصبحوا أقوياء وشداا، في حين تتناول البنات الأجنحة كرمز للتمني بأن “يطِرن” يوما ما إلى بيوت الزوجية.
من الطقوس الأخرى التي أشار إليها المتحدث، حلق شعر الأطفال الصغار عشية الاحتفال، وتحضير وجبة الكسكس بالشعير مع وضع نواة التمر داخلها، حيث يُعتبر من يجد هذه النواة في طعامه مباركًا في السنة القادمة. بعدها، تُرمى النواة وسط محصول القمح أو في مخزن الأسرة لتكون السنة المقبلة وفيرة.
وأوضح درويش أن بعض العائلات تمتنع عن وضع “إسوفار” (التوابل الحارة) في الطعام ليلة “إيض سكاس” لتجنب سنة حارة، كما يتجنب البعض إضافة اللفت إلى الكسكس خوفا من زيادة أعداد الفئران في العام الجديد.
يُشار إلى أن فعاليات اليوم الأول شهدت توقيع مجموعة من الكتب والمؤلفات، من بينها الديوان الشعري “تاغوييت” من تأليف الأستاذ حسن أبراهيم، ورواية “إثري” من تأليف الأستاذ لحسن ملواني، والديوان الشعري “إسافن” من تأليف الأستاذ موحى بيهي، والديوان الشعري “إزلان ن إنلمادن” من تأليف حسن الطاهري وميمون التازي، بالإضافة إلى المؤلف الجماعي “درعة تافيلالت: المجال والتاريخ والفاعلون والرهانات التنموية”.