أثار قرار وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، بإلغاء صفقات عمومية ضخمة كانت قد أطلقتها الوزارة، موجة من الانتقادات الحادة تحت قبة البرلمان، في خطوة وُصفت بـ”المفاجئة” والمثيرة للجدل، خاصة بعد اكتمال جميع المراحل القانونية للصفقات وإعلان الشركة الفائزة بها.
الوزير التهراوي، الذي عُين حديثاً في الحكومة، برّر هذا القرار خلال جلسة الأسئلة الشفوية بالبرلمان، قائلاً: “لا يمكنني أن أوقّع على صفقة بقيمة تصل إلى 300 مليون درهم من المال العام دون دراسة دقيقة ومعرفة تفاصيلها ومدى جدواها”، مشدداً على أن الوزارة بصدد إعادة دراسة هذه الصفقات تقنياً لضمان التدبير الأمثل للأموال العمومية.
لم يلقَ هذا التبرير استحسان نواب المعارضة، حيث اعتبر عبد الله بووانو، رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، أن القرار يشوبه الغموض ويستوجب تفسيراً رسمياً وفق ما ينص عليه مرسوم الصفقات العمومية. وفي تدوينة نشرها على حسابه بموقع “فيسبوك”، تساءل بووانو: “ما الذي دفع الوزير إلى إلغاء الصفقة بعد استيفائها جميع المراحل القانونية؟ وأين الخلل الذي يبرر هذا القرار؟”.
وأضاف بووانو بنبرة حادة: “الأمر لا يتعلق بمال الوزير أو مال إحدى الشركات الخاصة، بل بمال عام يُفترض أن يُدبّر وفقاً للقانون والمعايير الشفافة”، ملمحاً إلى إمكانية وجود “مآرب خفية” وراء هذا الإلغاء، وهو ما دفعه إلى دعوة الوزير لتقديم تبريرات مقنعة للرأي العام.
وفي سياق متصل، اتهم بووانو وزير الصحة بمحاولة تمرير صفقة خاصة بالرقمنة لصالح شركة أمريكية، محذراً من مخاطر تسليم البيانات الشخصية للمغاربة لجهات أجنبية. وقال بووانو خلال لقاء مع “الفضاء المغربي للمهنيين”: “لدينا معلومات تؤكد أن الوزير يسعى إلى التعاقد مع شركة أمريكية بالتعاون مع القطاع الخاص، وهو ما يهدد أمن المعلومات الصحية للمغاربة”.
لم تقتصر الانتقادات على وزير الصحة فقط، بل طالت الحكومة بشكل عام، حيث وصف بووانو الحكومة الحالية بأنها “نسخة معيبة” من سابقتها، منتقداً ما وصفه باستمرار تضارب المصالح واستغلال النفوذ في تدبير الصفقات العمومية. وأوضح قائلاً: “كان المواطنون يأملون أن تأتي النسخة المعدلة للحكومة بإصلاحات حقيقية، لكن ما نشهده اليوم هو مجرد تكرار للأخطاء السابقة مع مزيد من الجرأة في خرق القانون”.
كما أشار بووانو إلى التأخّر في إصدار المراسيم التنظيمية المتعلقة بإحداث الهيئة العليا للصحة والمجموعات الصحية الترابية والوكالتين الوطنيتين للدم والأدوية، معتبراً أن ذلك يعكس ضعف أداء الوزير وغياب رؤية واضحة لإصلاح القطاع الصحي.
وفي ختام مداخلته، أكّد بووانو أن فريق العدالة والتنمية سيواصل متابعة القضية عن كثب، متعهداً بالكشف عن أي خروقات قد يتم رصدها في تدبير المال العام، ومطالباً الرأي العام بمواصلة الضغط من أجل ضمان الشفافية والمحاسبة في إدارة الشأن العام.