الثلاثاء, مارس 25, 2025
Google search engine
الرئيسيةالرئيسية آليات التحديث ومعوقاته في المجتمع المغربي – لكم-lakome2

 آليات التحديث ومعوقاته في المجتمع المغربي – لكم-lakome2


حالة الاستعمار

آراء أخرى

مقدمة

التحديث فعل اجتماعي شامل يتضمن العلاقات الاجتماعية الأساسية، وكذلك التعاقد السياسي، والمعاملات الاقتصادية، ثم الإنتاج الفكري الفلسفي والأدبي. وانبثاق هذا الفعل ليس فجائيا وليس أحادي البعد، بل هو صيرورة انضاف فيها البعض إلى البعض لينتج عن ذلك ظاهرة تاريخية واجتماعية وإنسانية معقدة تستعصي على التعريف. وبذلك حتى وإن ارتبطت بقارة بعينها فهي تتجاوز ذلك المجال إن فحصناها كروح وكحس، وكأسلوب حياة، لتتخذ دلالات لا ترتبط بمكان ولا بزمان، وإنما بخصائص متى وجدت واشتغلت أمكن أن نتحدث عن الحداثة، أو حتى عن حداثات.

لذلك أقترح الدخول إلى فعل التحديث من خصائص الحداثة المركزية: النقد والحرية والعقلانية والفردانية.

أبدأ بالنقد لأن الحداثة انطلقت من قراءة التراث الفكري اليوناني، ومحاولة القطع معه، سواء على مستوى تصور الكون أم الإنتاج الفلسفي، أم القواعد العلمية والمنهج. وبذلك تظافرت جهود مفكرين من أجل نقد أرسطو أمثال غاليلو ونيوتن وديكارت، ثم فلاسفة العقد الاجتماعي والأنوار: لوك وهوبز وروسو وديكارت، وكانط وغيرهم.

فيما يخص الحرية فلا يمكن فهم الحداثة سوى إذا استحضرنا على أنها نضال صيروري تحرري ينزع نحو الخروج تحت أي وصاية اجتماعية أو سياسية، عكس ما كان عليه الأمر في النظامين العبودي والفيودالي الكنسي، وذلك من أجل أن يكون هناك معنى للوجود الإنساني والاجتماعي المبني على الفعل والفعالية ذات القصد، وأيضا من أجل المسؤولية وفق قيم قواعد الاجتماع. لقد أدرك الانسان مع الحداثة أن الكرامة لا معنى لها بدون الحرية.

الحرية مرتبطة بالوجود الشخصي الفردي الذي يجعل الانسان لا يكون تابعا لا لقبيلة ولا لكنيسة ولا لطبقة، وإنما لنواياه وأفعاله فحسب، فردانية تجبره على الفعل المسؤول من أجل ذاته ومن أجل الجماعة وفق قواعد وتعاقدات تلزم الجميع.

أما بالنسبة لبعد العقلانية للحداثة فهو ينبئ عن اقتناع الانسان الحداثي بأهمية العقل وفق غايات واضحة ومعدة سلفا، ووسائل محددة تهيأ من أجل الوصول إلى تلك الغايات، وذلك بالابتعاد عن الفعل غير المنظم من جهة، ونزع السحر عن العالم حتى لا تتدخل فيه قوى علوية أو سفلية من جهة ثانية، العقلانية هي التدبير المنظم الذي يستفيد من التعلم والتراكم والأخطاء واستشراف الأفضل.

الحداثة بالمبادئ التي ذكرناها تكاد تكون استيقاظا للإنسان من غفلة أجبرته عليها ظروف اجتماعية وتاريخية ومستوى المعارف والعلوم.

كلمة في المنهج

المقاربات التي تتناول الحداثة والتحديث عندنا متنوعة ومتغيرة، لكن يمكن إجمالها من حيث التوجه في مقاربتين كبيرتين: الأولى معيارية دعوية تناضل من أجل إرساء قيم ومبادئ الحداثة في الفكر والسياسة، ويمثل هذه المقاربة مفكرون أفذاذ لعل أهمهم عندنا الأستاذين عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري، الأول يركز على دور الدولة والحرية وضرورة تبني التجربة الأوروبية، في حين يركز الثاني على العقلانية ضد التصوف مستلهما بعض التجارب الفكرية الفرنسية لعل أهمها كانط وفوكو، وكذلك بعض الوجوه التراثية ولعل أهمها أيضا ابن رشد.

المقاربة الثانية تنحو نحو العلم معتمدة على الملاحظة والتقرير مبتعدة عن المعيارية، وهي التي أتبناها هنا، والتي لم تأخذ لسوء الحظ ما يكفي من الزخم حتى نفحص بالحياد المنهجي الكافي ظاهرة التحديث وكيف دخلت إلى مجتمعنا التقليدي، وربما فهمنا لاحقا حتى من طبيعة التحديث نفسها التي لم تكتمل بعض انحسار هذه المقاربة التي هي نفسها حداثية وتحتاج إلى مناخ اكتمال التحديث…

الذي يهم علميا هو التساؤل حول كيفية دخول التحديث القسري إلى المجتمع التقليدي؟ ماهي آليات اشتغال ذلك؟ وما هي المقاومات التي جعلته، أي التحديث، يتعثر؟ إن لم نقل يخفق، وذلك في أفق تجاوز التاريخانية التي لا تلتفت إلى الوقائع بقدر ما تلتفت إلى الغايات، مع الحذر من المزالق الكليانية التي يمكن أن تسقط فيها المشاريع الدعوية الفلسفية سواء ادعت العقلانية مع محمد عابد الجابري أم السلفية مع طه عبد الرحمن أم التاريخانية مع عبد الله العروي.

بعد هذا التصنيف، أريد أن أنبه منهجيا إلى أن الأيديولوجيا، الدعوة هنا، لا يمكن القفز عليها، لكنها مدعوة إلى الانصات إلى الاجتهادات العلمية التي تتقدم باستمرار، والأخذ بعين الاعتبار المستجدات الاجتماعية والسياسية، وتقدم أدوات الفهم والتحليل.

مما سبق سأتناول التحديث ليس كبنية فوقية وإنما كبنية تحتية بالمفهوم الماركسي الموسع، بمعنى محاولة تجاوز البحث الفكري والذهني المقتصر على الإنتاج المدون livresque نحو التحديث كأداة ارتبطت منذ الميلاد بالقوة والعنف مع الاستعمار، وهو العلة الكبرى للمقاومة التي تشكلت ليس كانفعال ورد فعل فحسب، بل كدفاع عن الهوية ومقوماتها التي ليست سوى التقليد كآلية أولى صلبة مقاومة للتحديث العنيف، وذلك على كل المستويات، الذهنية والفكرية، وفي أساليب الإنتاج والسياسة والحياة اليومية.

من هنا نفهم لماذا مراوحة التحديث للمكان والصبغة المتاهية التي ارتبطت به على الدوام.

ما قبل التحديث الكولونيالي

لا يمكن فهم ماذا حدث أثناء دخول الاستعمار إلى المغرب إلا باستحضار الفاعلين السياسيين والاجتماعيين الأساسيين في بنية عتيقة تنتج التقليد رغم بعض محاولات النهوض من طرف مخزن منهك بسبب سياسة معاقبة القبائل داخليا وخارجيا بأطماع الاستعمار الأوروبي.

نحن أمام مجتمع تآكل بحكم قرون من شبه عطالة مسته في العمق بنيويا حتى لم يتبقى منه سوى شبه مجتمع يعيش على معارف عملية عتيقة، وعلى الدفاع المستميت على الهوية. حتى ديمغرافيا لم يكن حجم المجتمع المغربي كافيا لينهض في أي اتجاه، ومن ثم استحالة مقارنته بمجتمعات أخرى نهضت مثل اليابان وتركيا.

قبل الاستعمار كان الفاعل السياسي الرئيس في المغرب هو المخزن كحكامة عتيقة مبنية على شرعية وقيم الدين التي تتصرف وفق الشريعة الإسلامية عبر القضاة والعدول، والتأديب عبر الحركات الانتقامية نحو القبائل التي تمتنع عن أداء الضرائب، وذلك في غياب جيش نظامي وإدارة تنفذ القوانين وتسن المساطر، وكذلك غياب جهاز أمن يرد الحق إلى صاحبه.

أمام هذا الفراغ الحكامي الكبير للمخزن اشتغلت القبائل بحكامة أخرى ناجعة هي أعراف ملائمة مبنية على المساواة، مع حق الأقوى بعدد الفرسان والجياد والعتاد.

اقتصاديا بقي النشاط شبه طبيعي عبر الرعي في الجبال والبراري، والزراعات المسقية في الواحات والأودية، والبورية في السهول والهضاب، فتمر عليه سنوات سمان عندما تغدق السماء، وعجاف وأوبئة عندما يحل الجفاف.

التحديث الكولونيالي

دخل الاستعمار إلى المغرب تحت الشعار السياسي والعسكري المعلن: التهدئة، ورافقته شعارات أيديولوجية أخرى مثل التحديث والعصرنة والمرافقة من أجل تجاوز التخلف التاريخي نحو الحضارة وإعادة النظام واستتباب الأمن، وخلق من أجل ذلك أدوات كان يفتقر إليها المخزن من إدارة وجيش وقوانين ودرك، وحتى مجالس منتخبة في بعض المدن. كل تلك الشعارات كانت تحاول إخفاء غايات حقيقية هي الاستلاء على خيرات البلاد، ومن أجل نجاح ذلك خلق آليات وأدوات تساعد على ذلك، ولعل أهمها كان القضاء على حيوية القبيلة ككيان سياسي وعسكري فاعل يمثل البعد المتحرك محليا ضد أطماع القبائل المنافسة أو ضد رجال المخزن من قواد وإقطاعيين يهددون تماسك القبائل وتعبيرها عن مصالح العشائر والفخذات.

من أجل ذلك خلق المستعمر الآلية الأولى من أجل تحييد دور القبيلة السياسي وإحالتها إلى كيان إداري ترابي بسياسة:

التوطين territorialité

التي تجلت في مجموعة من الإجراءات، لعل أهمها وضع الحدود بين مجالات القبائل الرعوية لأول مرة في تاريخ المملكة، وهي السياسة التي نقلت المغربي الراعي والمنتجع المالك لقطعان ينقلها حسب الفصول والتساقطات، وبمنطق القوة المبني على بأس الفرسان نحو السكن المقيم. أما ثاني الآليات فقد تجلى في بناء قرى ومدن صغرى ومتوسطة كظاهرة جديدة أيضا في تاريخ المجتمع المغربي، وذلك ليس في أفق التحديث والتمتع برفاهية المدينة، وإنما من أجل تسهيل المراقبة وإدارة المغربي عن قرب وإحصاء أنفاسه بتعيين قياد إداريين موظفين براتب شهري لأول مرة أيضا، وإلى جانبه لمساعدته ترسانة من العملاء المنفذين للأوامر والمراقبين للناس والمبلغين عنهم.

إلى جانب القايد والأعوان الذين حلوا محل الجماعة التقليدية المنتخبة قامت السلطات الكولونيالية بتأسيس محاكم عرفية تبدو ديمقراطية في الظاهر لكنها مستبدة في المضمون أمام اعتمادها على الأعيان الذين خلقتهم أيضا كفاعلين سياسيين لأول مرة، وبذلك زرعت مأسسة الرشوة والفساد الذي لم يبرأ منه المجتمع المغربي لحد الآن.

ثاني ألية استعملتها السلطات الكولونيالية “لتحديث المغرب” هي المدرسة، وعلى اختلاف مع آلية السلطة المباشرة والشاملة والتي ارتكزت منذ البداية على المراقبة والعقاب، والعمل على تغيير البنية الاجتماعية للمغرب، عملت السلطات الكولونيالية في المدرسة بنوع من المرونة التي يستوجبها التعلم لكن دون التنازل عن أهم مبدأ وهو الصرامة واعتماد طقوس شبه عسكرية معتمدة على الصف من أجل الدخول إلى الفصل، والوقوف للمعلم، ثم المراقبة والعقاب ثانية، بدءا بغربلة من يستحق أن يتمدرس، الذكور قبل الإناث، وأبناء المتعاونين والأعيان قبل عامة الشعب الذي استثنته في بعض الأحيان، ثم تخصيص مدارس لأبناء الأعيان وحدهم يستطيعون تجاوز التعليم الابتدائي، أما التحديث المقصود فهو صناعة مدارس يتخرج منها موظفون صغار منفذون من كتاب الإدارات والمحاكم ومعلمين لأدنى المستويات، وتقنيين يصلحون في الزراعة، والملاحة في المدن الشاطئية، مع تعليم المهن من نجارة وحدادة وغيرها.

أما بالنسبة للمواد المدرسة فقد كانت تعتمد اللغة الفرنسية بالدرجة الأولى، ثم مبادئ الحساب البسيط والعلوم الطبيعية من أجل إعداد يد عاملة مؤهلة وعقلانية يحتاجها المعمرون، أما مضامين المناهج فقد اهتمت بتاريخ وحضارة فرنسا مع الالتفات الفلكلوري الساخر للثقافة والحضارة المغربيتين.

المدرسة التي هي الموطن الأصلي للتحديث لم تفعل سوى أن نزعت الطفل من هويته الأولى في الأسرة وقيمها الدينية نحو قيم ليبرالية هجينة تقوي الفردانية المشوهة نحو تفكك الأسرة الممتدة وبداية النووية، وما تبع ذلك من تفكك الروابط الاجتماعية وقيم التضامن والتآزر التقليدية دون بدائل حقوقية تحمي المواطن الذي نزعت منه الحماية الاجتماعية التقليدية دون أن تهب له الحداثية.

الصحة والمصالح التقنية

كما فعلت السياسة الكولونيالية في الإدارة والمدرسة حاولت تطبيق شعاراتها “التحديثية” تقنيا في الزراعة بتجديد أساليبها بإدخال التسميد الكيماوي واصطفاء البذور، والحرث بالجرار والعمل المأجور، لكن لم يكن كل ذلك سوى الوجه المجمل الذي يخفي القبيح الذي يتجلى في العودة القهقرى إلى الإقطاع ومساندة المعمرين بحمايتهم وبانتزاع الأراضي الفردية والجماعية، بل وخلق أسلوب مستجد للإنتاج سماه بول باسكون بالقائدي، عند ظهور قواد كبار يذكرون بالقرون الوسطى الأوروبية. ثم تغيرت طبيعة الزراعة المغربية كلية بخلق مزروعات جديدة توافق ذوق المتربول مثل البواكر والحوامض بعيدا عن التغذية الوطنية العريقة المبنية على القمح الصلب.

أما بالنسبة للصحة فقد وفقت السلطات الكولونيالية في بناء مستشفيات ومستوصفات في كل مكان من أجل تغيير مسار البنية الديمغرافية نحو مغرب يستطيع أن يستقبل الاستثمارات الليبرالية الكبرى مثل السكك الحديدية؛ والسدود؛ وبناء الطرق والقناطر؛ والموانئ، وأفادت كثيرا في هذا المجال بتوجيه الناس نحو الوقاية بالنظافة والتلقيح والعلاج العقلاني. ورغم ذلك فقد كان الأمر يتم دون دراسات كافية يتصرف الفعل وفقها في إطار فهم وتفهم عقلية المغاربة وثقافتهم وتمثلهم للجسد وإمكانية إدماج العلاج التقليدي.

نتائج

لقد كانت تبعات التحديث الكولونيالي في المغرب سيئة للغاية. نزعت حق الإرادة والمبادرة من الانسان المغربي ليصبح في بنيته الذهنية محتقرا لذاته ولقواه الطبيعية والعقلية، واستمر الأمر إلى عصاب اجتماعي مازال المجتمع يعاني منه لحد الآن، وفق انحرافات سلوكية تتجلى في الانتهازية والاتكالية، وعدم القدرة على مقاومة الفساد، بل عكس ذلك الدخول معه في مفاوضات أرست مأسسته.

 وحتى تبقى الذات ضعيفة وذليلة قوت السياسة الكولونيالية وبعدها ما يسمى بالوطنية تشجيع العتاقة واعتماد قيمة ليس هناك أفضل مما كان، الأمر الذي تجلى في مختلف السلفيات الدينية والفكرية والسياسية.

كل ذلك من أجل تبعية اقتصادية عضوية تهيؤها وتزكيها وتؤبدها ثقافة عقيمة لا تخدم سوى مصالح المتربول وخدامها المحليين.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات