الثلاثاء, يناير 7, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيأي تأطير لأي تكوين؟ – لكم-lakome2

أي تأطير لأي تكوين؟ – لكم-lakome2


كتبت مرارا عن واقع التعليم العالي في كليات الآداب العربية، لكونه موحد المشاكل، وإن اختلفت الأقطار العربية. لقد ظل يسير على نمط واحد، ولم يتطور مع الزمن ليعانق التحولات الفكرية والمعرفية العالمية. وجاءت مناسبة 30 ديسمبر/كانون الأول 2024 لمناقشة آخر أطروحة أشرفت عليها حول شعر الملحون، لتجعلني أستحضر تاريخ إشرافي ومناقشاتي للرسائل والأطاريح داخل المغرب وخارجه، ولاسيما بعد كثرة الشكاوى داخل أقسام اللغة العربية وآدابها من قبل الأساتذة، التي أجدها تتكرر في كل الكليات العربية. لمست هذا الإجماع في حضوري لمناقشة والمشاركة في تحكيم بعض الأطاريح العربية. لكن هذه الشكوى لا تعني أبدا عدم وجود أطاريح نوعية تستحق الطبع، ولها موقع يؤهلها لحصاد بعض الجوائز العربية.

آراء أخرى

هذه الشكوى العامة، وهي واقع ملموس تعني أننا فعلا أمام وضعية تنبئ بما آلت إليه أقسام اللغة العربية وآدابها، التي كانت أبدا طليعية في كل التاريخ العربي الحديث. ويشهد بذلك كون الكثير من الأطاريح التي نوقشت قبل الألفية الجديدة على الخصوص، وفي كل الوطن العربي، ما تزال بعد طبعها إلى الآن تفرض نفسها في الساحة الثقافية العربية. لا شك أن واقع هذه الأطاريح المتدني والضعيف يعكس الواقع الذي تعرفه كليات الآداب العربية بوجه عام. إنه وضع مزر ساهمت فيه عدة عوامل يمكننا اختزالها أولا في التأطير الذي يضطلع به الأساتذة، وثانيا في التكوين الذي يتلقاه الطالب خلال مرحلته الجامعية. قل لي ما هو نوع التكوين الذي تلقاه الطالب العربي في الثانوي والإجازة والماجستير، ونوع البحوث التي أنجزها، أقل لك نوع الأطروحة التي سيقوم بتحضيرها.

لم أشارك قط في طلب اعتماد الماجستير لأكون المنسق على هذا التكوين. كما أنني لم أكن أشارك في انتقاء الطلبة المقبولين في الماجستير. لكنني في المقابل كنت أقبل التدريس في أي تكوين اقترح عليّ. سألتني مرة طالبة لماذا لا أفتح تكوينا، ولا أشارك في انتقاء الطلبة مثل كل الأساتذة؟ كان جوابي: لا أشارك في الانتقاء لأن عندي سؤالا واحدا أطرحه على الطلبة: ما هو موضوع أطروحة الدكتوراه الذي تفكر البحث فيه الآن، لأن مرحلة الماجستير لا تؤهل إلا لتسجيل الدكتوراه؟ أجمع الطلبة أنني سأرفض قبول الجميع. وكان هذا موقفي، وهو وليد خبرة وتجربة شخصية طويلة. عندما كنت أفكر في موضوع الإجازة في أواخر السبعينيات، وبالمناسبة ظل بحث الإجازة في المغرب إلى أواخر الثمانينيات أحسن وأجود من أغلب أطاريح الدكتوراه التي تناقش اليوم في كل الوطن العربي، كانت عيني على البحث الذي سأقدمه لشهادة الدراسات المعمقة، الذي عندما كنت أشتغل فيه، كنت أضع تصميما لدبلوم الدراسات العليا، وهو ما كنت أقوم به للتفكير في دكتوراه الدولة. لم أكن استثناء في هذه الصورة. أعرف زملاء كثيرين كانوا يتقاسمون معي هذا التفكير. كان هذا التفكير وليد تكوين وتأطير كبرنا عليه من مرحلة الثانوي عندما كنا نقرأ تاريخ الأدب العربي مما قبل الإسلام إلى العصر الحديث في السنوات الثلاث للثانوية العامة. طالب اليوم، وهو يسجل بحثا للدكتوراه في الأدب العربي ليس عنده أي صورة عن تاريخ الأدب العربي، ولا يقرأ النصوص القديمة ولا الحديثة. يراسلني بعض الطلبة العرب، أو يتصل بي بعض المغاربة، طالبا مني أن أقترح عليه موضوع البحث، والمنهج، والمتن الذي عليه الاشتغال فيه في الدكتوراه، فكنت لا أجيبه.

كيف يمكن لطالب لا يعرف المتن، ولا المنهج، وليس له تفكير في موضوع أن ينجز بحثا، أو يكتب مقالا، أو يقبل في الماجستير أو الدكتوراه؟ هذا الطالب الناقص التكوين، الذي يكتفي بما يتلقاه من دروس ناقصة، ودون المستوى، هو الذي يسجل عادة في أقسام اللغة العربية وآدابها لإنجاز أطروحة. فماذا عن التأطير الذي يتلقاه في دروسه وخلال إنجاز بحثه؟ لا داعي للحديث عن التكوين فهو ناقص وضعيف، لأن معيار النجاح والحصول على النقاط والعلامات يفرضه الامتحان القائم على إرجاع البضاعة التي قدمها الأستاذ. وليس هذا الطالب سوى صورة عن أستاذه. إن مواد ومقررات كليات الآداب لم تتغير عما كانت عليه منذ تأسيس أقسام اللغة العربية، ولم تعرف في تاريخها سوى تغييرات طفيفة لم تمس قط جوهر عملية التكوين الأدبي المعاصر. ظلت تقوم على التلقين، والحفظ، وإرجاع البضاعة. لم يتطور النظر إلى المناهج، وإلى المقررات التطور الذي يؤهلها لمواكبة ما تعرفه الجامعات العالمية، لذلك سنجد صورة ذلك الطالب هي الصورة التي سيصبح عليها وهو أستاذ. يعيد ما تلقاه بالطريقة نفسها، ولا يبحث أو يؤلف إلا ليترقى. وكلما ترقى صار مؤهلا ليشرف على الدكتوراه وعلى التكوينات العليا، وهو يتصرف وفق ما كبر عليه.

إن هذا الوضع العام الذي تراجع فيه التكوين والتأطير ساهمت الإدارة فيه بشكل كبير. كانت الشعبة في السبعينيات وحتى التسعينيات في المغرب صاحبة القرار في تعيين الأساتذة الجدد، ولم يكن للكلية أو للجامعة أي دور في ذلك. وكانت الشعبة تنضبط لقرار اللجنة العلمية التي كانت بدورها صاحبة سلطة علمية وأخلاقية. غابت السلطة الأكاديمية فلم يبق للأستاذ ولا للشعبة أي دور في التأطير الحقيقي أو التكوين السليم، أو مواكبة ما يجري من تطورات عالمية.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات