يقول الله سبحانه وتعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان”.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
عُرف المغرب، منذ عهود، بإسلامه المعتدل، الذي يمتح من ينابيع قيَم التسامح والتكافل والتعاون التي طبعت الإنسان المغربي الأصيل، قائما على ركائزَ متينة تقوم على السجيّة المغربية، التي يسير وفقها كلّ أمر في الحياة بـ”النية”…
اخترنا لكم في “Le12.ma”وقفات مع ثلّة من الأقلام المغربية التي أغنت ريبرتوار الكتابات المغربية التي تناولت موضوع الإسلام المعتدل الذي انتهجته المملكة المغربية منذ القدم، والذي أثبت توالي الأيام وما تشهده الساحة السياسية الدولية أنّ هذا الإسلام “على الطريقة المغربية” لم يكن بالضّرورة قائما على “الصّدفة (النيّة) بل تحكمه أعراف وقوانين وتشريعات واضحة المرجعيات والخلفيات وواعية تمامَ الوعي بأنّ الإسلام… (آية قرآنية) و”الإسلام دينُ يُسر وليس دين عُسر” وأنْ “ما شادّ أحدَكم الدين إلا وغلبه“.
يقودنا رشيد الدرقاوي في مقالته “الإسلام وحقوق الإنسان” في عالم الديانة الإسلامية، التي عدّها الأقدرَ على تحقيق أماني الناس والأضمنَ لسعادتهم، إذ الدعوة إلى إله واحد دون ما سواه، وهو ما دعا إليه رسول الإنسانية عليه السلام بأمر من الله ووحيه، دعوة دائمة كفيلة بخير النّظم والقوانين التي تُسعد الناس. وقد تناول الكاتب الموضوع بإسهاب، ما علنا ندرجه في حلقتين.
ونشير إلى أن هذه المقالات منشورة في الموقع الإلكتروني لمجلة “دعوة الحق“.
يقول الله سبحانه وتعالى: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان“.
فرمضان شهر مبارك ميمون، نزل فيه القرآن العظيم، وابتدأ فيه الوحي الإلهي، واتصل الرسول القوي الأمين، بالرسول الأمي الأمين فأضاءت الأرض بنور السماء، وعرف سكان هذه الأرض -بفضل القرآن- أخبار السماء، وقال الله عزت حكمته «إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا» فطمحت نفوسنا لاسترواح النفحات العلوية، واشتاقت أرواحنا إلى الاتصال بالنور الإلهي، ونشدت عقولنا الاهتداء بهذا النور إلى أقوم وأوضح السبل، فإن في هذا النور بشارة للمسلمين، وتبيانا لكل شيء، وشفاء ورحمة للمومنين، فخصصنا هذه الكلمة بالحديث عن القرآن في شهره المبارك، ومن الله نستوهب التوفيق، ومنه نرجو الهداية.
القرآن كتاب هذه الأمة الخالد، أنزله ربها على رسولها، ليكون نبراسا ينير المسالك في ظلمة الحياة وقسطاسا يزن القيم في اهواء النفوس.. فهو -لهذا وغير هذا- مصدر الخير لها، وهو الهادي للتي هي أقوم من طرق السعادة في الدنيا، وسبل النجاة في الآخرة، وهو فرقان يفرق بين الحق والباطل، وبين الحجة والشبهة، وبين الهوى والضلال، وذلك بما فيه من روائع الحكم، وعادل الأحكام، وداعي الحق، وناطق الدلائل بقدرة الله وعظمته، وصادق الوعد لمتبعيه بإخراجهم من الظلمات إلى النور، وبالأمن بعد الخوف، وبالتمكين في الأرض، فلهذا يجب عليها (أي الأمة) أن تحفظه، وأن تعمل به.
القرآن -أيها القراء الكرام والقارئات الكريمات- كتابكم المبين.. كتابكم فاقرأوه ورتلوه فهو ذكر لكم فاتخذوه وردا لازما تزك نفوسكم، وتهتد قلوبكم، وتستنر عقولكم… يقول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «إن هذا القرآن مأدبة الله فاقبلوا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل الله ، والنور المبين، والشفاء النافع… عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب، ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد.. اتلوه.. فإن الله ياجركم على تلاوته كل حرف عشر حسنات، أما أني لا أقول لكم «الم» حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف» (ك).
القرآن كتابكم فادرسوه وتدبروه فهو هاد لكم، فاتخذوه إماما متبعا تستقم أخلاقكم، وتسم تصرفاتكم، وتستعد حياتكم، ويرفع الله ذكركم، فهذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده» (م. د. صح).
القرآن كتابكم فاحفظوه وتعهدوه فهو منجاة لكم، فاستروحوا منه روائح الجنة، فهذا الرسول العزيز صلى الله عليه وسلم يقول: «من قرأ القرآن فاستظهره، فأحل حلاله، وحرم حرامه، أدخله الله به الجنة» الحديث (هـ. ت.)
لهذا ندعو إلى إحياء دراسة القرآن، وإلى تعميم تعليم القرآن، وإلى السعي بشتى الوسائل للعمل بتعاليم القرآن.. «.. يا أباذر: لان تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة» (هـ.ح).. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن الذي ليس في جوفه شيء من القرآن كالبيت الخرب» (ك. ت -صح. ح.).
ندعو الحكومة إلى إقامة مدارس خاصة بدراسة القرآن، وتفهيمه على ضوء السنة الشريفة، وإلى تحفيظه لكل من توجد عنده ميزة الحفظ من أولادنا وبناتنا؛ فقد وردت أحاديث صحيحة في فضيلة حفظه ومزية العمل به.
إن خير وسيلة لإرضاء الرب جل علاه التعبد بقراءة القرآن، والاهتداء بتعاليمه في تزكية النفس وتربية النشء، وتطبيق أحكامه في واقع الحياة، وفي توجيه دفة الحضارة العصرية نحو نوره الواضح.. جاء في آخر حديث شريف روي عن أبي أمامة قوله (ص): «وما العباد إلى الله بمثل ما خرج منه، يعني القرآن». لأن القرآن شامل جامع، يحتوي على ما ينقي النفس، ويطهرها ويرتفع بها راضية مرضية إلى ربها.. ويحتوي كذلك على المبادئ التي ترفع من شأن الإنسان في هذه الحياة الدنيا حتى يؤدي وظيفة الاستخلاف في الأرض، فيتمكن من السيادة العزيزة، ومن الاطمئنان الذي يكفل السعادة الكاملة. ويكفي أن نأتي بآية واحدة على سبيل المثال، لا على سبيل الحصر، وهو قوله جلت حكمته وعظم عدله: “ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى –وهو مومن- فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون“.
إننا إذا كنا ندعو الحكومة والناس إلى إحياء دراسة القرآن العظيم، والرجوع إلى تعاليمه المنيرة، فلأن ذلك هو الواجب علينا باعتبارنا مسلمين أولا وقبل كل اعتبار، ولا نعذر -أمام الله- بعذر مطلقا؛ ثم بعد ذلك فإننا نعتقد أن للقرآن الكريم تأثيرا خاصا في تربية النشء على العفة والطهارة، وفي تنمية مداركهم، وإعدادهم للحياة السعيدة، وتأثيرا كبيرا في تنوير بواطنهم بتثبيت العقائد الصحيحة، وتكوين الأخلاق الكريمة في نفوسهم باشعارهم بالمسؤولية أمام الله وأمام الناس، “اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون، وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون“.
لقد «علم المسلمون الأولون ذلك في صدر الإسلام فوكلوا إليه –وحده- تربية أخلاقهم، وتكوين مشاعرهم، وتنظيم عقائدهم، وأدركوا أن من المستحيل أن يقوم غير القرآن مقامه في تربية النفوس، وتكوين الملكات، وتقويم العرائز، فأبوا أن يأخذوا عقائدهم وأخلاقهم ومشاعرهم عن غيره، لأنهم أيقنوا أن ليس في استطاعة أي إنسان أن يؤلف كلاما يحمل في كيانه تأثيرا يماثل تأثير القرآن أن يدانيه، أو يقع قريبا منه».
وانتفعوا بهذه المعرفة تمام الانتفاع، فلقد كانوا يقرأونه ويتدبرون آياته ليعملوا بما ورد فيه من الأوامر، ويقفوا مع حدوده، وينتهوا عما نهى عنه، باعتباره القانون الأساسي لهم جميعا؛ تحمي أوامره دولتهم، ويحافظ على كيان جماعتهم؛ وبفضل تربية القرآن وأنواره وتوجيهه كانوا رجالا بكامل معاني الرجولة في جميع تصرفاتهم طهرت أرواحهم، وسمت نفوسهم، واتسعت آفاقهم، وعظمت آمالهم ففتحوا من الدنيا -في بضع سنين- ما لم يفتحه غيرهم في عدة قرون؛ وبفضل أخذهم بالقرآن عزوا وسادوا، وسعد معهم غيرهم، مع العلم أنه لم يكن يوجد -يومئذ- من وسائل التبليغ والنقل والسفر ما هو موجود الآن، ولكنها الهمم التي رباها القرآن.. والأبطال الذين دربهم القرآن.. وصدق الله العظيم: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا”..