تشهد سواحل المغرب خلال الأيام الأخيرة اضطرابات جوية غير مسبوقة تسببت في شلل جزئي لحركة الملاحة البحرية، ما انعكس بشكل مباشر على واردات المحروقات وخلق تحديات غير متوقعة في تأمين إمدادات الطاقة للسوق المحلية.
الأحوال الجوية السيئة، التي تميزت برياح قوية وأمواج عاتية، حالت دون تمكن عدد من السفن المحملة بالمحروقات من الرسو في موانئ رئيسية، أبرزها ميناء المحمدية الذي يُعد نقطة استقبال رئيسية لشحنات البترول في المغرب.
هذا التعطيل أدى إلى تأخير عمليات تفريغ الشحنات، ما فاقم الضغوط على المخزون الوطني للمحروقات في وقت تشهد فيه البلاد ارتفاعًا متزايدًا في الأسعار، الأمر الذي أثار قلق المستهلكين وزاد من أعباء الشركات المستوردة.
وأكد الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز ورئيس الجبهة الوطنية لإنقاذ المصفاة المغربية للبترول، الحسين اليماني، في تصريح توصلت به “الجريدة 24” أن الوضع الحالي يُنذر بأزمة حقيقية في المخزونات الطاقية، خصوصًا أن المغرب يعتمد بشكل كبير على استيراد المحروقات من الخارج.
وأوضح اليماني أن تعطل عملية التكرير في مصفاة “سامير” بمدينة المحمدية زاد من حدة الأزمة، مشيرًا إلى أن هذه المصفاة كانت تمتلك قدرات تفريغ تصل إلى 3000 متر مكعب في الساعة، وهي قدرة تفوق بكثير الإمكانات الحالية التي لا تتجاوز 800 متر مكعب في الساعة.
هذه الأزمة جاءت في وقت شهدت فيه أسعار المحروقات في الأسواق الدولية تراجعًا ملحوظًا، حيث انخفض سعر برميل النفط إلى نحو 70 دولارًا، كما تراجع سعر طن الغازوال إلى أقل من 664 دولارًا، وطن البنزين إلى أقل من 685 دولارًا.
ورغم هذه التراجعات، فإن أسعار المحروقات في محطات الوقود بالمغرب ظلت مرتفعة بشكل لافت، إذ أكد اليماني أن ثمن الغازوال يجب ألا يتجاوز 9.76 درهم للتر، فيما كان من المفترض أن يباع البنزين بسعر لا يتعدى 11.1 درهم للتر.
ورغم هذه المعطيات، فإن الأسعار الفعلية المسجلة بالمحطات تُظهر فروقًا كبيرة، حيث تُباع المحروقات بأسعار تتجاوز 11 درهمًا للغازوال و13 درهمًا للبنزين، ما يُعيد الجدل حول تأثير تحرير الأسعار في السوق المغربية، والذي تسبب وفق اليماني في ارتفاع مستمر للأسعار، في ظل غياب رقابة فعالة تضمن التوازن بين أسعار السوق المحلية والتطورات العالمية.
وزارة التجهيز والماء حذرت بدورها من استمرار سوء الأحوال الجوية، حيث توقعت في بلاغ رسمي أن تشهد منطقة المضيق والسواحل الأطلسية الممتدة بين رأس سبارتيل وطرفاية أمواجًا عاتية يصل ارتفاعها إلى ما بين 4 و6.5 أمتار، وذلك ابتداء من ظهر يوم الاثنين.
وأوضحت الوزارة أن المناطق الأكثر تأثرًا بهذه الأحوال ستكون بين ميناء طنجة المتوسط ورأس سبارتيل، وكذلك السواحل الأطلسية الممتدة بين رأس سبارتيل ورأس حديد قرب مدينة الصويرة. ووفق المصدر ذاته، فإن هذه الموجات العالية ستتزامن مع رياح قوية ستهب من الاتجاه الجنوبي الغربي، ما سيؤدي إلى صعوبة كبيرة في حركة الملاحة البحرية خلال هذه الفترة.
وأشار البلاغ ذاته إلى أن فترة المدّ ستكون بين الساعة 04:30 و05:20 صباحًا، وبين الساعة 16:50 و17:30 مساءً يومي الاثنين والثلاثاء، مع تسجيل ارتفاع في مستوى المدّ يتراوح بين 3.20 متر و3.80 متر، وهو ما يعزز صعوبة تفريغ الشحنات النفطية في الموانئ المغربية خلال هذه الفترة.
ورغم هذه الاضطرابات الجوية الحادة، فإن التوقعات تشير إلى تحسن الطقس تدريجيًا بعد ظهر يوم الثلاثاء، ما يُتيح فرصة لاستئناف تفريغ الشحنات النفطية العالقة، وعودة التزويد الطبيعي للسوق الوطنية بالمحروقات.
الأزمة الحالية كشفت بشكل واضح عن هشاشة المنظومة الطاقية في المغرب، وأظهرت مدى الحاجة إلى اعتماد استراتيجيات أكثر فاعلية لضمان الأمن الطاقي، سواء عبر تعزيز المخزون الاستراتيجي أو من خلال تطوير قدرات تفريغ وتحزين أكثر تقدمًا، لتفادي تكرار سيناريوهات مماثلة في المستقبل.