قال تعالى وهو أصدق القائلين: “قلنا اهبطوا منها جميعا، فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا؟ قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى”.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
عُرف المغرب، منذ عهود، بإسلامه المعتدل، الذي يمتح من ينابيع قيَم التسامح والتكافل والتعاون التي طبعت الإنسان المغربي الأصيل، قائما على ركائزَ متينة تقوم على السجيّة المغربية، التي يسير وفقها كلّ أمر في الحياة بـ”النية”…
اخترنا لكم في “Le12.ma”وقفات مع ثلّة من الأقلام المغربية التي أغنت ريبرتوار الكتابات المغربية التي تناولت موضوع الإسلام المعتدل الذي انتهجته المملكة المغربية منذ القدم، والذي أثبت توالي الأيام وما تشهده الساحة السياسية الدولية أنّ هذا الإسلام “على الطريقة المغربية” لم يكن بالضّرورة قائما على “الصّدفة (النيّة) بل تحكمه أعراف وقوانين وتشريعات واضحة المرجعيات والخلفيات وواعية تمامَ الوعي بأنّ الإسلام… (آية قرآنية) و”الإسلام دينُ يُسر وليس دين عُسر” وأنْ “ما شادّ أحدَكم الدين إلا وغلبه“.
ونشير إلى أن هذه المقالات منشورة في الموقع الإلكتروني لمجلة “دعوة الحق“.
بهذه الموعظة الأولى، وهذه الكلمات الساميات، والآيات الرائعات، خاطب الله سبحانه الأصول البشرية عندما أهبطهم من السماء، وأسكنهم هذه الأرض، وجعلها لهم مستقرا ومستودعا. وكما جعل سبحانه الشمس والقمر دائبتين وسخرهما لإمداد العالم بالنور والضياء والحياة كذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين لإمداد العالم والخلق بالضياء والنور والحياة.
فما خلت أمة من رسول، ولا جماعة من نبي، من لدن أبي البشر آدم إلى المبعوث بآخر هدايات السماء مولانا محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
كل ذلك لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل. ولله الحجة البالغة. ومن الواضح الجلي: أن أولى وظائف هؤلاء المختارين لهداية الخلق: الوعظ والإرشاد، ودلالة الناس على ربهم، وإدخال الإيمان في قلوبهم، وتركيز الطاعة في جوارحهم، سالكين في ذلك سبيل الحكمة: من لسان عذب، وكلمة طيبة، ودعوة بالحسنى، وأسوة حسنة.
ومن حكمة الله سبحانه أن هذه القلوب، وإن قست، فكانت كالحجارة أو أشد قسوة إلا أن الكلمة البليغة، والموعظة الجميلة، تجعله ينقلب رقة، ويسيل لطفا، ويطفو حنانا. كتلك الأرض الجامدة الهامدة، المغبرة الكالحة، فإذا واكبها الغيث وأمطرها السحاب ونزلت عليها رحمة الله، اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وأصبحت جنة للناظرين.
ولما كان سيدنا محمد عليه السلام آخر الأنبياء، ولا نبي بعده أمر علماء هذه الأمة بوراثته وجعلهم كالأنبياء، في واجب الإبلاغ، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة سوق الوعظ وبث صنف الهداية والإرشاد وربطهم بخالقهم سبحانه. والآيات في هذا الموضوع كثيرة، والأحاديث أكثر من أن تحصى.
ولقد كان المسلمون في خير يوم كانوا يتواصون بالحق، ويتواصون بالصبر. وكانوا في عزة يوم أن كان عالمهم يرشد جاهلهم، وكبيرهم يأخذ بيد صغيرهم. وكانوا خير أمة أخرجت للناس، لأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. وكانوا أمنع الأمم جانبا، يوم عرفوا سر قوله تبارك وتعالى: “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”. ولهذا كانت عناية سلف هذه الأمة بهذه الناحية عظيمة، وعظيمة جدا.
ومن اليوم الذي أغفل فيه المسلمون، هذا الأمر الخطير، تداعى بنيانه، وذهب ريحهم، وعلا واستبد بكرام الناس أسافلهم، وذهب ريحهم، وأصبحوا غثاء كغثاء السيل.
وإذا كان الناس في حاجة إلى الوعظ والإرشاد، فهم في هذا الزمان أشد حاجة وأمس ضرورة وذلك لكثرة المذاهب المضللة والسبل المعوجة والأهواء الجامحة ولما استحدث شياطين الإنس من مغريات ومفاسد وشباك ومراصد.
ولقد أصبحت الدعاية اليوم فنا من الفنون القائمة بذاتها، وعلما بدرس كبقية العلوم. وأصبحت الرسائل والصحف، والمجلات والإذاعات ودور السينما ودور التمثيل، بعضا من وسائل الدعاية الحديثة، في هذا الزمان.
ولقد ترتب على إهمال قيمة الوعظ والإرشاد في بعض البلاد الإسلامية أن أصبحت ميدانا لغزو المبشرين، والدعاة المضللين من شيوعية وغيرها. كما حصلت فجوة هائلة بين الآباء وأبنائهم وبناتهم. وأصبح البون شاسعا بين الدين وبين الجيل الصاعد بالإضافة إلى انتشار الرذيلة وفشو الإلحاد والاستهتار بالمثل والمبادئ العليا. وأصبح المتدينون أغرابا أو شبه أغراب في البلاد الإسلامية.
وأعتقد جازما أن إصلاح الجيل وإيقاف هذا التيار وإعادة الدين إلى شبابه ونضارته يتوقف إلى حد بعيد على العناية بالوعظ والإرشاد.
وذلك بإيجاد طائفة مزودة بالثقافة الصحيحة من شرقية وغربية، فاهمة لروح العصر مزودة بسلاح الزمن، ومعارف العصر الحاضر… والله الموفق.
وصية عقبة بن نافع لبنيه
لما خرج عقبة بأصحابه وبكثير من أهل القيروان إلى المغرب دعا بأولاده فقال لهم إني بعت نفسي من الله ولا أدري ما يقضي علي في سفري ثم قال يا بني إني أوصيكم بثلاث خصال فاحفظوها ولا تضيعوها إياكم أن تمتلئ صدوركم شعرا وتتركوا القرءان، املأوا صدوركم من كتاب الله فإنه دليل على الله وخذوا من كلام العرب ما تهذبون به ألسنتكم ويدلكم على مكارم الأخلاق ثم انتهوا عما وراءه. وأوصيكم أن لا تداينوا ولو لبستكم العباء، فإن الدين ذل بالنهار وهم بالليل فدعوه تسلم لكم أقداركم وأعراضكم وتبقى لكم الحرمة مع الناس ما بقيتم. ولا تقبلوا العلم من المغرورين المرخصين يحملونكم دين الله ويفرقون بينكم وبين الله ولا تأخذوا دينكم إلا من أهل الورع والحيطة فإنه أسلم لكم ومن احتاط سلم ونجا فيمن نجا ثم قال اللهم تقبل نفسي في رضاك واجعل الجهاد رحمتي من دار كرامتي عندك ثم سار لا يدافعه أحدا.