الأحد, مارس 16, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيإعفاءات التعليم.. هل تنجح وصفة برادة في تجاوز عراقيل الإصلاح؟

إعفاءات التعليم.. هل تنجح وصفة برادة في تجاوز عراقيل الإصلاح؟



أثارت القرارات الأخيرة التي اتخذتها وزارة التربية الوطنية بإعفاء عدد كبير من المديرين الإقليميين تساؤلات عدة حول توقيتها، خصوصا في ظل الظروف الحالية التي يمر بها قطاع التعليم في المغرب. فقد جاءت هذه التغييرات في وقت حساس للغاية، مع تبقي سنة ونصف فقط على تنفيذ “خارطة الطريق” الإصلاحية التي وضعتها الوزارة، مما يفتح المجال للنقاش حول تأثير هذه القرارات على سير الإصلاحات في المرحلة الأخيرة من تنفيذ الخطة. وفي هذا السياق، يتساءل البعض عما إذا كان هذا التوقيت مدروسا بعناية أم أنه قرار غير محسوب قد يؤدي إلى تأثيرات سلبية على سير الإصلاحات التي باتت في مراحلها النهائية.

يرى بعض المراقبين أن قرارات الإعفاء قد تكون خطوة لإعادة ترتيب الأوراق وضمان التزام المسؤولين بتطبيق الإصلاحات خلال السنة والنصف المتبقية. ويعتقد هؤلاء أن التغييرات في مناصب المديرين الإقليميين قد تساعد في ضخ دماء جديدة يمكنها تسريع وتيرة العمل وتحقيق الأهداف الإصلاحية الكبرى. لكن في المقابل، يعارض آخرون هذا الرأي، ويؤكدون أن هذه الإعفاءات قد تخلق حالة من الارتباك، خصوصا أن تغيير المسؤولين يتطلب وقتا للتأقلم، وهو ما قد يؤدي إلى تأخير تنفيذ المشاريع في الوقت المحدد.

من جهة أخرى، يرى البعض أن قرارات الإعفاء قد تكون سابقة لأوانها، خاصة في سياق “خارطة الطريق” التي تم رسمها لتطبيق الإصلاحات على مراحل وبمشاركة جميع الأطراف المعنية. فهذه الإصلاحات تتطلب استقرارا في القيادة المحلية لضمان تنفيذ الاستراتيجيات بشكل موحد ومتسق. وبالتالي، قد تشكل هذه القرارات تحديا إضافيا للعملية الإصلاحية، ما لم يتم استبدال المديرين المقالين بكفاءات قادرة على ملء الفراغ بسرعة وفعالية.

وفي هذا السياق، أوضح عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم (FNE)، كبير قاشا، بأن إساءة استعمال السلطة والرضوخ لضغوطات “سياسوية” ضيقة، بالإضافة إلى اعتبارات لا علاقة لها بمصالح القطاع، تكمن وراء الإعفاءات التي باشرتها وزارة التربية الوطنية مؤخرا في صفوف المديرين الإقليميين. وأكد أن المبررات التي قدمتها الوزارة لتسويغ هذه الخطوة لا تتفق مع المعطيات على الأرض، خصوصا ما يتعلق بأداء المسؤولين المعنيين على المستويين الإداري والمالي، باستثناء مدير إقليمي واحد الذي يرى قاشا أنه يستحق المحاسبة أمام محكمة جرائم الأموال بدلا من تمتيعه بالإعفاء فقط. وأعرب عن مخاوفه من أن هذه الإعفاءات قد تشكل مقامرة بمصالح شغيلة القطاع، وتُستخدم كأداة للابتزاز من أجل الاستفادة من ريع القطاع، مما قد يؤدي إلى “كارثة مدارس الريادة” التي قد تُشبه فاجعة “المخطط الاستعجالي” التي انتهت بتبخر ملايير الدراهم.

وقال قاشا في تصريح لجريدة “العمق” إن أكبر المتضررين من هذا الهجوم على القطاع باسم الحكامة وتعزيز القدرات التدبيرية هم قيم النزاهة والمساءلة والشفافية. وأشار إلى أنه إذا كانت وزارة التربية الوطنية حريصة حقا على تعزيز مناعة مؤسساتها، لكان أولى بها متابعة ملفات هدر المال العام والممتلكات العامة التي رصدتها النقابات والهيئات الحقوقية والصحافة، ولقدمت المتورطين فيها للعدالة.

وأضاف النقابي ذاته أن الأجواء التي سبقت وواكبت هذه الحركة بين المديرين الإقليميين تعزز المخاوف من اعتماد المحسوبية والزبونية والمحاباة في إسناد المناصب، مما سيسمح بتغلغل الفساد بشكل أكبر في قطاع يجب أن يظل بعيدا عن المحاصصة الحزبية، التي تحول الموقع الوظيفي إلى خدمة للفساد السياسي بدلا من خدمة المجتمع.

من ناحية أخرى، يعتقد الناجي عبد الناصر، رئيس مؤسسة “أماكن لجودة التعليم”، أنه من حيث المبدأ يمكن لوزير التربية الوطنية إعفاء أي مسؤول تحت سلطته إذا ثبت أي إخلال جسيم بمهامه، وفقا للمبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة. ويضيف أن تقييم الأداء لتحسينه يبقى أمرا مطلوبا، خاصة إذا شمل جميع الفاعلين، بمن فيهم المسؤولون في مختلف المواقع. لكن ما لم يتم احترام الضوابط والشروط التي ينبغي أن تستند إليها هذه العملية، فقد تؤدي إلى انعكاسات سلبية على درجة الانخراط في الأوراش المفتوحة وتفشي بعض الممارسات الملتوية التي تسعى إلى تحقيق الأهداف الكمّية دون الاكتراث بالجودة.

وأشار ناجي في تصريح لجريدة “العمق” إلى ضرورة الحرص على موضوعية التقييم، بحيث يستند إلى معايير دقيقة يمكن من خلالها تحديد المسؤوليات بدقة، وعدم الانتقال إلى التقييم الجزائي إلا بعد فشل جميع محاولات التقييم التكويني. وأضاف أنه يجب التركيز على التقييم التكويني الذي يسعى إلى تصحيح الاختلالات بطريقة بيداغوجية، مع مراعاة المواكبة الحثيثة للمعنيين من أجل رفع قدراتهم التدبيرية.

وخلص المتحدث إلى أن إعفاء المديرين الإقليميين في الوقت الذي يُدَار فيه مشروع مؤسسات الريادة بشكل مركزي يثير تساؤلات حول مسؤولية المسؤولين المركزيين والجهويين في تعثر المشروع على المستوى الإقليمي. وأشار إلى أن ما إذا تم تمكين المديرين الإقليميين من جميع الإمكانيات والوسائل اللازمة لأداء مهامهم على أكمل وجه يبقى سؤالا جوهريا، بالإضافة إلى تساؤله حول سلطتهم الفعلية على الفاعلين في الميدان، وعلى رأسهم أطر التدريس.

أما بالنسبة لتوقيت القرار الذي جاء في الربع الأخير من السنة الدراسية، فقد أشار الناجي إلى أنه من المرجح أن يسبب نوعا من الارتباك في تدبير المشروع في المديريات المعنية، خاصة إذا طالت فترة تعيين المديرين الجدد. ولفت إلى أن القرار جاء في مرحلة مفصلية من مسار تعميم مؤسسات الريادة، وهو ما قد يؤثر على مستوى انخراط الأطراف المعنية في تفعيل المشروع، خصوصا إذا علمنا أن المنحة التي يستفيد منها المنخرطون في المشروع تُسلم مرة واحدة فقط، ما قد يؤدي إلى تراجع الحافزية في حال تعرض المعنيين للإعفاء أو التوقيف.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات