هبة بريس-عبد اللطيف بركة
حلّت يوم أمس الأربعاء 8 يناير الجاري، الذكرى الثالثة والثلاثون لرحيل عبد الرحيم بوعبيد، أحد أبرز القادة السياسيين في تاريخ المغرب المعاصر.
رجل وطني خدم بلاده من خلال مسيرة نضالية حافلة بالتحولات، وهو الذي طبع مشهد السياسة المغربية، وعُرف بمواقفه الثابتة التي اتسمت بالشجاعة والإخلاص للوطن. لكنه، في الذكرى التي مرت ” ناشفة “، يطرح تساؤلًا عميقًا: هل تناسى الاتحاديون في مدينة أكادير تخليد ذكرى هذا الرجل الذي كان له تأثير كبير في مسار حزبهم، وحتى في مستقبل المغرب السياسي؟ ولعل غياب الاحتفاء الرسمي في أكادير، المدينة التي فضلها وتقدم إلى تمثيلها في الانتخابات الجماعية رغم الظروف الصعبة، يطرح علامات استفهام هل هو تناسي مقصود أم تيهان بات يعيشه إخوان بوعبيد ؟؟؟
عبد الرحيم بوعبيد: مسار سياسي حافل
وُلد عبد الرحيم بوعبيد في 23 مارس 1922 في سلا، وكان من أبرز الوجوه السياسية المغربية التي ساهمت في تأسيس الدولة المغربية الحديثة. منذ شبابه، ارتبط اسمه بالنضال الوطني ضد الاستعمار، حيث كان أصغر الموقعين على وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944. كما شارك في مفاوضات “إيكس ليبان” عام 1955 التي تمهد لاستقلال المغرب، وواصل بعد ذلك تقديم خدماته السياسية لبلاده في مختلف المناصب.
بوعبيد لم يكن مجرد سياسي، بل كان محاميًا ورجل دولة بامتياز. نال شهادة الإجازة في القانون من باريس عام 1949، وعمل محاميًا في هيأة الرباط.
كما كان من مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي تحول فيما بعد إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. شغل بوعبيد عدة مناصب هامة في الحكومة، بما في ذلك وزير الاقتصاد والمالية، ووزير دولة مكلف بالشؤون المالية، حيث بصم على مسار سياسي مرموق داخل الحزب وخارجه.
من أبرز مواقف بوعبيد هي مشاركته في الدفاع عن القضية الوطنية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية. كان من أوائل السياسيين الذين أبدوا معارضتهم للمخططات الأجنبية التي كانت تهدف إلى فصل الصحراء عن المغرب، ولعب دورًا محوريًا في بلورة استراتيجيات الدفاع عن المغرب في المنتديات الدولية.
علاقته مع الملك الراحل الحسن الثاني
تُعد العلاقة بين عبد الرحيم بوعبيد والملك الحسن الثاني واحدة من أبرز محطات حياته السياسية. رغم مواقفه المعارضة لبعض السياسات التي نهجها الملك الراحل الحسن الثاني ، مثل معارضته للدستور الأول للمملكة، إلا أن بوعبيد حافظ على موقفه الوطني المستقل. وفي إحدى المرات، قال بوعبيد: “رَبّ السجن أحب إلي من أن ألتزم الصمت، وأن أقول رأيي في قضية مصيرية وطنية ومقدسة”. لقد خدم المغرب بصدق رغم التحديات السياسية الكبيرة.
كما شارك بوعبيد في مهمة دبلوماسية بالغة الأهمية عام 1974، حيث سافر إلى نيويورك ضمن الوفد المغربي للدفاع عن مغربية الصحراء أمام الأمم المتحدة، رغم الضغوط التي كانت تواجهه من طرف النظام آنذاك.
غياب الاحتفاء في أكادير
رغم المكانة الرفيعة التي يحتلها عبد الرحيم بوعبيد في التاريخ السياسي المغربي، إلا أن تساؤلات عديدة طرحت حول سبب غياب الاحتفال الرسمي بذكراه في مدينة أكادير التي اختارها ليترشح بها في أوقات صعبة. ورغم أن ذكراه يوم أمس عرفت تدوينات بعض مناضلي الحزب عبر مواقع التواصل الاجتماعي تذكّر بوعبيد، إلا أن هذه المبادرات الفردية تبقى محدودة في ظل عدم وجود فعاليات رسمية من الحزب محليا ووطنيا.
تاريخ بوعبيد وحضوره السياسي لا يمكن أن يُنسى، لكن غياب الاحتفاء بذكراه في المدينة التي كان يطمح إلى خدمتها يثير تساؤلات حول تراجع دور الحزب في الحفاظ على الذاكرة السياسية، لا سيما في ظل التشرذم الذي يعانيه الحزب حاليًا. ففي وقت مضى، كانت المدينة التي ترشح فيها بوعبيد لمقعد البلدية، هي مسرحًا للنضال الاتحادي الجاد، لكنها اليوم تبدو وكأنها فقدت ارتباطها بتلك الذاكرة الحية.
ورغم نسيان تخليد ذكراه يبقى القيادي عبد الرحيم بوعبيد أحد أبرز مؤسسي المغرب الحديث، وصاحب بصمة عميقة في تاريخ حزب الاتحاد الاشتراكي. من المعارض القوي للاستعمار، إلى المدافع عن مغربية الصحراء، إلى كاتب أول للحزب، كان بوعبيد نموذجًا في النضال الوطني والسياسي. لكن غياب الاحتفال بذكراه في مدينة أكادير اليوم يطرح تساؤلات عن الواقع الحالي للحزب وارتباطه بماضيه النضالي، وعن فقدان بعض الأجيال لحبل الارتباط بتاريخهم السياسي. تبقى الذكرى، رغم ذلك، حية في قلوب المناضلين، ويبقى إرث بوعبيد شاهداً على تاريخ من التضحية والعطاء.
