الدار/
تواجه القارة الإفريقية تحديات جسيمة في ظل هيمنة القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، حيث تسعى هذه القوى إلى فرض نماذج إقتصادية وسياسية تعزز تبعية الدول الإفريقية ، وتضعف قدرتها على تحقيق استقلالها الفعلي. لقد أثبتت التجارب التاريخية أن الإعتماد المفرط على الخارج يؤدي إلى تكريس الفقر والتخلف، ويبقي الدول الإفريقية رهينة لإملاءات الأسواق العالمية التي تتحكم في أسعار مواردها الطبيعية وتقيد فرص نموها. هذه التحديات تستدعي استجابة موحدة وإستراتيجية شاملة، تضع مصلحة القارة فوق كل اعتبار، وترسخ سياسات قادرة على مواجهة التدخلات الخارجية وتعزيز التكامل الاقتصادي والتكنولوجي بين دولها.
إن الذكاء الإصطناعي، الذي يشكل اليوم قاطرة التحولات الكبرى في العالم، يمثل فرصة تاريخية لإفريقيا، لكنه في الوقت ذاته يطرح تحديات لا تقل خطورة عن التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها القارة. فغياب بنية تحتية رقمية متينة، ونقص الكفاءات المتخصصة، وإحتكار التكنولوجيا من قبل القوى العظمى، كلها عوامل تهدد بجعل إفريقيا مجرد سوق استهلاكية بدلا من أن تكون لاعبا رئيسيا في هذا المجال الحيوي. ورغم أن بعض الدول الإفريقية، وعلى رأسها المغرب، تبذل جهودا كبيرة لتطوير قطاع الذكاء الاصطناعي من خلال الاستثمار في البنية الرقمية وتعزيز البحث العلمي، إلا أن هذه الجهود تظل متفرقة، مما يجعلها عرضة لمخاطر التبعية التكنولوجية والاقتصادية.
ختاما ، آن الأوان لتجاوز الشعارات التقليدية حول الوحدة الإفريقية، والانخراط في مشاريع حقيقية تعزز التعاون الإقليمي في مجالات التكنولوجيا والصناعة والبنية التحتية. فالقارة تمتلك من الموارد الطبيعية والقدرات البشرية ما يمكنها من فرض نفسها كقوة عالمية، لكن تحقيق ذلك لن يكون ممكنا دون الاستثمار في التعليم والبحث العلمي، وتطوير سياسات تحمي المصالح الوطنية من الضغوط الخارجية، وتقود القارة نحو إستقلال إقتصادي وتكنولوجي حقيقي. إن إفريقيا اليوم أمام لحظة فارقة، فإما أن تكون فاعلة في صياغة مستقبلها الرقمي والإقتصادي، وإما أن تبقى مجرد مستهلك لما تنتجه القوى الكبرى، تستنزف مواردها دون أن تجني ثمارها.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام بهيئة اكادير والعيون مقبول لدى محكمة النقض.
باحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
نائب رئيس المرصد الوطني للدراسات الإستراتيجية.
