يستلقي الأسير الفلسطيني المحرر إبراهيم الغوطي على سرير المرض في أروقة “مستشفى غزة الأوروبي” جنوب قطاع غزة، وهو منهك الجسد وتبدو عليه بوضوح آثار الإعياء والإهمال الطبي.
يتشبث الغوطي بالحياة، بعد تحرره ضمن الدفعة السابعة والأخيرة بالمرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حركة “حماس” وإسرائيل، خاصة أنه ذاق مرارة الاعتقال والتعذيب في سجون إسرائيل.
وفجر الخميس، أفرجت إسرائيل عن 596 أسيرًا فلسطينيًا من أصل 642 في الدفعة السابعة، بينهم 151 أسيرًا من المؤبدات والأحكام العالية، وفق مدير إعلام الأسرى بـ”حماس” ناهد الفاخوري.
وبيّن الفاخوري في تصريح للأناضول أن الدفعة السابعة والأخيرة من المرحلة الأولى تكتمل اليوم بإفراج إسرائيل عن 46 أسيرًا من الأطفال والنساء اعتقلوا أثناء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة.
** تليف رئوي
من مستشفى ناصر الطبي غرب مدينة خان يونس اعتقل الجيش الإسرائيلي الغوطي أثناء عدوان عسكري بري، ضمن حرب الإبادة الجماعية التي بدأت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وقضى الغوطي فترة سجنه في مستشفى سجن الرملة؛ بسبب إصابته بتليف رئوي، وهو واحد من مئات الأسرى الذين تعرضوا لإهمال طبي ممنهج داخل السجون الإسرائيلية.
ويرتدي الأسير المحرر جهاز الأكسجين لمساعدته على التنفس، بينما تعمل كوادر طبية على فحصه سريريًا، محاولين تقييم حجم الضرر الذي لحق برئتيه خلال وجوده بالسجن.
ووصف الغوطي معاناته بقوله للأناضول: “هناك (في السجون الإسرائيلية) لا يعالجونك حتى تشفى بشكل كامل، ولا يتركونك لتموت، يبقونك بين الحياة والموت”.
ورغم الألم والضعف، فإن لحظة الحرية كانت فارقة بالنسبة له، إذ أضاف: “شعورنا لا يوصف بأن نتذوق طعم الحرية، لم أكن أتوقع ذلك”.
** قدم مبتورة
على سرير مجاور، يرقد الأسير المحرر ثابت أبو خاطر، وهو مسنٌّ أُفرج عنه من سجون إسرائيل بقدم مبتورة وأخرى متورمة تملؤها الزرقة، ما قد يجعله عرضة لخسارتها.
واعتُقل أبو خاطر في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023 من أحد مدارس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في بني سهيلا شرق مدينة خان يونس، حيث كان يقطن مع مئات النازحين قسرا جراء حرب الإبادة.
ولم يكن أبو خاطر يدرك أن اعتقاله سيعني بتر إحدى قدميه بسبب الإهمال الطبي المتعمد من إدارة السجون الإسرائيلية.
بحزن تحدث أبو خاطر عن بدء تفاقم المرض في جسده بعد اعتقاله، وقال للأناضول: “بالنسبة لبتر القدم، فقد حدث ذلك في 27 أغسطس (آب) الماضي، بسبب الإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية، حيث أنني مصاب بمرض السكري”.
لكن معاناته لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ تعرض لإصابة أخرى بعد سقوطه داخل دورة المياه في السجن، ما تسبب في تورم قدمه المتبقية وتدهور حالتها.
وبقلق واضح تابع: “قد نضطر لإجراء عملية بتر للقدم الأخرى”.
ورغم حالته الصحية، بدا الأسير المحرر مذهولا عند وصوله إلى غزة، بعد أن ظن أن مصيره سيكون الموت داخل السجن.
وقال أبو خاطر: “والله ما كان عندي أمل أن نصل هنا، لكن ونحن في الطريق وبمجرد الوصول هنا أصبح الحلم حقيقة”.
** علامات تعذيب
وفي وقت مبكر الخميس، وصلت 12 حافلة تقل 456 أسيرا محررا إلى مستشفى غزة الأوروبي شرق خان يونس، وفق مراسل الأناضول.
وقال مصدر طبي في المستشفى للأناضول إن المحررين يعانون من هزال شديد، وبدا على العديد منهم علامات تعذيب وسوء معاملة في السجون الإسرائيلية.
وأضاف أن “بعض الأسرى لم يتمكنوا من المشي بسبب شدة التعذيب الذي تعرضوا له داخل سجون إسرائيل، فضلا عن إصابة العديد منهم بكسور في القفص الصدري؛ نتيجة ضرب مبرح وممنهج”.
المصدر أوضح أن “معظم الأسرى يعانون من أمراض جلدية، وتلقوا في مستشفى غزة الأوروبي الأدوية الخاصة بعلاج مرض الجرب، مع إدخال أسير محرر للمبيت في المستشفى لإصابته بتليف في الرئة”.
كما أفاد بوصول أسير مبتور اليد، وآخر مبتور القدم، جراء إصابته بمرض السكري وعدم تلقيه العلاج اللازم داخل السجون.
** إهمال طبي
وقضى عشرات الأسرى الفلسطينيين سنوات في سجون إسرائيل، وهم يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، دون تلقي الحد الأدنى من الرعاية الصحية، وفق مؤسسات فلسطينية معنية بشؤون الأسرى.
وتعتمد إدارة السجون الإسرائيلية الإهمال الطبي وسيلةً للعقاب والانتقام من الأسرى، إذ تحرمهم من العلاج اللازم، ما يفاقم أمراضهم حتى وصول بعضها إلى مراحل لا يمكن علاجها إلا بالبتر.
وتسبب التعذيب والإهمال الطبي في مقتل عشرات الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل، حسب تقارير إعلامية وحقوقية فلسطينية وإسرائيلية.
وبينما ظهرت على معظم الأسرى الفلسطينيين المحررين آثار تعذيب وكسور في أنحاء الجسد وأمراض متفاقمة جراء إهمال طبي، بدا معظم الأسرى الإسرائيليين الذي سلمتهم الفصائل الفلسطينية في حالة جسدية ونفسية جيدة.
وحاليا تقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.
وبدأ في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي سريان اتفاق وقف إطلاق النار، ويتضمن ثلاث مراحل تمتد كل منها 42 يوما، مع اشتراط التفاوض على المرحلة التالية قبل إتمام المرحلة الجارية، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
ونصت المرحلة الأولى على إطلاق سراح 33 أسيرا إسرائيليا، أحياء وأموات، وبالفعل أطلقت الفصائل الفلسطينية 25 أسيرا حيا وسملت 8 جثامين، مقابل إفراج إسرائيل عن 1135 أسيرا فلسطينيا.
ويعرقل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدء مفاوضات المرحلة الثانية، ويفضل تمديد الأولى لأسباب بينها أن المرحلة الثانية تنص على إنهاء حرب الإبادة وانسحاب الجيش الإسرائيلي بشكل كامل من غزة.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة، خلّفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمتي ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.
ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.