في مشهد يعكس نبض الشارع المغربي، طالبت المعارضة البرلمانية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بتحرك عاجل لتأهيل العرض الصحي، مع تركيز خاص على المناطق النائية والمهمشة التي تعاني من نقص حاد في الخدمات الطبية والبنية التحتية الصحية.
هذه المطالبات جاءت خلال جلسة برلمانية ساخنة، حيث شددت المعارضة على أن المواطن في هذه المناطق يواجه صعوبات يومية للحصول على أبسط الحقوق الصحية، مما يستدعي استجابة فورية وإصلاحات جذرية تعكس العدالة المجالية وتضع حدًا للتفاوتات الصارخة في توزيع الموارد الصحية.
وفي هذا الصدد، استعرض وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، في جلسة تحت قبة البرلمان حصيلة الجهود الحثيثة التي بذلتها الوزارة لتأهيل العرض الصحي في المغرب، بهدف تحقيق قفزة نوعية في الخدمات الصحية وضمان وصولها لكافة المواطنين.
وأكد الوزير أن العامين 2023 و2024 شهدا نقلة نوعية في تشغيل عدد من المؤسسات الاستشفائية الجديدة والمهيأة، مما أسهم في إضافة أكثر من 2100 سرير جديد إلى المنظومة الصحية.
ومن أبرز الإنجازات التي أشار إليها بناء وتجهيز المركز الاستشفائي الجامعي بطنجة بطاقة استيعابية تصل إلى 797 سريرًا، إضافة إلى المركز الاستشفائي الإقليمي بالقنيطرة الذي يضم 450 سريرًا، والمركز الاستشفائي الإقليمي بالحسيمة بطاقة 250 سريرًا.
كما تم تشغيل ثمانية مستشفيات للقرب في مناطق متفرقة، مما يحقق توزيعًا أكثر عدالة للخدمات الصحية، وفقا للمتحدث ذاته.
وأبرز التهراوي، خلال جلسة الأخيرة للأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين، أن هذه الخطوات تزامنت مع مشاريع طموحة أخرى قيد التنفيذ تشمل بناء وإعادة بناء 78 مؤسسة استشفائية بمختلف مناطق المغرب، من بينها مراكز جامعية وإقليمية ومؤسسات رعاية صحية أولية، حيث ستضيف هذه المشاريع طاقة استيعابية تصل إلى 11,468 سريرًا بتكلفة إجمالية بلغت 42 مليار درهم.
في هذا الإطار، أكد ذات المتحدث، أن المشاريع الكبرى شملت خمسة مراكز استشفائية جامعية جديدة يجري إنشاؤها في مدن أكادير، العيون، كلميم، الراشيدية، وبني ملال، إلى جانب مشروع إعادة بناء مستشفى ابن سينا في الرباط الذي سيرفع قدرته الاستيعابية إلى 1,044 سريرًا بتكلفة إجمالية تصل إلى 20.3 مليار درهم. هذه الجهود تعكس رؤية متكاملة تهدف إلى توفير بنية تحتية صحية قادرة على تلبية الاحتياجات المتزايدة للمواطنين.
في إطار تحسين جودة الخدمات الصحية، أوضح ذات المتحدث، أن الوزارة خصصت برنامجًا وطنيًا لتأهيل 1,400 مركز صحي عبر ربوع المملكة، مع رصد غلاف مالي يقدر بـ6.4 مليار درهم لاستكمال هذا المشروع بحلول عام 2025.
ولمواجهة تحديات استثنائية مثل زلزال الحوز، أكد الوزير أنه تم إطلاق خطة طارئة لإصلاح وترميم 195 مؤسسة صحية متضررة، حيث بلغت التكلفة الإجمالية لهذه التدخلات 818 مليون درهم، إضافة إلى مشاريع مهيكلة أخرى بقيمة 1.17 مليار درهم لتقديم خدمات صحية مستدامة في المناطق المتضررة.
لم تغفل الوزارة عن تحسين تجربة المريض داخل المستشفيات، حسب ذات المتحدث، حيث تم تبني أنظمة الحجز المسبق لتقليل الازدحام، وزيادة عدد العاملين بمصالح الاستقبال وتدريبهم لتحسين جودة الخدمة.
ووفقا للمتحدث ذاته، فقد تم تأهيل ست مصالح للاستقبال في المستشفيات بجهات مختلفة خلال العامين الماضيين، وإنشاء عشر وحدات لمستعجلات القرب مع برمجة إحداث 11 وحدة إضافية قريبًا.
وشدد الوزير على أن الجهود المبذولة تستند إلى رؤية استراتيجية تعتمد على القانون الإطار رقم 06-22 الخاص بالمنظومة الصحية الوطنية.
في هذا السياق، أشار التهراوي إلى اعتماد حوكمة جديدة تضمنت إنشاء الهيئة العليا للصحة، ووكالة الأدوية والمنتجات الصحية، ووكالة الدم ومشتقاته، إضافة إلى مراجعة هيكلة الإدارة المركزية وإحداث مجموعات صحية ترابية لضمان تخطيط أكثر كفاءة للعرض الصحي.
وتأتي هذه الجهود ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق العدالة المجالية وضمان تكافؤ الفرص في الولوج إلى الخدمات الصحية، مما يسهم في رفع ثقة المواطن بالمنظومة الصحية الوطنية ويعزز من قدرتها على مواجهة التحديات الصحية المتزايدة.
هذه الإصلاحات الطموحة ليست فقط استجابة للتوجيهات الملكية السامية، لكنها أيضًا جزء من استراتيجية المغرب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وضمان حق الجميع في الصحة والرعاية.