كان المغاربة ليتفهموا تصعيد الخطاب الانتخابي لترؤس “حكومة المونديال” لو كان صادرا عن أحزاب المعارضة الراغبة في التموقع بالمشهد السياسي المقبل، غير أنه يصعب عليهم هضم أن أحزابا ضمن الأغلبية الحكومية تركت رهانات المرحلة جانبا وتفكر في إقناع المواطنين بأنها الأصلح لقيادة الحكومة المقبلة، وذلك بأساليب الضرب تحت الحزام ضد حلفائها الحكوميين.
وعلى الرغم من أن الانتخابات ما تزال بعيدة، وتفصلنا عنها ما يناهز سنة ونصف، إلا أن بعض أحزاب الأغلبية الحكومية أشعلت السباق المحموم نحو رئاسة الحكومة المقبلة، متناسية ما يقتضيه تدبير المرحلة الحالية، وغافلة عن تعزيز الحصيلة التي ستطلب عبرها ود المغاربة من جديد!
في كل الديمقراطيات تتشبث الأحزاب بأغلبيتها وتعمل على استكمال البرنامج الحكومي وتنزيل الأوراش المفتوحة إلى آخر اللحظات، وتتفادى كل ما من شأنه أن يعكر صفو مزاج التحالف، إلا في المغرب حيث تحاول أحزاب بالأغلبية بيع بعضها “في الدورة”، ولا تجد حرجا في ممارسة المعارضة في أيام نهاية الأسبوع وبأساليب فجة وخطاب مغرق في الشعبوية، غير مكترثة بالرسائل التي تُستشف من هذا السلوك.
ومن الأمثلة على ذلك، التصريحات الصادرة عن نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، الذي لم يجد حرجا في توجيه الانتقادات للمضاربين والسماسرة الذين ألهبوا جيوب المغاربة بالغلاء، بينما حزبه المسؤول عن قطاع الصناعة والتجارة والمسؤول عن سلاسل تموين الأسواق التي تفتح المجال لتجار الأزمة.
كما أن الاستقلالي الأول نسي أنه هو نفسه من يدبر قطاع الماء منذ بداية الولاية الحكومية ويعرف “خروب” السدود، وعلاقته بالفلاحة، وأن غياب التنفيذ الأمثل للتوجيهات الملكية في مجال الماء يعد من الأسباب التي جعلت الغلاء يستشري، خاصة في المواد الفلاحية منها. وهنا لا نتهم الوزير بركة بأنه يعرقل وصول الماء للفلاحة، ولكن يجب أن ينتبه إلى أن للغلاء أوجه متعددة ليس أقلها غياب الماء أو لنقل تدبيره بالطرق المثلى في سنوات الجفاف.
ولا شك أن هذه “اللهطة الانتخابية” التي أصابت بعض أحزاب التحالف تعكس عقلية انتخابية ضيقة، تجعل العمل الحكومي مجرد محطة عابرة لتكريس الإبقاء على المسؤوليات والمكاسب، بدلاً من كونه مسؤولية وطنية تتطلب التركيز على الملفات الراهنة والتحديات الملحة التي تواجه البلاد.
وبدل أن تنشغل بتحقيق النتائج وإقناع المواطنين بجدوى السياسات العمومية، تستبق هذه الأحزاب الزمن السياسي في بحث سابق لأوانه عن التموقعات، ومحاولة التبرؤ من كل النواقص التي طبعت المرحلة، محولة بذلك الشعب إلى مجرد رقم في معادلة انتخابية، لا صوت له إلا يوم الاقتراع!، ما يكرس فقدان الثقة والعزوف الانتخابي والسياسي.
ولم تفلح اجتماعات هيئة الأغلبية في رآب الصدع الذي أحدثه تلهب أحزاب من الأغلبية إلى تصدر الاستحقاقات المقبلة، حيث تتحول الاجتماعات إلى جلسات مجاملة، وما إن ينفض الجمع حتى تعود هاته الأحزاب إلى الكولسة والتصريحات التي تنطوي على تصعيد لا مبرر له بين الحلفاء.
مثل هذا السلوك يضعف ثقة المواطنين في المؤسسات السياسية، ويجعل الخطاب الانتخابي مجرد شعارات جوفاء لا تتصل بالواقع ولا تسعى للجواب على مشاكل الناس. فهؤلاء الذين يتهافتون لترؤس الحكومة المقبلة- وهو طموح مشروع على كل حال- مُطالبون أن يُظهروا “حنة يدهم” في الحكومة الحالية التي يشرفون فيها على قطاعات مهمة، بدل الاكتفاء بإقناع المغاربة أنهم سيكونون الأصلح في المرحلة المقبلة.
الأحزاب التي أُوحي لها أن هذه الفترة مناسبة لطرح هذا النقاش الانتخابوي تحاول إقناعنا أن ذلك أمر طبيعي ويدخل ضمن صلب الممارسة السياسية، ولا نعلم كيف يمكن لحكومة أن تشتت جهودها بين العمل السياسي والعمل الانتخابي دون أن يؤثر ذلك على الأداء العام؟!
المطلوب من أحزاب الأغلبية اليوم ليس التسابق نحو حكومة ما زالت بعيدة، بل الوفاء بالتزامات الحاضر، والاشتغال على الإصلاحات الضرورية وتنزيل البرامج والالتزامات الحكومية، بدل استباق المحطات الانتخابية بمنطق المصلحة الحزبية الضيقة. فالتدبير السياسي الناجح والذي سيقنع المواطنين بالتصويت في انتخابات 2026 يقاس بحجم المنجزات المحققة ورؤية المواطن لأثر السياسات الحكومية على معيشه اليومي.