حتى الآن، لم تصدر صور رسمية تُظهر استقرار بشار الأسد في مكانه الجديد، إلا أن الصحفيين بدأوا التكهن حول الثمن الذي سيدفعه الأسد مقابل كرم ضيافة فلاديمير بوتين ومن سيكون جيرانه.
حصل الأسد على حق اللجوء في العاصمة الروسية “لدواعٍ إنسانية”، وهي الدواعي نفسها التي حرم منها شعبه لسنوات طويلة، وفق ما كتبه المؤرخ البريطاني المتخصص في شؤون روسيا والأمن الدولي، مارك غاليوتي، في مجلة “ذا سبيكتاتور”.
ويتساءل غاليوتي عن نوع الحياة التي سيمنحها بوتين للأسد، ليجيب بأنها “حياة مترفة”، رغم أنها تعني في الواقع “الانضمام إلى واحدة من أغرب المجموعات على الإطلاق: نادي بوتين للديكتاتوريين السابقين”.
بارفيخا.. موطن الأثرياء والديكتاتوريين
يعتقد المؤرخ أن الأسد سيعيش على الأرجح في بارفيخا، وهي منطقة غرب موسكو، تشتهر بمنازلها الفاخرة المخفية خلف جدران عالية وبوابات معدنية مزخرفة. كانت بارفيخا في الحقبة السوفييتية مخصصة للنخبة الحزبية والثقافية الموالية، لكنها الآن أصبحت موطنًا للأثرياء الجدد وجماعة من الديكتاتوريين المخلوعين وأسرهم.
أولاً، هناك عائلة الرئيس الصربي السابق ومجرم الحرب سلوبودان ميلوسيفيتش. بالإضافة إلى ذلك، يوجد ثلاثة رؤساء سابقين آخرين، بمن فيهم عسكر أكاييف من قيرغيزستان، الذي أطيح به خلال “ثورة التوليب” عام 2005، وأصلان أباشيدزه من جمهورية أجاريا ذات الحكم الذاتي في جورجيا، الذي أدين غيابياً بتهم الإرهاب والقتل في بلاده، ثم الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش الذي فر بعد “ثورة الكرامة” عام 2014، وفقا للمؤرخ البريطاني.
مشاهد من قرية “بارفيخا” الفاخرة
تُعد الممتلكات في هذه المنطقة ضخمة، حيث يُقال إن يانوكوفيتش يقضي وقته بين قصر بقيمة 52 مليون دولار في بارفيخا ومكان آخر في منطقة روستوف جنوباً. كما يقدم هذا المكان مطاعم فاخرة ومحلات تجارية راقية، مثل مركز التسوق “دريم هاوس” أي منزل الأحلام و”قرية بارفيخا الفاخرة”.
ثمن اللجوء كبيادق بيد الكرملين
مع ذلك، ستحتاج عائلة الأسد إلى دفع ثمن هذا الرفاه. يقول مارك غاليوتي: “أي ديكتاتور يحترم نفسه لديه أموال مخبأة تحسباً لأي طارئ”. وقدرت وزارة الخارجية الأمريكية ثروة عائلة الأسد الخاصة بحوالي ملياري دولار موزعة في جميع أنحاء العالم عبر حسابات خارجية وشركات وهمية.
ويضيف غاليوتي، مستدركا: “ومع ذلك، ليس من الواضح مدى إمكانية وصولهم إلى هذه الأموال حالياً. سيكون عليهم دفع ثمن العقارات والفوائد الأخرى للحياة الفاخرة في المنفى، بما في ذلك الحراس الشخصيون والخدم الموثوقون.” ويُرجح أن يكون عدد كبير من هؤلاء الأخيرين عملاء في جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.
الطريقة الأخرى التي يمكن أن يدفع بها المنفيون الجدد ثمن اللجوء هي أن يصبحوا أدوات بيد الكرملين. حسب المؤرخ فإن بشار الأسد يتعرض للانتقادات سواء على وسائل التواصل الاجتماعي الروسية أو عبر القنوات الرسمية، حيث يُتهم بأنه المسؤول الوحيد عن انهيار نظامه. ويُجادل بأن الديكتاتور السوري فشل في الاستفادة من فرصة التدخل الروسي عام 2015، سواء للتوصل إلى نوع من اتفاق السلام مع بعض المتمردين أو لتعزيز جيشه. وإلى إلى حد ما، يُعتبر الأسد كبش فداء مناسباً.
وفقا للمؤرخ البريطاني، فإن بشار الأسد سيضطر لتحمل الوضع إذا أراد الحفاظ على حريته، ويُعتبر ورقة مقايضة محتملة. رغم احتمالية ضعيفة لعودته إلى سوريا، إلا أن لجوءه في موسكو يمثل الخيار الأخير في العقد الاجتماعي بين الكرملين وديكتاتورييه. إذا فشل كل شيء، سيكون لديه ملاذ في روسيا، لكنه يجب أن يتعاون مع الكرملين ويظل صامتًا بشأن دعم موسكو لنظامه الفاشل.
أيضا، يشير غاليوتي إلى أن الأسد وعائلته سيستمتعون بالأمن والرفاهية التي يوفرها لهم الكرملين، ولكن مع تزايد الأدلة على الجرائم المرتكبة في سجون النظام والفجوة بين الرفاهية التي يعيشها الأسد والمعاناة التي يعاني منها الشعب السوري، من غير المحتمل أن يجد أي تعاطف من العالم.
أكياس أموال الأسد في موسكو
في تقرير نشرته مؤسسة “جلوبال ويتنيس” في 2020، تم الكشف عن شبكة غسيل أموال كانت تساعد نظام الأسد السابق في تمويل حربه. وذكر أنه في عام 2012، سافر محمد مخلوف، عم الرئيس السوري بشار الأسد، إلى موسكو بحثًا عن تمويل، حيث التقى بالوسيط الروسي مدلل خوري، هذا الأخير الذي استخدم شبكة من الشركات في قبرص وجزر فيرجن البريطانية لدعم النظام السوري السابق في تجاوز العقوبات الدولية.
أظهر التقرير أيضا أن شبكة خوري ساعدت نظام الاسد في شراء مواد كيميائية تُستخدم في تصنيع المتفجرات، فضلاً عن توفير الوقود للنظام وتجاوز العقوبات الدولية. كما أكدت التحقيقات أن خوري كان على علاقة ضمنية مع أجهزة المخابرات الروسية في هذه العمليات، وساعدت شبكته أيضا في تسهيل تعاملات مع كيانات كورية شمالية خاضعة للعقوبات.
وأشار التقرير إلى أن عائلة مخلوف، التي تعتبر جزءًا من الحلقة الضيقة حول الأسد، استثمرت أموالها في عقارات فاخرة في موسكو، حيث اشتروا عقارات بقيمة 40 مليون دولار في ناطحات السحاب عام 2019، مستفيدة من شبكة خوري التي ساعدت في نقل الأموال إلى الخارج في هذه الفترة.
الدوما يقترح إرسال الأسد إلى ماريوبول
من جهة أخرى، اقترح النائب في مجلس الدوما الروسي، دميتري كوزنيتسوف، منح الرئيس السوري السابق بشار الأسد وعائلته الجنسية الروسية مقابل المساهمة في إعادة إعمار دونباس. وقال كوزنتسوف لصحيفة “غازيتا رو” الروسية: “أعتقد أن بشار الأسد، أو بالأحرى عائلته، يمكن أن يشرفوا على إحدى المناطق المتضررة من العمليات العسكرية في دونباس، ويستقروا في أحد المباني الجديدة في ماريوبول”.
في هذا السياق، أشار كوزنتسوف إلى إمكانية أن يشارك الأسد وعائلته في مشروع سينمائي، قائلا: “كما سيكون لديهم القدرة على دعم المخرج أمير كوستوريكا في تصوير فيلم مستوحى من أعمال دوستويفسكي في المنطقة. أنا أؤيده في إثبات نفسه في خدمة الشعب الروسي”.
موسكو قد تحذف “تحرير الشام” من قائمة الإرهاب
في تطور متصل، أعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن روسيا ستراقب أنشطة جماعة “هيئة تحرير الشام” (المصنفة كمنظمة إرهابية ومحظورة في روسيا) قبل النظر في إمكانية حذف تصنيفها كجماعة إرهابية. وأوضحت زاخاروفا أن التقييم سيعتمد على “الأفعال المحددة والسلوكيات الواضحة”، مؤكدة أن هذه المعايير هي التي ستحدد القرار النهائي.
وكانت المعارضة السورية المسلحة، بما في ذلك “هيئة تحرير الشام”، قد شنت هجومًا كبيرا على قوات الحكومة السورية في غرب محافظة حلب. ونجحت في بسط السيطرة الكاملة على العاصمة دمشق في 8 دجنبر 2024، مما دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى التنحي عن منصبه ومغادرة البلاد.
من جانبه، وصف المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، تصنيف جماعة “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية بـ “المشكلة”. وقال نيبينزيا: “بالطبع، هذه مشكلة لأنهم ما زالوا مدرجين في القائمة ولم يُستثنوا منها”، ولم يوضح الدبلوماسي ما المقصود بكلمة “مشكلة” في هذا السياق.
في يوم السبت 7 دجنبر، ظهرت معلومات تفيد بمقتل الدكتاتور الأسد، وقد زُعم أنه كان يفر من بلاده، وتحطمت الطائرة IL-76 التي كان يستقلها. لكن في وقت لاحق، أفاد الكرملين، عبر وكالات أنباءه، أن الرئيس السوري وصل إلى موسكو مع عائلته وحصل على اللجوء السياسي. وكدليل على ذلك، قدموا صورة مع الأسد، لكن تبين لاحقًا أن الصورة كانت لقطة شاشة من مقطع فيديو منذ عشر سنوات، ولا يزال المصير الفعلي للديكتاتور السابق مجهولا.