الأحد, يناير 19, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيأ. نصر سيوب – فاس نيوز – موقع الجهة الاخباري 24 ساعة

أ. نصر سيوب – فاس نيوز – موقع الجهة الاخباري 24 ساعة


قراءة في قصة “صوت الذكريات والمطر” للمبدعة الدكتورة فاطمة الديبي :
أ. نصر سيوب

 "صوت الذكريات والمطر" :

جلست ربيعة بالقرب من النافذة كعادتها حين كانت تزور منزل خالتها بالجبل ، تتأمل المطر وهو يتساقط بغزارة على الأرض. كانت ليلة شتوية باردة، والرياح تهبّ بشدة، تهزّ أغصان الأشجار العارية، وتنشر في الأجواء رائحة التراب الرطب.
نظرت إلى الخارج، فوجدت أن كل شيء قد تغير. فقد اختفت الألوان الزاهية التي كانت تزين الحقول والمروج في فصل الربيع، وحلّ محلها اللون البني الداكن للأرض الرطبة. هدوء يعم المكان، وكأن الطبيعة كلها قد غفت في سبات عميق.
تذكرت ربيعة ليالي الشتاء في طفولتها، وكيف كانت تجلس مع خالتها عائشة حول المدفأة، تستمع إلى حكاياتها عن القرية وأهلها وكرمهم وعاداتهم وإتقانهم لصناعتهم اليدوية، وعن أحداث تقع لهم يوم الخميس يوم السوق الأسبوعي للمنطقة. كانت تحكي لها عن معاناة الأطفال حين كان واد القرية يفيض على الطرقات حارما إياهم من فصولهم الدراسية في فصل الشتاء، وعن، وعن…
أغمضت ربيعة عينيها وعادت سنوات طوال إلى الوراء، حين كانت طفلة صغيرة، تجري في المروج تحت المطر وهي تضحك وتستمتع بلحظاتها في حين كان أطفال القرية ينظرون إليها باستغراب، فهي ابنة المدينة تأتي لتستمتع بالبادية وهي مرتاحة عكسهم تماما فهم يتعبون أكثر ولا يتمتعون مثلها… لكن سرعان ما عادت إلى الواقع، وفتحت عينيها لتجد المطر لا يزال يتساقط بغزارة.
أخذت كوباً من الشاي الساخن، وجلست بالقرب من المدفأة التي لم تتغير. شعرت بالدفء ينتشر في جسدها، وهي تستمع إلى صوت المطر وهو يضرب على السقف الخشبي كأنه موسيقى ساحرة في أذني ربيعة.. بل كأنها تعزف أروع سمفونية في الكون. كانت تستمع إلى هذا الصوت وهي تغمض عينيها، تستمتع بهذا الهدوء الذي لا يقطعه سوى صوت الذكريات والمطر.
****
ــ مقدمة :
قصة “صوت الذكريات والمطر” للمبدعة الدكتورة فاطمة الديبي تعتبر دراسة نفسية اجتماعية عميقة للذاكرة والطفولة، تعكس عمق العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وبين الحاضر والماضي، وكيف تكون الطبيعة محفّزا قويا لاستعادة الذكريات وإعادة تقييم الماضي.

ــ في أحضان القصة :
1 ــ دراسة العنوان :
العنوان “صوتُ الذكرياتِ والمطرِ” يتكون من مركب إضافي ومعطوف؛ ف”صوتُ”: مبتدأ مرفوع، وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
“الذكرياتِ”: مضاف إليه مجرور، وعلامة جره الكسرة الظاهرة في آخره.
“والمطرِ”: الواو حرف عطف مبني على الفتح، “المطرِ”: معطوف على “الذكريات”.
والخبر يمكن اعتباره متن القصة.
والعنوان يحمل دلالات عميقة تعكس العلاقة بين الذكريات والمشاعر المرتبطة بالطبيعة، فهو يحوي صوتين: صوت الذكريات؛ حيث جعل للذكريات صوتاً قادراً على إيقاظ المشاعر والأحاسيس، في إشارة إلى التأملات الداخلية لبطلة القصة “ربيعة”. وصوت المطر؛ الذي لا يعتبر مجرد صوت طبيعي، بل هو صوت يتماهى مع الذكريات فيوقظها ويعيد إحياء الماضي، فهو رمز للتجديد والتطهير والانبعاث والسلام الداخلي، مما يتناسب مع عملية استعادة الذكريات التي تقوم بها البطلة، وارتباطه بالماضي والحنين.
لذا فالعنوان يعكس بشكل دقيق جوهر القصة، التي تدور أحداثها حول شخصية “ربيعة” التي تستعيد ذكرياتها مع تساقط المطر.

2 ــ اللغة :
تتميز لغة القصة بالبساطة والوضوح، مما يسهل على القارئ استيعاب الأحداث والشخصية البطلة، فالكاتبة تستخدم لغة عربية فصحى قريبة من العامية، تتسم بشعرية جميلة ووصفية دقيقة، مما يخلق جوا من السحر والرومانسية.

3 ــ السرد والحكي :
اعتمدت الكاتبة على السرد من منظور الرؤية من الخلف، مما يتيح للقارئ رؤية واضحة لأفكار وأحاسيس البطلة، ويمنحه إحساسا بالتقارب معها، ويساعده على فهم مشاعرها وأفكارها بشكل مباشر، وبالتالي التماهي معها.
فالساردة عليمة تعرف كل شيء عن الشخصية وأفكارها ومشاعرها، ووظيفتها نقل مشاعر البطلة ووصف الأحداث والذكريات بشكل يعزز من تأثير القصة على القارئ.
وقد دمجت الكاتبة في قصتها بين السرد والحكي والوصف بشكل متناغم، مما منح القصة عمقا إضافيا وجعلها أكثر تشويقا ومتعة.
وبالنسبة للوصف استخدمت الكاتبة وصفا دقيقا للطبيعة والمشاعر، مما يخلق أجواء شعرية، ويساهم في بناء الجو العام للقصة، كما اعتمدت الوصف الحسي باستخدامها حواس مختلفة : (البصر والسمع والشم) لوصف المشاهد والأحداث، مما يجعل القصة تنبض بالحياة والواقعية.

4 ــ الشخصيات :
ــ ربيعة : شخصية محورية في القصة، وهي شخصية حساسة ورومانسية، محبة للطبيعة وتستمتع بالهدوء. تعكس حالة الإنسان المعاصر الباحث عن الاستقرار، والهارب من صخب الحياة اليومية بالمدينة.
ــ عائشة : خالة ربيعة، شخصية ثانوية، تمثل الحكمة والتقاليد حيث تحمل في ذاكرتها تاريخ القرية.
ــ أطفال القرية : شخصيات ثانوية، تمثل البراءة والبساطة.

5 ــ الزمان والمكان :
١ ــ الزمان : تدور الأحداث في ليلة شتوية ماطرة، مما يضيف جوا من الحميمية والهدوء، ويحفز على التأمل والتذكر. كما أن الزمان في القصة يتحرك بين الحاضر والماضي.
٢ ــ المكان : يتمثل في منزل الخالة ربيعة بالقرية، وهو يمثل الراحة والاستقرار، والبعد عن صخب المدينة. فهو ملاذ آمن مرتبط بالذكريات والجذور.
لذا فالفضاء الزماني والمكاني يعكس حالة من الحنين إلى الماضي والطبيعة، التي تثير الذكريات الجميلة.

6 ــ الأحداث :
الأحداث في القصة بسيطة متسلسلة، تدور حول ربيعة التي تجلس بالقرب من النافذة في منزل خالتها عائشة بالقرية، تتأمل المطر وهو يتساقط، وتسترجع ذكرياتها عن طفولتها حينما كانت تلعب تحت المطر، تتذكر لحظات جميلة قضتها مع خالتها حول المدفأة، حيث كانت تستمع إلى حكاياتها عن القرية وأهلها.
تتناقض ذكرياتها مع واقع الحال، حيث تشعر بالحنين إلى تلك الأيام البسيطة.

7 ــ الرمزية :
ــ المطر : يرمز إلى التطهير والانبعاث والحنين للذكريات الجميلة.
ــ النافذة : ترمز للفصل بين الماضي والحاضر، والرؤية والتأمل في الحياة.
ــ القرية : ترمز إلى الماضي والجذور والبراءة.
ــ المدينة : ترمزإلى الحاضر والتسارع والتعقيد.
ــ المدفأة والمنزل : يرمزان إلى الدفء والأمان.

8 ــ الرسائل :
الرسالة التي تريد الكاتبة إيصالها من خلال هذه القصة هي اعتبارها أن الحنين إلى الماضي والذكريات الجميلة يمكن أن يكون مصدرا للراحة والدفء النفسي، وأن العناصر الطبيعية كالمطر يمكن أن تكون محفزا لاسترجاع هذه الذكريات. فالقصة تسلط الضوء على أهمية الذكريات ودورها في تشكيل هويتنا وشعورنا بالارتباط بالماضي.

ــ خاتمة :
قصة “صوت الذكريات والمطر” هي عمل أدبي جميل، غني بالمعاني النفسية، يعبر عن تجربة إنسانية جامعة من خلال لغة بسيطة عميقة وشاعرية رقيقة، وقدرة على استحضار المشاعر والأحاسيس لدى القارئ، وهي دعوة للتوقف والتأمل في حياتنا، والاستمتاع باللحظات البسيطة، وتقدير ما بين أيدينا مهما كان بسيطا.





Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات