أسر سوسية: آل بودميعة بتيزنيت…حراس ” إيليغ” وحفدة الإمارة السملالية
أمينة المستاري
اشتهرت سوس ماسة بأسماء أسر وعائلات كبرى: عائلات دينية أو “إكرامن”، عائلات علمية “حراس التقاليد”، عائلات ذات نفوذ اقتصادي أو سياسي…ومن هذه العائلات من جمع بين العلم والتجارة والسياسة، أو بين النفوذ الاقتصادي والسياسة والنسب الشريف.
وأسرة السملاليين جمعت في مرحلة تاريخية، بين العلم والسلطة والنفوذ التجاري، وأسس أبو حسون السملالي، حفيد سيدي احمد أوموسى، مدينة إليغ عاصمة له، تحولت لقطب اقتصادي لعب دورا تجاريا بين أوربا وتومبكتو، وبعد أفول نجم الإمارة السملالية بعد سقوطها على يد مولاي الرشيد العلوي، وبعد عقود من الزمن، تحولت دار إليغ إلى متحف للذاكرة، يحرسها الإمام بودميعة سليل السملاليين وابنته عائشة التي عشقت التاريخ والسياسة.
آل بودميعة…ليست أسرة سوسية عادية، فقد ذكرت في بطون الكتب وأسالت مداد مؤرخين وعلماء الاجتماع من بينهم المختار السوسي، بول باسكون غير بعيد عن تيزنيت، بحوالي 50 كلم، تتربع دار إليغ، وقصبتها الشهيرة التي يختزن تاريخا عريقا لأسرة بودميعة. ينبعث من المكان عبق التاريخ، فرب الأسرة الأستاذ مولاي الإمام بودميعة، هو سليل السملاليين الذين أسسوا إمارة في فترة تاريخية، وعرفت نهضة وصل صيتها أوربا وإفريقيا جنوب الصحراء في المجال التجاري والعلمي والديني
آل إرث بودميعة التاريخي إلى الأستاذ الإمام أبودميعة، خريج جامعة القرويين بفاس ومدارس عريقة بكل من تارودانت ومراكش. “من لا ماضي له، لا حاضر ولا مستقبل له”… مقولة يتشبث بها الأستاذ أبودميعة، الباحث في التاريخ، الذي عمل بمعية ابنته عائشة على حماية تاريخ الأسرة العريق، عرفا بدار ايليغ و خزائنها و تراثها التاريخي، وأسسا مركزا للتراث بقصبة إليغ يضم آلاف الوثائق والجلود المؤرخة لإرث تاريخي مغربي، ويعتبر شاهدا على التعايش بين اليهود والمسلمين والامتزاج الديموغرافي
الإمام أبودميعة، الأستاذ والأب، رفض الانتقال لأي سبب من أرض تحكي قصة أجداده…شاءت الصدفة أن يلتقي بول باسكون عالم الاجتماع المعروف، أثناء تواجده بمراكش من أجل الدراسة، وبعد أن سمع باسكون عن القصبة وتاريخ السملاليين، دفعه حب المعرفة إلى مرافقة سليل السملاليين إلى دار إيليغ، ليقف مشدوها أمام الثروة التي يحتفظ بها أبودميعة عن تاريخ أسرته، فنصحه بإنشاء متحف. وفعلا قام سليل السملاليين، المثقف والملم بمراحل الأسر اليهودية والمسلمة والتمازج الديموغرافي بينهما،.بالأخذ بنصيحة صديقه، فبدأ في الثمانينات بترميم التراث المادي “القصبة” من ماله الخاص، وتنظيم المخطوطات والمؤلفات والمراسلات…وكانت النتيجة متحفا يضم كنزا تاريخيا، أكثر من 5500 مخطوط، منها 3500 مؤلف، وبعد أن أصبح جاهزا ليتم تدشينه سنة 1997
الإمام أبودميعة وابنته عائشة، اللذان يعيشان بيننا بسوس، حبهما للتراث والتاريخ لم يأت عبثا بل هو التزام ومسؤولية تاريخية تقلداها على عاتيقيهما، جذور تربتهما التي يفوح منها عبق التاريخ وبودميعة الجد هو علي بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن موسى المعروف بأبي حسون السملالي، توفي سنة 1070 هج 1659 ميلادية أمير بلاد سوس وزعيم الإمارة السملاليةوشيخ زاوية إيليغ ، وسمي في المصادر التاريخية المسيحية ب”مرابط سوس” و”شيخ ماسة” و”مرابط الساح”. التفت حوله القبائل السوسية وأسس إيليغ عاصمة لدولته.
بعد سقوط السعديين سيطر أبو حسون السملالي على بلاد سوس، ويعتبر من أبرز أصحاب الزوايا الذين تولوا الأمر في المغرب الأقصى خلال الفترة الانتقالية بين دولة السعديين ودولة العلويين
وأسرة بودميعة نجحت في الإبقاء على تاريخ أجدادها، من خلال القصبة التي تضم كل المعلومات الخاصة بكل فترة من فترات حكم الإمارة السملالية، “العاصمة المنسية” بتعبير البعض، والتي لعبت أدوارا مهمة منذ القرن 16، واحتفظ الأستاذ بودميعة بمفاتيح القصبة التي تختزن إرثا ماديا، بعدمت أخذ المشعل بمساعدة ابنته عائشة، الباحثة ورئيسة مؤسسة دار إليغ…
عائشة المثقفة، والحاصلة على ماستر السياحة والتواصل لم تخرج عن مسار أجدادها، تتابع دراستها في سلك الدكتوراه في التراث المادي واللامادي، حملت مشعل الدفاع عن استمرارية قصبة دار إليغ، فهي مثال للمرأة الأمازيغية المثقفة، السياسية، العاشقة لأصلها وتاريخ أجدادها، والمناضلة من أجل أن يظل تاريخها شاهدا على حقبة تاريخية مهمة في تاريخ المغرب،كونه يشكل قطيعة بين الماضي والحاضر بين تاريخ الامارات منها الإمارة السملالية و قيام الدولة العلوية الشريفة.
عائشة، التي عشقت التاريخ، عشقت أيضا أدب موليير، وانتقلت إلى دراسة علم الإجتماع القروي و التنمية لتحصل على الإجازة، وهي عضو بمنظمة آناليند لحوار الحضارات…وطبعا دخلت غمار السياسة بعد انخراطها في حزب التدمع الوطني للأحرار، وأصبحت عضوا بجهة سوس ماسة.
أما الأب، حفيد أبو حسون، الإمام بودميعة، فمشهود له بكرمه وخلاقه وحبه لفعل الخير، هو من أعيان تازروالت و من الشرفاء السملاليين بدار ايليغ، أحفاد الولي الصالح سيدي احمد أوموسى السملالي، يساعد الطلبة الباحثين و الأساتذة في بحوثهم، ويمدهم بمراجع ووثائق عن تاريخ المنطقة وتاريخ السملاليين أو آل بودميعة، الذين جمعوا بين السلطة والنفوذ التجاري والعلمي، كأبي حسون السملالي حفيد سيدي احمد أوموسى السملالي…وفي عهد الإمارة السملالية نجحت القوافل التجارية في الوصول إلى هولندا وفرنسا وأنجلترا، وإفريقيا جنوب الصحراء كغينيا بيساو والسودان وساحل العاج
احتفظ الإمام بودميعة في المتحف بمفاتيح القصبة، وكل مفتاح “يفتح” بابا على مرحلة من التاريخ، حتى سمي من طرف الشخصيات التي تزور المتحف ب”حامل مفاتيح ذاكرة السملاليين”…وكل مفتاح يفتح صندوقا يضم كتبا قديمة قيمة، مراسلات، مخطوطات، جلودا…، فيما يتوفر شقيقه أبودميعة البخاري، الأستاذ الباحث، بدوره على مكتبة مهمة للمخطوطات بإنزكان…إرث أسري هي في الأصل كنز أسرة عريقة.