من المسيرة الخضراء/ أرشيف
مدة القراءة: 5′
تواجد الاحتلال الإسباني في الصحراء منذ سنة 1883، ومع جلاء الاحتلال الفرنسي عن المغرب سنة 1956، بدأ المغرب يطالب باستعادة الصحراء.
وفي 23 شتنبر من سنة 1974 تقدم المغرب بملف إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتبدي رأيا استشاريا، لتعزيز مطالبته بحقوقه التاريخية في الإقليم. وفي 16 أكتوبر من سنة 1975، أعلنت المحكمة قرارها الذي نص على وجود علاقات تاريخية بين الصحراء الغربية من جهة والمغرب وموريتانيا من جهة ثانية. كما نص على وجود علاقات تبعية وروحية، ودينية بين بعض قبائل المنطقة وسلطان المغرب.
وفي ذات اليوم الذي أعلنت فيه المحكمة قرارها، وجه الملك الحسن الثاني خطابا إلى الشعب المغربي، أعلن فيه عن تنظيم مسيرة خضراء سلمية لاستعادة الصحراء، وركز الملك الراحل على السلمية في عدد من خطاباته، كما أبرزت الدبلوماسية المغربية ذلك في العديد من المحافل الدولية.
وبعد أسبوع واحد من إعلان تنظيم المسيرة الخضراء وجه الملك الحسن الثاني، خطابا إلى سكان الصحراء، ذكرهم فيه بروابطهم مع المغرب، وبالبيعة الموجودة في عاتقهم للعلويين.
وفي الخامس من نونبر 1975، أعلن الملك الراحل عن انطلاق المسيرة الخضراء، وهو ما استجابت له حشود غفيرة من المغاربة، حيث اجتمع في مدينة طرفاية حوالي 350 ألف شخص، وفي 6 نونبر عبروا الحدود التي كانت تضعها إسبانيا، دون أن تسجل أية صدامات.
وبعد ثلاثة أيام، خاطب الحسن الثاني المغاربة مرة أخرى، معلنا نجاح المسيرة الخضراء، ومفسحا بذلك المجال أمام المفاوضات مع إسبانيا.
المسيرة الخضراء والبوليساريو
وكان للمسيرة صدى كبيرا على المستوى العالمي، كما أن تأثيرها وصل إلى تندوف جنوبي غرب الجزائر، التي تحتضن جبهة البوليساريو التي تطالب بتأسيس دولة مستقلة في منطقة الصحراء.
وقال المحجوب السالك زعيم تيار “خط الشهيد” المعارض لقيادة جبهة البوليساريو، في حوار مع موقع يابلادي، إن قيادة جبهة البوليساريو كانت متأكدة قبل تنظيم المسيرة الخضراء، وبضمانات إسبانية من إجراء استفتاء لتقرير المصير في الصحراء، وعلى هذا الأساس “عقدت لقاءات بين الوالي ووزير الخارجية الاسباني في الجزائر، وعقدت لقاءات أيضا بين الوالي والحاكم الإسباني في المحبس، ثم سمح بعد ذلك لبعض القياديين في البوليساريو بزيارة الصحراء، كمت سمح أيضا للبوليساريو بتسيير المدن التي خرجت منها إسبانيا مثل المحبس وتفاريتي وأمغالا والكلتة وبير كندوز وأوسرد…”.
وواصل قائلا إن البوليساريو اعتقدت “أن إسبانيا ستقوم بإجراء استفتاء تقرير المصير، لكن في الحقيقة إسبانيا كانت تتماطل من أجل تحرير 17 من مواطنيها كانوا معتقلين لدى البوليساريو ومعظمهم من أبناء العائلات المؤثرة في مدريد”.
وأَضاف أنه “بالفعل أطلقت إسبانيا أسرى البوليساريو مقابل ذلك أطلقنا نحن الأسرى الإسبان. إثر ذلك تغير الموقف الإسباني وبدأت المفاوضات مع المغرب”.
وعن تأثير المسيرة الخضراء على قيادات جبهة البوليساريو قال “المسيرة الخضراء أثارت انتباه العالم لأنها كانت فكرة عبقرية، لما كانت المسيرة الخضراء تجري في واجهة العيون، بدأت المناوشات العسكرية بين البوليساريو والمغرب في 31 أكتوبر في نواحي حوزة وجديرية، لكن العالم لم يكن يتكلم آنذاك سوى عن المسيرة الخضراء”.
ومن نتائج هذه المسيرة يضيف السالك “توقيع اتفاق بين المغرب وإسبانيا في 14 نونبر لتقسيم الصحراء بين المغاربة والموريتانيين، وذلك ما أثر فينا كثيرا، لأننا فهمنا أنه لا المغرب يريدنا ولا موريتانيا تريدنا، بل كل ما يريدونه هو ثروات الصحراء، لذلك قسمونا كقطيع غنم من دون استشارة، وهذا ما دفع الكثير من الصحراويين للانضمام إلى البوليساريو لأنهم اعتبروا ما وقع احتقارا لهم . والجزائر استغلت العملية للدعاية أيضا”.
بدوره قال البشير الدخيل، الذي يعتبر من بين مؤسسي جبهة البوليساريو في حوار مع يابلادي “كان للمسيرة الخضراء تأثير كبير داخل المخيمات لأنها، كانت هي العنصر البارز في سنة 1975، رغم أنها تزامنت مع الأخطاء الفادحة التي قامت بها الدولة المغربية (…) وهي الأخطاء المتعلقة بحقوق الإنسان وبسلامة الناس”.
وواصل حديثه قائلا “المغرب اعترف بأخطائه وهذا أمر مشجع، في الوقت الذي لا زال فيه الطرف الآخر لم يعترف أنه بدوره أساء إلى الصحراويين وسجنهم وقتلهم، وعبد العزيز (زعيم البوليساريو الراحل) بنفسه، أقر في المؤتمر الثامن بأنه تم قتل 54 صحراوي، وقال إنهم قتلوا نتيجة الأخطاء وهم شهداء”.
إعلان جمهورية البوليساريو
وبالتزامن مع جلاء آخر جندي إسباني في 27 فبراير 1976، أعلنت جبهة البوليساريو قيام ما أسمته “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم من الجزائر وليبيا.
واعتبر البشير الدخيل قرار جبهة البوليساريو في 27 فبراير من سنة 1976، قيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، واعتبر أن هذا القرار كان “خطأ فادحا” وقال “مطالبة جبهة البوليساريو بإجراء استفتاء تقرير المصير، يعني أنه يمكن أن تكون الصحراء الغربية دولة كما يمكن أن لا تكون دولة”، وتساءل “فكيف تقول الجبهة أنا تتوفر على دولة الآن؟”.
وأضاف “عندما تكون الدولة موجودة لا يجوز الحديث عن تقرير المصير” وتابع أن “دولة” البوليساريو تطالب بتقرير المصير، أي أنها “هي بنفسها غير مقتنعة بأنها دولة”.
وأوضح أن الهدف من إعلان قيام الجمهورية، كان هو إقحام إفريقيا في النزاع، وإعطاء “انطباع أن هناك شرعية معينة وأن البوليساريو هو الممثل الشرعي والوحيد، والشرعية يمنحها الشعب والشعب لم يصوت عليهم، وعندما تقول أنا الممثل الوحيد تعترف أنك كرئيس كوريا الشمالية، وهذا اعتراف على أنك ديكتاتوري”.
أما المحجوب السالك فقال إن فكرة إعلان قيام الجمهورية من جانب واحد “كانت فكرة أحمد بابا مسكة رحمة الله عليه والوالي مصطفى السيد اقتنع بها وأقنع بها القذافي وأقنع بها الجزائر أيضا، ففي الوقت الذي أعلن فيه الوالي قيام الجمهورية في مخيم بير طولات كان نفس الخطاب والكلمات تذاع على التلفزة الجزائرية والليبية”.
ودخل المغرب بعد ذلك في حرب مع جبهة البوليساريو استمرت إلى حدود توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991.