اتخذ وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة، قبل أيام قرارا أثار الكثير من الجدل، عبر إعفاء الكاتب العام للوزارة، يونس السحيمي، بعد نحو سنتين من توليه المنصب خلفا ليوسف بلقاسمي. وقد جاء هذا القرار في وقت دقيق، إذ كان السحيمي يتولى الإشراف على ملفات حساسة، مثل تنزيل النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة، وهو الملف الذي يعتبر من الأولويات التي لم تحقق نتائج ملموسة تحت إشرافه، بحسب المبررات التي ساقتها مصادر لجريدة “العمق” حول أسباب الإعفاء.
وفقا لمصادر نقابية، يعتبر إخفاق السحيمي في تنفيذ النظام الأساسي الجديد أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت إلى قرار الإعفاء، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة الوزير الجديد برادة على تجاوز التحديات التي واجهها سلفه، شكيب بنموسى، في هذا المجال. فهل سينجح برادة في تحقيق ما فشل فيه بنموسى فيما يخص النظام الأساسي؟.
إلى جانب “فشل” السحيمي في تنزيل النظام الأساسي، رصدت المصادر النقابية إخفاقه أيضا في إدارة الحوار الاجتماعي مع النقابات التعليمية، حيث دخل في صراع مع نقابة الاتحاد المغربي للشغل، مما أدى إلى تعميق أزمة التواصل بين الوزارة والنقابات. إضافة إلى ذلك، فإن تصرف السحيمي الأخير خلال احتجاج نقابي أمام الوزارة، عندما تدخل وأمسك بميكروفون المحتجين لشرح مواقف الوزارة، كان أحد الأسباب الإضافية للإعفاء. وقد اعتبر هذا التصرف غير مهني من قبل مسؤولي الوزارة.
كما أضافت المصادر أن السحيمي تورط في إقحام “غرباء” في الحوار القطاعي مع النقابات، ما زاد من تعقيد الوضع. هذه العوامل إلى جانب أخرى تشكل خلفية هامة لفهم التحديات التي قد يواجهها برادة في محاولاته لتجاوز ما عجز سابقيه عن تحقيقه، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ الإصلاحات الضرورية في القطاع.
وبالرغم من أن العديد من المراقبين والمتتبعين للشأن التعليمي يرون أن المبررات التي يحاول مسؤولو وزارة التربية الوطنية تسويقها حول إعفاء يونس السحيمي، الذي تولى بدوره هذه المسؤولية دون مباراة، فإنهم يتساءلون عما إذا كان بإمكان الوزير الآن تفعيل مضامين الاتفاقات التي تم توقيعها مع الشركاء الاجتماعيين وتحقيق كافة المطالب العالقة، إذا كان فعلا السحيمي هو المسؤول عن عرقلة الملفات.
إعفاء من تحمل مسؤولية تنفيذ الاتفاقات
وفي هذا السياق، قال عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم “FNE”، كبير قاشا، إن إعفاء الكاتب العام للوزارة في حقيقته هو إعفاء للوزارة من تحمل مسؤولية تنفيذ مضامين اتفاقي 10 و26 دجنبر وتنزيل مقتضيات النظام الأساسي وفق رؤية إيجابية، مضيفا أن ما سيتأكد مستقبلا، خصوصا بعد تمرير القانون التجريمي للإضراب، هو العودة بالقطاع إلى ما قبل حراكه المبارك. وأكد أن التخلص من الكاتب العام للوزارة بعد دفن بنموسى هو تخلص من آخر شهود مرحلة مهمة في تاريخ حلحلة مشاكل الوزارة.
وأضاف المتحدث ذاته، ضمن تصريح لجريدة “العمق” أن إعفاء الكاتب العام للوزارة، ” هو قرار نابع من خارج الوزارة ولا علاقة له بمصالح شغيلتها، ولذلك تعاملت معه ببرودة واستخفاف، وكأنه لا يهمها ولا علاقة لها به، مدركة أن آخر اهتمامات أصحاب هذا القرار هي الحكامة المالية والإدارية للوزارة، والتقصي عن أنشطة الفساد في قطاع بات يعامل موظفيه كغرباء”.
وأشار قاشا إلى أن هذا القرار يشبه القرارات التي اتخذت في حق مجموعة من المديرين الإقليميين، رغم نتائج أدائهم الإيجابية، ويعاد بسيناريو جديد مع الكاتب العام، ويستثنى منها مديرو الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وكأن أداءهم خالٍ من كل العيوب، فما معنى أن يعفى نصف أو ثلثا عدد المديرين الإقليميين في جهة معينة ويستثنى مدير الأكاديمية من هذا الإجراء؟ يتساءل قاشا.
وزاد: “يبدو أن هناك تهافتا على تقاسم مواقع الانتفاع داخل مجموعة من القطاعات، منها وزارة التربية الوطنية، الأمر الذي سينتهي بدبغ جلود البعض بلون سياسي معروف استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة، ومعه سيستمر نزيف القطاع وإهدار أمواله وأجياله ومطالب شغيلته، وهو ما سيلهب الاحتجاجات مجددا.
ونبه المسؤول النقابي إلى أن الجناح الذي تمكن من حسم المعركة لصالحه داخل الوزارة معروف بتواضع سقف رؤيته واختياراته، وتفريطه في ترشيد وإقرار الحكامة التدبيرية، وهو ما يشعرنا بالقلق أكثر لأننا لا نبحث عن أي مكسب خارج معالجة مشاكل وانتظارات رجال ونساء التعليم”.
إصلاح أم إعادة ترتيب موازين القوى داخل الوزارة؟
من جانبه، قال الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية العامة للشغل، ربيع الكرعي، إن إعفاء السحيمي جاء في وقت حساس، تعرف فيه المنظومة توترا غير مسبوق، واحتقانا اجتماعيا نتيجة تعثر تنزيل النظام الأساسي الجديد لموظفي التعليم،لافتا إلى أنه رغم اختلاف القراءات حول دوافع هذا القرار، فإن التساؤل المشروع الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل يشكل هذا الإعفاء بداية فعلية لإصلاح حقيقي، أم أنه مجرد إعادة ترتيب لموازين القوى داخل الوزارة؟.
وأوضح الكرعي في تصريح مماثل لجريدة “العمق” أنه من الناحية المؤسساتية، تنزيل النظام الأساسي ليس من اختصاص الكاتب العام وحده، بل هو نتيجة مسار حكومي تشارك فيه قطاعات متعددة، على رأسها وزارات المالية، والوظيفة العمومية، إلى جانب وزارة التربية الوطنية، معتبرا ان ” تحميل السحيمي وحده مسؤولية تعثر الإصلاح فيه قدر كبير من الحيف، بل وربما التوظيف السياسي في سياق تجاذب حزبي ونقابي بات يطغى على الساحة السياسية في الآونة الأخيرة، وما يسمى بالتسخينات الانتخابية، فقطاع التعليم لم يسلم بدوره من هذه الظاهرة السيئة التي طبعت الساحة السياسية في العشرية الأخيرة”.
وقال النقابي ذاته إنه بقدر ما يعد الكاتب العام أحد الأطر الإدارية الفاعلة في مسلسل الحوار، إلى جانب مديرين مركزيين آخرين، فإن الإشكال الحقيقي يتجاوز الأسماء والأشخاص، ليصل إلى عمق بنية الوزارة التي أصبحت، حسب العديد من المتابعين، رهينة لـ”عشائر إدارية” تتصارع على النفوذ والمناصب، مستعملة أدوات بيروقراطية وتقاطعات نقابية لترسيخ مواقعها، ولو على حساب استقرار المنظومة.
وأكد الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية العامة للشغل، أنه لا يمكن قراءة إعفاء الكاتب العام خارج ارتفاع منسوب “الانتروبي” داخل القطاع، الذي باتت بوصلته غير واضحة، وسط فوضى تنظيمية وتخبط في اتخاذ القرار، مما ينذر بمزيد من التوتر في غياب معالجة حقيقية وعميقة للاختلالات البنيوية التي تعيق كل إصلاح.
وأوضح الكرعي، أنه أن للوزير كامل الصلاحية في تقييم أداء المسؤولين، واتخاذ ما يراه مناسبا لإعادة هيكلة دواليب الوزارة، غير أن الرهان على تغيير الأشخاص دون تفكيك منطق “العشائر” وتقاطع المصالح، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نفس الإخفاقات السابقة، فالإصلاح لا يمكن أن يكون انتقائيا، ولا رهينا بتوازنات نقابية أو حزبية، بل يستوجب إرادة سياسية واضحة، وخطة عمل تشاركية، وجرأة في تمكين الكفاءات وتحرير القرار الإداري من الولاءات الضيقة، وفق تعبير المتحدث.
وشدد المسؤول النقابي، إلى أن إعفاء الكاتب العام يجب أن يفهم كإشارة أولى، لا كمنجز نهائي، لأن الرهان الحقيقي هو بناء وزارة قوية، مستقلة، تحكمها الكفاءة والنزاهة، وتعيد الاعتبار للمدرسة العمومية كمشروع وطني جامع؛ يعد القضية الثانية بعد الوحدة الترابية للدولة، لا كمنصة لتصفية الحسابات أو توزيع الغنائم”.