DR
مدة القراءة: 3′
في شمال إفريقيا، تزهر أشجار اللوز في وقت مبكر من السنة، بدءًا من منتصف يناير حتى مارس في السنوات الخصبة. في مناطق الأطلس الكبير، يعد هذا الإزهار بمثابة مؤشر على اقتراب “إيدرنان”، وهي فترة تحتفل بالسلام والضيافة المتبادلة بين القبائل، وتأتي متزامنة مع “إيض يناير” (السنة الأمازيغية). كان هذا الاحتفال في الماضي يُعتبر علامة على موسم زراعي واعد، ويعكس أيضًا روح الشكر للأرض والوفرة التي تتجسد في تقليد رأس السنة الأمازيغية.
خلال هذا الاحتفال تتبادل القبائل الأطباق التقليدية، ومن أبرزها رغيف إيدرنان. يُعرف هذا الطبق في العديد من المناطق كنوع من “البغرير” أو “الأديرنو” (الفطيرة)، وكان يُقدّم في الماضي من قبل القبائل الأمازيغية بعد الاحتفال برأس السنة الأمازيغية.
مع مرور الوقت وتطور العادات عبر الأجيال، أصبح يُقدّم هذا الطبق في مناسبات أخرى، مما يعزز تقليد تقديم الضيافة عبر الأطعمة التي يتم تحضيرها من المحاصيل المحلية، ويُشترَك بها بين أفراد الجماعات.
يعد التاكولا (أو الأركيمين أو الكسكس بالحبوب أو سميد الذرة) جزءًا من الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، حيث يتم تقديمه كتمهيد للوليمة الكبرى. قبل الانتقال إلى العشاء الاحتفالي، يتناول الضيوف مجموعة من الأطباق الأخرى التي تُقدّم مع الشاي أو المنقوعات العشبية المحلية.
تاريخيًا، يُحتفل بـ”إيدرنان” كفرصة لمشاركة الأطعمة التقليدية المستخلصة من المحاصيل التي ترمز إلى هذا الموسم الزراعي. يشمل الاحتفال تقديم رغيف مصنوع من السميد أو الطحين أو العجائن غير المختمرة، ويضاف إلى هذه الأطعمة بعض العناصر الأساسية من المطبخ الأمازيغي مثل العسل، وزيت الزيتون، وزيت الأركان، والسمن، إلى جانب الفواكه الجافة مثل اللوز والجوز.
إيدرنان: الأركيمين، طبق يُحتفل بمحاصيل الأرض
تعد أصول إيدرنان، المرتبطة بالسلام بين القبائل في مناطق سوس، من المواضيع التي يصعب العثور على تفاصيل تاريخية مكتوبة حولها. وفقًا لبعض الروايات الشفوية، قد تكون هذه الاحتفالية مرتبطة بأعيان أمازيغ دعوا إلى تحقيق السلام بين القبائل خلال فترة “السيبة”، التي شهدت ثورات وانقسامات شعبية بين القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين.
في ظل المجاعات والأوبئة والصراعات المسلحة، كان لهذه الشخصيات الروحية دور كبير في فرض هدنة بين القبائل. من بين هؤلاء سيدي محمد أجلي الذي كان يحث القبائل على التوقف عن إراقة الدماء من خلال تبادل الموارد وتنظيم الاستقبالات الموسمية، ابتداءً من فترة تفتح أزهار اللوز.
من خلال هذا التقليد، تُجسد قيم التضامن وتعزيز الروابط بين القبائل، كما تُعبر عنها تقاليد الطهي. أثناء تبادل الزيارات، يُقدّم إيدرنان أو فطائر مقلية في طبق طيني مدهون بزيت الأركان، إلى جانب أطباق أخرى تجد مكانها على موائد “إيض يناير” الاحتفالية. وتترافق هذه الاحتفالات مع فعاليات فنية وثقافية تشمل رقصات وموسيقى محلية، مما يعكس قيم المشاركة والانفتاح على الآخر.