DR
مدة القراءة: 4′
تزخر الميثولوجيا الأمازيغية بأساطير شعبية منذ القدم، حيث كان لسكان المغرب قبل الإسلام، طقوس وعادات خاصة بهم، وتدخل شخصية “أنزار” ضمن الشخصيات الأسطورية التي كانوا يقدسونها أنداك. وتدور أسطورة هذا الإله حول قصة حبه لفتاة من الأوراس، وهو الحب الذي توج بالزواج، وأثمرت هذه العلاقة هطول الأمطار والغيث على سكان القبيلة.
وبالرغم من أنه في اللغة الأمازيغية، تعني كلمة “أنزار” المطر، إلا أن أصلها يعود إلى كلمة “الرب”، وهو إله كان سكان شمال إفريقيا يحترمونه ويقدسونه، ويشير المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس، والأستاذ الجامعي الجزائري سالم شاكر، في المجلد السادس من “موسوعة البربر” إلى أن “أنزار هو عنصر مفيد يساعد النباتات على النمو ويضمن وفرة القطيع”.
وبحسب الكاتبين فكلمة أنزار، تدل على الخصوبة، كما أنها تعتبر عاملا هاما للإثمار والانتاجية، و لهذا يطلق عليه اسم “الإله القوي”.
وحسب هنري جينيفوا، وهو كاهن كان يعيش في الجزائر، ويعتبر من الملمين بميثولوجيا البرابرة، فإن “قصة أنزار تدور حول حكاية امرأة ونهر وأشخاص جعلوا من هذا النهر مصدر قوت و رزق لهم”.
وفي نفس السياق، ذكر موقع “مغريب فويسس“، أن النسوة كن يخرجن لطلب الأمطار، عندما يشتد الحر في غير موسمه، وذلك في تجمع يسمونه “المحفل”، ومن أبرز طقوس طلب المطر، التي لازالت سائدة في الكثير من المناطق الأمازيغية بالجزائر، بحسب نفس المصدر “تزيين ملعقة كبيرة بقطع قماش زاهية الألوان، ووضعها في قدر كبير مصنوع من الطين مملوء بالماء، وبعد ذلك تشرع النساء في الغناء وترديد يا أنزار يا صاحب الألوان البهيجة المختلفة إن العطش قد قتل الناس، ياربي أنزل الغيث”.
ويقال إن رفض المرأة الجميلة لأنزار، كان سببا في غضبه واستيائه، حيث قرر بعدها إمساك المطر، ما أدى إلى تحول المنطقة إلى أرض جرداء وهو ما أثر سلبا على الأنهار والموارد التي كان يعيش منها الأمازيغ في ذلك الوقت، ومع ذلك لم يستسلم وحاول إغرائها وهددها قائلا “مثل البرق، لقد قمت بتقسيم السماء، يا نجمة تشع أكثر من باقي النجوم، أعطني إذن كنزك أو سأحرمك من هذه المياه”.
لكن وبعد أن وجدت المرأة الجميلة نفسها، ضائعة بسبب فقدان الأوراس رونقها، و اختفاء رواسيها، وأزهارها قررت في الأخير الزواج بأنزار، حيث جاء في المصدر ذاته “بهذه الكلمات، و بشكل مفاجئ حول سيد المياه الخاتم إلى أصبعه، حيث ظهر فجأة ضوء ساطع قادم من السماء على شكل برق واتجه نحو الفتاة فضمها اليه وانطلق معها الى السماء، ليُشَكِّلا معا قوس قزح في السماء، حينها تلبدت السماء بالغيوم، فبدأت الأمطار بالهطول، وعاد صوت المياه لأرجاء القرية، و اخضرت السهول و تفتحت الأزهار ومنذ ذلك الحين تحولت الأسطورة إلى تقليد توارثه الأمازيغ عبر السنين”.
وتحولت الأسطورة إلى تقليد عن سكان شمال إفريقيا، حيث أصبح البعض منهم يسمون الفتاة المقبلة على الزواج بـ”عروس أنزار” أو “تغنجا” أو “تلغنجا”، ويقول هنري جينيفوا، إنهم كانوا يقومون بعادات قبل الزفاف تتمثل في “إعداد العروس، ومرافقتها إلى أبواب المعبد مع نساء يقفن على عتبة يرميان الماء عليها، من أجل أن تقدم لهم الطعام والانضمام إلى المجموعة، وإعداد وجبة بالقرب من المعبد و تكون العروس عارية، وتطوف بعدها 7 مرات خلال دخولها إلى أنزار، حينها تبدأ النساء بالغناء والفتيات الصغيرات يشاركنهن الغناء ويلعبن بالكرة، التي من المفترض أن تقع في حفرة وضعت من أجل ذلك”.
ولازالت طقوس “أنزار” متوارثة لحد الآن، لكنها أخدت أشكال متنوعة في الوقت الحاضر في مجموعة من مناطق المملكة، حيث يتم إلباس “مغرفة” بلباس العروس ويتم حملها بعد ذلك، والسير بها في موكب وهن يغنين طلبا للمطر.
وحسب ما كتبه كامبس وشاكر في موسوعتهما “هناك عدة قصص تشير إلى أن الدمية الحالية ليست سوى مجرد محاكاة يقصد بها استبدال” المخطوبة “الحقيقية المقدمة إلى أنزار”.
من جهته، قال الحسين آيت باحسين، وهو باحث في مركز الدراسات الأنتروبولوجية والسيوسيولوية، في تصريح ليابلادي، إن مصطلح “تالغنجا” يتحدث عن نفسه، موضحا أنه يقصد به “عندما تلف الملعقة أو المغرفة بقطعة قماش”.
ويجسد هذا الطقس بحسب المتحدث ذاته علاقة الأمازيغ بالطبيعة، كما أنه “يظهر كيف أن طقوسهم ومعتقداتهم، كانت مجرد تفسير لكيفية تصرف الطبيعة من حولهم”.
وفي مقال له منشور على موقع الحوار المتمدن يقول الحسين آيت باحسين “في شمال إفريقيا، قبل وصول الديانات السماوية الثلاث إليها، كانت الاحتفالات الاجتماعية والسياسية مرتبطة بالفصول الأربعة، فصل الشتاء والربيع والصيف والخريف”.
وبالنسبة للباحث المغربي، فإن طقوس أنزار تدخل ضمن هاته التفسيرات، التي أنشئت لاستعادة التوازن وشرح ظاهرة بسيطة، وهي “الجفاف”.