مُعطيات مثيرة للقلق حول انتشار العُنف بشتى أنواعه داخل فضاءات للمؤسسات التعليمية المغربية تلك التي تضمنها تقرير حديث للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي؛ فقد أبرزت الوثيقة الصادرة عن المؤسسة الدستورية سالفة الذكر تعرّض أكثر من ثلث التلاميذ والتلميذات بالمرحلة الابتدائية للتحرش الجنسي، ووقوع أكثر من عُشر التلميذات المغاربة بالمرحلتين الإعدادية والتأهيلية ضحايا “لعلاقات جنسية قسرية”، مُبرزة سيادة ضروب مختلفة من العنف الرقمي بين المتمدرسين؛ على رأسها نشر الصور الحميمية على شبكات التواصل الاجتماعي.
وأفاد مجلس الحبيب المالكي، ضمن تقرير حمل عنوان “المساواة بين الجنسين.. في ومن خلال المنظومة التربوية”، تتوفّر هسبريس على نُسخة كاملة منه، بأن 30.3 في المائة من التلميذات و37,9 في المائة من التلاميذ المتابعين دراستهم بالمرحلة الابتدائية قد أبلغوا عن تعرضهم للتحرش الجنسي.
وأشار المجلس ذاته إلى أن البنات في المرحلة الثانوية التأهيلية والمرحلة الثانوية الإعدادية هنّ الأكثر تعرضا للعنف الجنسي، طبقا لبحث سابق كانت أجرته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2019 حول العنف ضد النساء، أفاد بوقوع “14,6 في المائة و10,4 في المائة منهن، على التوالي، ضحايا علاقات جنسية قسرية”؛ وهي المعطيات “المثيرة للقلق” التي دفعت المجلس إلى أن ينبّه إلى “الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير الحماية البنات من العنف الجنسي في الوسط المدرسي”.
مواصلا دائما تفكيك حضور هذه الظاهرة بالمدرسة المغربية، أورد المصدر عينه أن غالبية حالات العنف الجنسي صدرت عن الأولاد، سواء في المرحلة الثانوية والابتدائية، حسب تصريحات الضحايا؛ فبخصوص المدارس الابتدائية ذكر التقرير”66,3 في المائة من التلامذة الذين تعرضوا للتحرش يُصنفون ولدا أو أكثر من مدرستهم كمرتكب للتحرش، في حين يُصنِّفُ 22,1 في المائة منهم بنتاً واحدة أو أكثر من مدرستهم كمرتكبة لهذا النوع من التحرش”. وتبدو ذات النسب تقريبا مخيمة على المؤسسات الإعدادية والتأهيلية، التي أفاد “70 في المائة من تلامذتها أن مرتكب التحرش هو ولد واحد أو أكثر من نفس مدرستهم، بينما صرح 18 في المائة منهم فقط بأن بنتاً واحدة أو أكثر من نفس مدرستهم مرتكبة لهذا النوع من التحرش”.
وواصل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تسليط الضوء على مُعطيات أخرى لا تقل “إثارة للقلق” عمّا سلف موردا أن “المدرسين يتمُ ذكرهم كمرتكبين للتحرش بنسبة لا يستهان بها، حيث أبلغ 5,1 في المائة من تلامذة المدارس الابتدائية و18.7 في المائة من تلامذة المدارس الثانوية أنهم كانوا شهودا على تحرش جنسي ارتكبه أحد المدرسين ضد تلامذة آخرين، مشددا على أن “هذه الخلاصة مثيرة للقلق؛ لأن المدرسين يلعبون دورًا أساسيا في خلق بيئة تعليمية آمنة ومحترمة”.
وأشار المجلس ذاته إلى تعدد أشكال العنف الجنسي بالوسط المدرسي، إذ بالإضافة إلى السلوكيات الصريحة جنسيا تحضر “التعليقات والنكت والتصرفات والمواقف والوضعيات التي تتضمن تلميحات ذات طبيعة جنسية” مُبرزا أنه “رغم أن هذه الأشكال من التحرش قد تبدو طفيفة وغير مباشرة، فإنها تتسبب في القدر نفسه من الضرر، حيث تساهم في تأجيج مناخ غير صحي ومنحرف”.
العنف الجسدي واللفظي
التقرير المستند بشكل رئيسي إلى “تقييم العنف في الوسط المدرسي”، أنجزته الهيئة الوطنية للتقييم التابعة للمجلس بناء على دراسات ميدانية همّت 287 مؤسسة تعليمية مغربية، قدّم أيضا مُفصّلة بخصوص العنف الجسدي داخل المؤسسات التعليمية المغربية، مُسجّلا أن الأولاد هم الأكثر عرضة لأعمال هذا العنف بطريقة متكررة، سواء في المرحلة الابتدائية أو الثانوية”.
بخصوص المرحلة الابتدائية، أفاد التقرير ذاته بأنه خلال هذه المرحلة يكون الأولاد أكثر عرضة من البنات للعنف الجسدي المتكرر، حيث أكدت نسبة 9,2 في المائة من التلميذات تعرضهن للضرب أربع مرات أو أكثر. مقابل 13,2 في المائة من التلاميذ، فيما أفادت 87 في المائة من التلميذات أنهن كُن ضحايا لإلقاء أشياء عليهم بقصد إيذائهن، مقارنة بـ10,2 في المائة من التلاميذ.
المنحى ذاته يبصم عليه العنف الجسدي بالمرحلة الثانوية، أكد المجلس، الذي أبرز أن التلاميذ أفادوا أيضا بتعرضهم للدفع والضرب خمس مرات أو أكثر مقارنة بالتلميذات؛ فقد “أكد 8.3 في المائة من الأولاد أنهم تعرضوا للدفع خمس مرات أو أكثر»، مقارنة بـ5,1 في المائة من البنات، وصرح 5,6 في المائة من الأولاد بأنهم كانوا ضحايا للضرب «خمس مرات أو أكثر مقابل 2,2 في المائة من البنات”.
وبخصوص الجنس الأكثر ارتكابا للعنف الجسدي داخل المدرسة المغربية، ذكر التقرير ذاته أن “حوالي 44,4 في المائة من الأولاد و32 في المائة من البنات في المرحلة الابتدائية من ضحايا العنف الجسدي صرحوا بأن مرتكبي العنف ضدهم مجموعة من الأولاد أو ولد من نفس المؤسسة”، لافتا إلى أنه بالمقابل ذكر 5.9 في المائة من الأولاد و23,3 في المائة البنات فقط أن مُعنفيهم هم مجموعة من البنات أو بنت من المؤسسة نفسها.
ولم يفت المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن يلفت أيضا إلى “نسب تعنيف الأساتذة والأستاذات لتلامذتهم”، موضحا أن “المعطيات تكشف أنه تتم الإشارة إلى أطر هيئة التدريس كمرتكبين للعنف الجسدي؛ إذ أبلغ 56,6 في المائة من التلامذة عن تعرضهم للضرب في المدرسة من طرفهم”.
بخصوص العنف اللفظي، الذي لم يفصله المجلس عن الصور النمطية المتعلقة بالنوع الاجتماعي، أفاد التقرير، استنادا إلى التقييم سالف الذكر، بأن “العنف اللفظي يؤثر على التلامذة من كلا الجنسين، على الرغم من أن دوافع وأنواع الاعتداء تختلف بينهما بشكل طفيف”.
في هذا السياق، أوردت بيانات التقرير أن نحو 10,3 في المائة من تلميذات المرحلة الابتدائية أبلغن عن تعرضهن في كثير من الأحيان للسب والشتم؛ بينما ارتفعت نسبة التلاميذ الذين أبلغوا عن تعرّضهم لهذه الأشكال من العنف اللفظي لتصل إلى نحو 12,4 في المائة.
شكل آخر من أشكال العنف اللفظي توقف عنده التقرير، هو السخرية، مشيرا إلى أن الأسباب التي أبلغ عنها ضحايا هذه الظاهرة بالمدارس الابتدائية ترتبط “بالعمل المنجز بشكل جيد وبالمظهر الجسدي وبطريقة اللباس أو تصفيف الشعر؛ غير أن تباين أسباب السخرية هذه، حسب النوع الاجتماعي، يبقى بسيطا”. ويتعرّض تلامذة المستوى الثانوي، بدورهم، بشكل متكرر للسخرية والشتائم والتنابز بالألقاب”، حسب المصدر عينه.
وحسب المصدر ذاته، فغن غالبية مرتكبي العنف اللفظي في المرحلة الابتدائية هم من الأولاد؛ فقد أفاد بأن حوالي 50 في المائة من التلامذة سبق أن تعرّضوا للسخرية من ولد بمفرده أو مجموعة من الأولاد من نفس مدرستهم؛ “في حين أكد 29 في المائة أن مرتكبة الفعل فتاة أو مجموعة من الفتيات من المدرسة نفسها”.
أما بخصوص الإعداديات والثانويات، يظل التلاميذ الذكور، سواء فرادى أو جماعات، المرتكبين الرئيسيين لشتى أشكال العنف اللفظي، مثل الشتائم والسخرية، وفقا للمصدر عينه، الذي ذكر أن 55,5 في المائة من التلامذة قالوا إنهم تعرضوا للسخرية من لدن تلميذ بمفرده، بينما صرّح 40,8 في المائة بأنهم تعرضوا لذلك من طرف مجموعة من التلامذة” لافتا إلى أن 33,5 في المائة منهم صرّحوا بأن مرتكب هذا النوع من العنف في حقهم كان مدرسا.
وفي معطى يكشف “أهمية الاعتراف بأن البنات والأولاد يمكن أن يكونوا ضحايا أو مرتكبين للفعل على حد سواء”، ذكر المجلس أن 45.1 في المائة من البنات و13.3 في المائة من الأولاد في الوسط المدرسي الابتدائي تعرّضن للسخرية من تلميذة أو مجموعة من التلميذات، لافتا إلى أنه من جهة أخرى “أفادت 41.5 في المائة من البنات أنهن وقعن ضحية للسخرية من قبل ولد بمفرده أو من قبل مجموعة من الأولاد، مقارنة بـ58.1 في المائة من الأولاد”.
“العُنف الرقمي”
ووقف تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين البحثو العلمي عند اتساع نطاق العُنف الرقمي بجميع أشكاله في المدارس، راصدا وتطور التوزيع غير الرضائي للمحتوى الحميمي الصور أو مقاطع بشكل مثيرا للقلق؛ “حيث أفاد حوالي 8.6 في المائة من التلامذة بأنهم وقعوا ضحايا لهذا النوع من العنف مع تسجيل ارتفاع طفيف في صفوف الأولاد (10.3 في المائة) مقارنة بالبنات (6,7 في المائة)”، وفقا للمصدر ذاته.
وأورد التقرير ذاته أن حوالي 10,5 في المائة من تلامذة المدارس الابتدائية بأنهم تلقوا رسائل مزعجة أو مسيئة أو مهينة عبر الإنترنيت، بينما “أكد حوالي 9,6 في المائة أنهم تلقوها عبر الهاتف”، أضاف المجلس.
ولاحظ المجلس ذاته أن الإهانات والسخرية على الشبكات الاجتماعية غدت أمرا شائعا بين تلامذة المدارس الثانوية، حيث تنتشر هذه الممارسات بسبة عالية جدا في صفوفهم، كاشفا أن “22,1 في المائة من تلامذة المدارس الثانوية أفادوا بأنهم وقعوا ضحايا لهذا النوع من العنف الرقمي مرة واحدة على الأقل؛ “فيما أكد 5.7 في المائة من الأولاد أنهم تعرضوا للسخرية أو الإهانة خمس مرات أو أكثر على شبكة التواصل الاجتماعي”.