في مشهد يعكس قسوة التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسر المغربية، تسجل أسعار الأسماك، وخصوصاً السردين، ارتفاعاً غير مسبوق أرهق القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل موجة غلاء عامة تشمل معظم المواد الأساسية.
ومع تجاوز سعر السردين 20 درهماً للكيلوغرام الواحد في العديد من الأسواق، بات هذا الوضع يثير تساؤلات حادة حول أسباب هذا الارتفاع وانعكاساته على المستهلكين، خاصة في الأحياء الشعبية، حيث يجد باعة السمك أنفسهم في مواجهة مباشرة مع غضب الزبائن.
ويرجع مهنيو الصيد هذا الغلاء إلى موجة البرد الحادة التي أثرت على عمليات الصيد، ما أدى إلى تراجع العرض أمام الطلب المرتفع.
وبالتزامن مع قرب حلول شهر رمضان، المعروف بزيادة استهلاك الأسماك، يُتوقع أن تشهد الأسعار مزيداً من التصاعد، مما يزيد من حدة الضغوط على الأسر المغربية.
في هذا السياق، أوضح أحمد البواري، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، اليوم الاثنين، أن النقص في إنتاج الأسماك ناتج بشكل أساسي عن الجفاف والتغيرات المناخية.
وأضاف، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، أن فصل الشتاء يتسم بابتعاد الأسماك عن مناطق الصيد التقليدية، ما يؤدي إلى انخفاض كبير في الكميات المتوفرة في الأسواق، وهو ما يؤثر سلبا على الأسعار.
ورغم الجهود الحكومية لضمان استقرار أسعار المواد الغذائية الأساسية، تبقى تحديات التغيرات المناخية وتراجع المخزون السمكي عوامل ضاغطة يصعب التغلب عليها بسهولة.
ورغم هذه التوضيحات، عبّر نواب برلمانيون عن استيائهم من استمرار غلاء الأسماك، خصوصاً سمك السردين الذي يُعتبر “سمك الفقراء”، والذي لا مست السقف في المدن الكبرى باقترابها إلى 30 درهما.
وأشار يونس بنسليمان، النائب البرلماني عن التجمع الوطني للأحرار، إلى تباين الأسعار بين المناطق، نافياً وجود أسعار موحدة.
ومؤكداً أن السردين يُباع بـ13 درهماً في بعض المدن، مثل مراكش، رغم عدم وجود ساحل بحري فيها.
في المقابل، بدأت السواحل الجنوبية للمغرب تطبيق فترة الراحة البيولوجية لأسماك السردين، وهي خطوة تهدف إلى حماية المخزون السمكي من الاستنزاف.
هذه الفترة الحيوية، التي أقرها القطاع الوصي بناءً على توصيات المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، تمنح الأسماك فرصة للتكاثر والنمو بعيداً عن ضغط الأنشطة البشرية.
لكن ضعف الامتثال للقوانين المنظمة لهذه الفترات الحيوية يمثل تحدياً كبيراً، إذ تهدد الأنشطة غير القانونية استدامة الثروة السمكية، مما يستدعي تشديد الرقابة وإلزام المهنيين باحترام القوانين.
ويُعتبر سمك السردين مورداً استراتيجياً للمغرب، حيث يلعب دوراً محورياً في الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد الوطني.
من خلال قطاع الصيد البحري والصناعات المرتبطة به، مثل تعليب الأسماك والتصدير، يُسهم السردين في تعزيز مكانة المغرب كواحد من أكبر مصدري الأسماك في العالم.
لكن هذا المورد الحيوي يواجه مخاطر كبيرة بسبب تغير المناخ، والاستغلال المفرط، وضعف الالتزام بالتدابير البيئية، مما يضع مستقبل الثروة السمكية أمام تحديات ملحة تتطلب جهوداً متضافرة من جميع الأطراف المعنية.