بعد قرابة أسبوع خيّم فيه تساقط الأمطار بكميات مهمة على عدد من مناطق المغرب تباينت توقعات جامعيين ومحللين اقتصاديين بشأن إمكانية دفع هذه التساقطات، التي تجاوزت مقايسها 150 مليمترا في بعض الأنحاء، في اتجاه تحريك دينامية التشغيل وتخفيض معدلات البطالة، التي طالما اتهمت ندرة المطر خلال السنوات الأخيرة بالتسبب فيها، بين من يترقب “تأثيرا إيجابيا”، ومن يتحدث عن “أثر محدود جدا”.
ومع طول الفترة التي تهاطلت فيها التساقطات المطرية بشكل متوصل، و”النادرة” منذ سنوات، تحضر تساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيساهم في رفع مناصب الشغل التي سيحدثها القطاع الفلاحي هذا الموسم أساسا بالعالم القروي، هذا الأخير الذي ظلّت البطالة به رافعة نسبة الظاهرة على الصعيد الوطني، بسبب توالي الجفاف وشح الأمطار اللذين أفقداه 297 ألف منصب سنة 2023، وحدها، وفق تقارير رسمية.
وبينما تتفاءل قراءات اقتصادية بأنه “يمكن استرجاع قسط كبير من هذه المناصب المفقودة بفعل كمية التساقطات المطرية الأخيرة، التي يرتقب ظهور أثرها في رفع التشغيل ابتداء من الربع الثاني من السنة الجارية”، تدعو أخرى إلى التريث، إذ إن “نسبة ملء السدود مازالت ضعيفة، وثمة حاجة إلى استمرار تهاطل هذه الأمطار أسبوعين متواصلين على الأقل للحديث عن إمكانية تأثيرها على نسب البطالة وفرص الشغل”.
الحكومة نفسها كانت أكدت عزمها على “المضي قدما في تنفيذ سياستها الرامية إلى الحد من تفشي البطالة وتوفير الشغل اللائق، وذلك بهدف تقليص معدل البطالة إلى 9%، وإحداث 1.45 مليون منصب شغل إضافي في أفق سنة 2030″، وهو ما جاء مشروطا بـ”عودة التساقطات إلى مستوياتها العادية”.
وأكدت رئاسة الحكومة، في منشورها الصادر بشأن “تنزيل خارطة الطريق لتنفيذ السياسة الحكومية في مجال التشغيل”، أن استمرار فقدان منصب الشغل في القطاع الفلاحي بسبب توالي الجفاف ضمن أسباب ارتفاع معدل البطالة.
التفاؤل مبكّر
يرى إدريس الفينة، جامعي وخبير اقتصادي، أن “التساقطات المطرية التي تهاطلت على أقاليم متفرقة من المغرب محدودة الأثر الاقتصادي، وبالتالي من السابق لأوانه التفاؤل بتأثير مرتقب لها على مستويات البطالة ودينامية التشغيل”، موضحا أن “بلوغ نسبة ملء السدود 27 في المائة فقط يعني أن البلاد مازالت في وضعية خطيرة جدا، ما يؤكد أن سوق الشغل لن تتأثر حاليا بهذه التساقطات”.
وشرح الفينة، ضمن تصريح لهسبريس، أنه “من الناحية العلمية مازال المغرب بحاجة إلى انتظار هطول المزيد من الأمطار للوصول إلى مستوى ” volume critique” يمكن على أساسه تحليل تأثر وضعية التشغيل بهذه الأمطار”، مؤكدا “ضرورة التريث حتى بلوغ نسبة ملء السدود، وخصوصا الكبيرة، كالمسيرة ووادي المخازن، مستويات مرتفعة”.
وفصّل المصرّح نفسه في أنه “يجب استمرار التساقطات المطرية في التهاطل لأسبوعين أو ثلاثة على الأقل، لكي تترتب عليها تأثيرات اقتصادية على صعيد التشغيل”، مبرزا أن “المغرب بحاجة إلى ارتفاع حقينة سدوده بـ5 مليارات متر مكعب على الأقل، لتبلغ 10 مليارات، حتى نتحدث عن إمكانية بروز بوادر عودة القطاع الفلاحي للعب دوره على مستوى التشغيل”.
وأشار الجامعي والخبير الاقتصادي إلى أن “ذلك لا ينفي كون تواصل تهاطل التساقطات المطرية خلال الأيام الأخيرة مسار جيد تمضي فيه البلاد”، مؤكدا مرة أخرى “الرجاء أن يبقى هذا المسار حتى أواخر رمضان لتلمس انعكاساته”.
تأثير مرتقب
قال خالد حمص، أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن “التساقطات المطرية التي تهاطلت مؤخرا بالمناطق المغربية يمكن أن تساهم في تخفيض معدلات البطالة وتحريك التشغيل، فكما هو معلوم أن أكثر فرص الشغل في البلاد متواجدة بالقطاع الفلاحي”.
وأوضح حمص، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الفلاح المغربي بوجود هذه التساقطات سوف يستثمر أكثر ويشغل أكثر، ما سينعكس بشكل إيجابي على مستويات التشغيل بجميع الصناعات التحويلية الغذائية، وينشط مجموعة من الخدمات المرتبطة بالقطاع، خصوصا التنقل”، مبرزا أنه “بصفة عامة كلما زادت كميات الأمطار المتهاطلة طرأ تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني، وانخفض معدل البطالة”.
وتفاعلا مع سؤال لهسبريس، حول “مدى إمكانية التعويل على هذا التفاؤل في ظل وصول عدد المناصب المفقودة بفعل الجفاف وندرة التساقطات إلى 297 ألف منصب بالعالم القروي خلال سنة 2023 فقط”، قال الأستاذ الجامعي ذاته إنه “لا يمكن أن يتم استرجاع كل هذا العدد من المناصب بعد التساقطات الأخيرة، لكن قسطا كبيرا منها بالإمكان عودته”.
وأفاد المتحدث بأن “آثار هذه التساقطات على التشغيل يمكن أن يتم البدء في تلمسها ابتداء من الربع الثاني من السنة الجارية”، مستحضرا في هذا الجانب “معطى آخر مهما في مسألة دينامية التشغيل، يتعلق بالتفاؤل؛ فكلما كان الأخير حاضرا لدى الفلاحين زادت إمكانيات التوظيف، خصوصا في العالم القروي”، وتابع موضحا: “تفاؤل الفلاحين سوف يدفع في اتجاه زرع مساحات أكبر وبسواعد عدد مهم من العمال، ما سيعني بالتبعية أن عدد مناصب الشغل التي سيحدثها موسم الحصاد سيكون كذلك مرتفعا”.