في هذه البقعة الطاهرة بأمغالا (80 كلم جنوب السمارة) التي التقطت فيها الصورة، سالت دماء الجنود المغاربة لصد أخبث عدوان عسكري جزائري غادر ضد المغرب.
السمارة – أمغالا . الدكتور – عبد الرحيم أريري
في هذه البقعة الطاهرة بأمغالا( 80 كلم جنوب السمارة) التي التقطت فيها الصورة، سالت دماء الجنود المغاربة لصد أخبث عدوان عسكري جزائري غادر ضد المغرب.
في هذه البقعة الطاهرة دارت أشرس معركة بين القوات المسلحة الملكية والجيش الجزائري النظامي يوم 26 يناير 1976، وهي المعركة المعروفة ب “معركة أمغالا الأولى”، أو بالأحرى الحرب بين المغرب والجزائر التي ستدوم إلى اليوم.
في ذاك اليوم انطلقت من جنوب الجزائر بتندوف 3 ألوية عسكرية جزائرية في هجوم سافر على الصحراء المغربية.
اللواء الأول قام بالهجوم على حامية أمغالا ، حيث كانت تتمركز وحدة عسكرية مغربية. موازاة مع ذلك قام لواء عسكري جزائري ثاني بالهجوم على تفاريتي لأجل تشتيت انتباه القوات المسلحة الملكية وإبطال جهودها في الإسناد.
وعلى بعد حوالي 350 كلم كان هناك لواء عسكري جزائري ثالث للمدرعات على مشارف المحبس (إقليم أسا الزاك)، من أجل سد طرق الإمداد والدعم المغربي عن المناطق الني تعرضت للهجوم الغادر .
مقابل ذلك قام الجيش الجزائري بتثبيث مدفعيته الثقيلة على الحدود المغربية الموريتانية جنوب أمغالا، مع نصب بطاريات الصواريخ، وخاصة صواريخ سام 6 و سام 7 الروسية الصنع، تحسبا لمواجهة الطيران الحربي المغربي وقوات التدخل السريع.
حصيلة المعركة يعرفها الجميع، فقد سحقت القوات المسلحة الملكية العدو الجزائري.
الوحدات العسكرية المغربية في معركة أمغالا الأولى كان يقودها الكولونيل بنعثمان، رفقة كومندو عسكري يؤطره القبطان لحبيب حبوها( والد محمد حبوها، عامل إقليم بركان حاليا).
أسفرت المعركة، عن قتل ما يزيد عن 100 عسكري جزائري، وأسر أكثر من 300 ضابط وجندي جزائري.
وحسب ما حكاه لي المرحوم أحمد السنوسي، السفير المغربي بالأمم المتحدة سابقا، في حوار مطول سبق نشره بأسبوعية “الوطن الآن”، وبموقع “أنفاس بريس”، يوم 3 دجنبر 2020، فإن الملك المرحوم الحسن الثاني، لما تناهى إلى علمه خبر الهجوم العسكري الجزائري الغادر على أمغالا غضب كثيراً وانزعج بقوة.
وبعد توالي الأخبار حول إنتصارات الجيش المغربي وتحكمه في الميدان، توصل الحسن الثاني بمكالمة هاتفية من كل من الملك خالد عاهل السعودية، ومن الرئيس أنور السادات رئيس مصر، يشفعان عنده ليفك الأسر عن الجزائريين ويعجل بطي الملف مخافة الفضيحة بالجزائر.
وأوفد الملك خالد ولي العهد فهد، في حين أرسل أنور السادات نائبه حسني مبارك.
وإذ ركز السفير السنوسي على هذين القائدين، فلأنه كان مكلفاً من طرف المرحوم الحسن الثاني بإستقبال مبعوثيهما بمطار فاس صحبة الجنيرال مولاي حفيظ.
وبالفعل إستقبل المرحوم الحسن الثاني كلا من فهد وحسني مبارك، وأخبرهما الملك بحيثيات الإعتداء وكيف تنكرت الجزائر لتعهداتها وتصريحاتها في القمة العربية.
حينما قال الرئيس الجزائري بومدين في المؤتمر إنه لن يتدخل في قضية الصحراء.
بعد ذلك توجّها إلى الجزائر لملاقاة بومدين، وعادا في نفس اليوم إلى فاس ليخبرا الملك الحسن الثاني، بأن الرئيس الجزائري يتعهد بألا يتدخل إطلاقا في الصحراء، وبأنه يطلب الإفراج عن الجنود الجزائريين الذين أسرتهم وحدات القوات المسلحة الملكية.
ونظراً لبعد نظر الحسن الثاني ووساطة رئيسي دولتين كبيرتين (السعودية ومصر)، استجاب الملك لطلبهما، وتم إيقاف الحرب، وأفرج المغرب في ما بعد عن الأسرى الجزائريين.
لكن الغدر الكبير الذي قامت به الجزائر بعد هزيمتها في معركة أمغالا الأولى، هو تنكرها لما التزمت به أمام شهود مصر والسعودية.
فتم التخطيط لهجوم غادر من طرف الجيش الجزائري من جديد على بلدة أمغالا بعد مرور شهر تقريباً ( فبراير 1976)، في الوقت الذي لم تكن الوحدات العسكرية المغربية بأمغالا في حالة تأهب واستنفار كبير، بحكم أن الجزائر طلبت وساطة دول أجنبية، وتعهدت أمامها بألا تتدخل من جديد، فقتلت جزءا وأسرت جزءا آخر من المغاربة ظلوا في معتقلات تندوف بالجزائر طوال 25 سنة.
إلا أن المكسب الأكبر الذي ربحه المغرب من معركتي أمغالا( الأولى والثانية)، أنه فطن إلى تأصل جينات الغدر لدى العدو الجزائري، وهو ماقاد المرحوم الحسن الثاني إلى البدء في دراسة وصياغة وإنجاز أعظم مشروع في الهندسة العسكرية عالميا.
ألا وهو بناء الجدار الأمني لإغلاق منافد تسرب وحدات الجيش الجزائري أو عناصر البوليساريو، من تراب الجزائر نحو التراب المغربي.
وهو ما تحقق بإخراج أساسات الجدار الأمني الأول من الأرض عام 1980.
الجدار الأول أعطى أكله سريعاً، لأنه أغلق على جيش الجزائر المنافذ للتسرب نحو المغرب، وهو ماجعل المرحوم الحسن الثاني يعطي الأمر بتعميم الجدار الأمني على إمتداد 2400 كلم (أي على طول الحدود الجزائرية والموريتانية كذلك التي كانت تتسرب منها البوليساريو مؤطرة بوحدات عسكرية جزائرية).
وبعد إنتهاء المغرب من بناء آخر جدار عام 1986، وبعد فشل الجزائر في دفع البوليساريو لاختراق الجدار الأمني، اضطرت دولة العصابة إلى قبول وقف إطلاق النار عام 1991.
فطوبى للمغرب بشهدائه، واللهم إرحم الملك الحسن الثاني، و إرحم أفراد القوات المسلحة الملكية الذين روت دمائهم تراب الصحراء المغربية.