المغرب يمتلك تاريخًا غنيًا بشخصيات حقيقية يمكن أن تكون مصدر إلهام في إنتاج دراما مغربية، والرهان اليوم يجب أن يكون على تقديم شخصيات متوازنة، مقنعة، قريبة من نبض المجتمع، لا مجرد نسخ مشوهة لنماذج خارجية لا تنتمي إلينا.
*أحمد بوعروة
في السنوات الأخيرة، بدأت الدراما المغربية تشهد تحولات مثيرة للجدل، لم تعد تقتصر على طبيعة القصص أو التقنيات البصرية، بل امتدت إلى طريقة تقديم الشخصيات، حيث نلاحظ بوضوح ما يمكن وصفه بترجيل المرأة وتأنيث الرجل. لم يعد الأمر مجرد حالات فردية تفرضها ضرورة درامية أو بناء شخصي معقد، بل تحول إلى تيار عام يكاد يصبح قاعدة في العديد من الإنتاجات، مما يدفع إلى التساؤل حول الخلفيات والأهداف الحقيقية وراء هذا التوجه.
تحولات في صورة الرجل والمرأة لا تنسجم مع الواقع
لطالما كانت الدراما مرآة للمجتمع، تعكس تحولاته وتعيد تشكيل وعيه، لكن ما نراه اليوم في بعض الإنتاجات المغربية هو توجه نحو نماذج شخصية مستوردة لا تمت بصلة إلى النسيج الاجتماعي المغربي. فجأة، نجد المرأة وقد أصبحت رجلاً بكل تفاصيله: في طريقة كلامها، حركاتها، سلطويتها، لباسها، وحتى في طبيعة علاقاتها مع الآخرين، حيث أصبحت قائدة، زعيمة، مسيطرة على الرجال، تحكم العصابات، تقود العمليات الإجرامية، أو تتحكم في مصائر من حولها دون مبررات درامية مقنعة.
على الجانب الآخر، أصبح الرجل يظهر في صورة مهزوزة، مترددة، فاقدة للهيبة، بل وأحيانًا بصورة كوميدية تجعله أقرب إلى شخصية ثانوية بلا تأثير حقيقي. هذا التغيير الجذري لا ينبع من تطور طبيعي في الأدوار الاجتماعية، بل يبدو وكأنه إعادة تشكيل قسرية لصورة الرجل والمرأة، دون مراعاة المرجعيات الثقافية والخصوصيات المغربية.
بين الواقعية والمبالغة الكاريكاتورية
الدراما الجيدة لا تقتصر على نقل الواقع كما هو، بل تعيد قراءته وتحليله بذكاء، لكن بعض الأعمال المغربية الحالية تذهب إلى المبالغة، حيث تصبح المرأة وكأنها “رجل بلباس نسائي”، بينما يتم تقديم الرجل ككائن ضعيف فاقد لأي قوة داخلية. هذه الشخصيات تبدو وكأنها مأخوذة من بيئات أجنبية أو مستوحاة من سينما هوليوود وأفلام العصابات المصرية، دون أي تجذر في السياق المغربي.
في تاريخنا، كانت هناك نساء قويات أثبتن جدارتهن في السياسة، والتجارة، وحتى في الأدوار الاجتماعية الكبرى، لكنهن كن يتمتعن بشخصيات متوازنة، قوية دون أن يتخلين عن أنوثتهن، على عكس ما نشهده اليوم حيث يتم فرض صورة “المعلمة” المصرية أو “المرأة الحديدية” بأسلوب بعيد عن البيئة المغربية.
هل هو خيار فني أم مجرد ركوب على الموجة؟
يبقى السؤال: هل هذا التوجه الفني هو رؤية حقيقية من صناع الدراما، أم أنه مجرد استجابة لضغط السوق وموضة عابرة؟ في ظل المنافسة المتزايدة على نسب المشاهدة، قد يكون هذا التحول مجرد محاولة لإثارة الجدل وإدخال شخصيات “استثنائية” لجذب الانتباه. لكن المشكلة أن هذه الشخصيات تفقد مصداقيتها لأنها غير نابعة من واقع اجتماعي حقيقي.
في بعض الأحيان، يبدو أن هناك محاولة لإرضاء تيارات فكرية معينة تحاول إعادة توزيع الأدوار بين الجنسين بشكل متطرف، لكن الدراما ليست خطابًا أيديولوجيًا، بل هي فن يجب أن يبقى مرتبطًا بالواقع، وإلا فإنه يفقد تأثيره وصدقيته لدى الجمهور.
نحو دراما متوازنة تحترم الهوية المغربية
المطلوب اليوم ليس العودة إلى التنميط القديم الذي يضع المرأة دائمًا في موقع التبعية، ولكن أيضًا ليس تقديمها بصورة مشوهة لا تنتمي إلى الواقع المغربي. المرأة القوية ليست بالضرورة تلك التي تتحدث بخشونة أو تمارس العنف، بل تلك التي تملك عمقًا نفسيًا وإرادة حقيقية تجعلها مؤثرة في محيطها.
وبالمثل، الرجل ليس مضطرًا ليكون ضعيفًا أو مسلوب الإرادة حتى يُقدَّم ككائن متطور، بل يمكن للدراما أن تعكس هشاشته دون أن تحوله إلى شخصية كاريكاتورية.
إن صناعة الدراما مسؤولية كبيرة، ولا يجب أن تكون مجرد انعكاس لنزوات السوق أو تجارب سطحية مستوردة.
المغرب يمتلك تاريخًا غنيًا بشخصيات حقيقية يمكن أن تكون مصدر إلهام، والرهان اليوم يجب أن يكون على تقديم شخصيات متوازنة، مقنعة، قريبة من نبض المجتمع، لا مجرد نسخ مشوهة لنماذج خارجية لا تنتمي إلينا.
*خبير إعلامي في الصناعة التلفزيونية