رغم أنه وسيط يُفترض فيه “الحياد”، لعب المبعوث الأمريكي الخاص آموس هوكشتاين، خلال مسيرته السياسية، لا سيما في المفاوضات مع لبنان، دور “ممثل إسرائيل”، فسعى إلى تمرير أهدافها وتعزيز مصالحها.
“هوكشتاين” الذي يصفه إعلام عبري بأنه “إسرائيلي يرتدي قبعة أمريكية”، لم يعد يضع “القلنسوة” اليهودية، رغم اعتياده عليها خلال نشأته بإسرائيل، التي وُلد فيها، وخدم بجيشها، وما زالت تحتضن عائلته.
وعقب تصريحه في 20 نوفمبر الجاري، بوجود “تقدم إيجابي” بمفاوضات وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب الله”، شنّت تل أبيب غارات جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت تسببت في تدمير عدد من المباني.
وتقول الولايات المتحدة، الحليف الأوثق لإسرائيل، إنها تتوسط للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين تل أبيب و”حزب الله”، وإنهاء الحرب الإسرائيلية المتواصلة على لبنان منذ 23 سبتمبر الماضي.
غير أنّ مَيْل وانتماء هوكشتاين لإسرائيل التي تشنّ الحرب، وأمريكا التي تقدم لها الدعم المطلق، يشكك في إمكانية تحقيقه اتفاقات منصفة للبنان، لا سيما أن تاريخ الرجل دليل على مستقبله.
من هو هوكشتاين؟
ولد آموس هوكشتاين، بمدينة القدس المحتلة، في 4 يناير 1973، لأبوين مهاجرين من الولايات المتحدة، حسب تقرير لموقع “بحادري حريديم” العبري الخاص، نشره في أكتوبر 2022.
أتمّ هوكشتاين، تعليمه الأساسي بمدارس إسرائيلية في القدس، قبل أن يلتحق عام 1987 بمدرسة “نتيف مئير” الثانوية الدينية، ثم ينتقل منها إلى مدرسة “هارتمان” الدينية، في المدينة نفسها.
وبحكم نشأته في إسرائيل، أتقن “عاموس” اللغة العبرية، واندمج بسهولة في المجتمع الصهيوني الديني، ورغم أنه لم يكن متفوقا دراسيا، نشط بين أقرانه، وفي مجتمعه بالقدس.
وعقب إنهاء دراسته، خدم هوكشتاين في سلاح المدرعات بالجيش الإسرائيلي بين 1992 و1995، ما يعني أن سنوات خدمته الثلاثة كانت خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان (1982-2000).
كما تزامنت سنوات خدمته مع “حرب الأيام السبعة” على لبنان، التي بدأتها إسرائيل في 25 يوليوز 1993 وانتهت بعد أسبوع، دون أن تحقق أبرز أهدافها الذي تمثل في “تدمير قدرات حزب الله”.
وبعدما قضى 20 عاما من حياته في إسرائيل، سافر هوكشتاين إلى الولايات المتحدة، ساعيا إلى “الحلم الأمريكي” في موطن والديه الأول، دون أن ينسى اصطحاب انتمائه وتدينه.
عائلة يهودية متدينة
عُرف عن آموس هوكشتاين وعائلته انتماؤهم وارتباطهم القوي باليهودية، فشاركوا في كثير من الأنشطة الدينية والاجتماعية بإسرائيل، سواء عبر تقديم التبرعات، أو الحضور الفعّال بأنفسهم.
والده “ميكي”، رجل أعمال ترأس مجلس إدارة مدرسة البنات الدينية “بليتش”، فيما نشطت والدته “سوزان” بمنتدى النساء المتدينات “كولخ”، وشاركت في مشاريع تعليمية، وحصلت على لقب “حبيبة مدينة القدس”.
خلال مراهقته “مشّط هوكشتاين شعره على جانبه، واعتمر قلنسوة صوفية صغيرة”، وكان “مثالا لفتى تقليدي في حركة بني عكيفا (شبابية صهيونية دينية تأسست عام 1929)”.
ورغم انتماء والديه في الأساس إلى الجنسية الأمريكية، فما زالا يتمسكان بالإقامة في حي رحافيا، وسط القدس المحتلة. وعادة ما يزورهما هوكشتاين خلال رحلاته المتكررة إلى إسرائيل.
يُعرّف هوكشتاين نفسه بأنه “يهودي أرثوذكسي حديث”، لذا فقد كوّن أسرة تحمل الأفكار نفسها، فتزوج الناشطة في الاتحادات اليهودية الأمريكية جولي راي رينجل، عضوة هيئة التدريس بجامعة “جورجتاون” الأمريكية.
وفي منزل هوكشتاين وراي وأطفالهما الأربعة بالعاصمة الأمريكية واشنطن، حرصا على إظهار تدينهما، فأسسا مطبخهما بطريقة “الكوشر”، التي تضع شروطا عدة، ليكون المكان متوافقا مع تعاليم الشريعة اليهودية.
وطالبت راي، شركة “Bowa” الأمريكية، التي أعادت تصميم منزلهما، بمراعاة أنهم “عائلة متدينة، مطبخهم الكوشر، ليس قلب المنزل فحسب، بل مكان مركزي يجمع الأسرة في العطلة الأسبوعية”.
اندماج سياسي سلس
انتقال آموس هوكشتاين، إلى واشنطن “جرى بسلاسة”، كما “اندمج بسرعة، وأصبح عضوا بارزا في فريق الحزب الديمقراطي بلجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ”، حسب موقع “بحادري حريديم”.
حياته السياسية في واشنطن، بدأت فعليا في عام 1994، كمتدرب في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، ثم شغل منصب مدير السياسات والموظفين باللجنة حتى 2001.
وفي مشهد يُظهر انطلاقه سياسيا من انتمائه الديني، حكى الموقع أن هوكشتاين “جلس مع 25 مندوبا يهوديا على الأرض خلال مؤتمر للحزب الديمقراطي (2005)، وقرأوا معا سفر مراثي إرميا (من العهد القديم)”.
ووصف هوكشتاين تلك اللحظة، بأنها “تجربة مؤثرة لم يتوقعها”، مشيرا إلى أنه “لا توجد دولة أخرى في العالم، يدمج فيها المندوبون في مؤتمر الحزب قراءة نص ديني في فعاليات المؤتمر”.
وبسبب نشأته في إسرائيل، عادة ما يُتهم هوكشتاين بانحيازه سياسيا لها، ما دفع متحدث بوزارة الخارجية الأمريكية للتصريح لصحيفة “لوريان توداي” اللبنانية، في 5 نوفمبر 2021، أن هوكشتاين “ليس مزدوج الجنسية”، دون توضيح.
بين الضغط والسياسة
خلال مسيرته السياسية، تكرر دخول هوكشتاين للإدارة الأمريكية بوصول الديمقراطيين للبيت الأبيض، والخروج منها بفوز الجمهوريين، ليتوجه في كل مرة للعمل بالقطاع الخاص.
في التسعينيات، كانت أولى مهامه مع الديمقراطيين، السفر للعاصمة العراقية بغداد، للتفاوض على رفع عقوبات أُقرت في 1991 على نظام الرئيس الراحل صدام حسين، مقابل استضافة آلاف الفلسطينيين من اللاجئين المقيمين في لبنان.
وبالتزامن مع وصول الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن للحكم (2001-2009)، توجه هوكشتاين للعمل بالقطاع الخاص، وشغل منصب نائب رئيس شركة “كاسيدي وشركاؤه” وهي من أكبر لوبيات الضغط الأمريكية.
وفي عهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما (2009-2017)، التحق هوكشتاين بالإدارة الأمريكية، لكن الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ رفضت تعيينه مساعدا لوزير الخارجية لشؤون الطاقة، قبل أن يُعيّن بالفعل في 2011.
وخلال عمله بالإدارة الأمريكية قويت علاقته مع نائب الرئيس (آنذاك) جو بايدن، وبحلول عام 2014، عيّنه أوباما مبعوثا خاصا لشؤون الطاقة بوزارة الخارجية، فقاد وساطة لتوقيع صفقة بيع الغاز الإسرائيلي للأردن.
بوصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب للسلطة في 2017، غادر هوكشتاين الإدارة الأمريكية مع الديمقراطيين، وتوجه للعمل في مجال الغاز والطاقة، بالقطاع الخاص.
وحتى عام 2020، شغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لشركة الطاقة الأمريكية “تيلوريان”، كما عمل في شركة أوكرانية للغاز، قبل أن يستقيل منها بعد 3 سنوات، وينشر مقالا يدّعي فيه وجود فساد فيها.
“رجل بايدن”
بمجرد إعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة في 6 نوفمبر 2020، كتب هوكشتاين، عبر منصة إكس (تويتر حينها): “الرئيس بايدن، اليوم أنقذنا بلدنا والعالم حقا، شكرا لك”.
ومع تسلمه السلطة، اختاره بايدن ضمن إدارته، ورغم رغبته في تعيين هوكشتاين سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل، انتهى به الأمر إلى تعيينه في 2021، مستشارا أولا لأمن الطاقة بوزارة الخارجية.
وبالتزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، في فبراير 2022، عينه بايدن “منسّقا رئاسيا خاصا”، فحلّق إلى وجهات عدّة حول العالم، لضمان استقرار إمدادات الطاقة وتخفيف تأثيرات الصراع.
الثقة التي نالها هوكشتاين، دفعت وسائل إعلام إلى إطلاق عليه لقلب “رجل بايدن”، ما أهله لأن يستعين به في مهام أكبر، لا سيما بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، وتركزت جهوده فيه على قطاع الطاقة.
وفي كل اجتماعات بايدن مع دول الشرق الأوسط، كان هوكشتاين حاضرا، ومنها الاجتماعات مع قادة السعودية، والإمارات، ومصر، والعراق، ولبنان، إضافة إلى قادة موطنه الأول “إسرائيل”.
حدود لبنان وإسرائيل
امتنع هوكشتاين عن التحدث بالعبرية في مفاوضات الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان “لتعزيز الحياد”، حسب تقرير لصحيفة “ماكور ريشون” العبرية الخاصة، نشرته في 7 أكتوبر 2022، ورغم ذلك فقد سعى لتمرير مصالح إسرائيل.
وقاد هوكشتاين، بصفته منسقا رئاسيا خاصا بالطاقة، الوساطة الأمريكية بين لبنان وإسرائيل، التي انتهت بتوقيع وثيقة اتفاق في 27 أكتوبر 2022، وصفها حينها الرئيس بايدن بـ”التاريخية”.
وبموجب الاتفاق، حصلت إسرائيل على حقل “كاريش”، ومُنح لبنان حقل “قانا” الذي يمتد جزء منه للمياه الإسرائيلية، مع التزام بيروت بتعويض تل أبيب عن أي عائدات قد تنتج عن الجزء الإسرائيلي من الحقل.
وقبيل التوقيع، كشف هوكشتاين عن حقيقة موقفه، وقال في مقابلة مع موقع “ماكو” العبري الخاص، في 13 أكتوبر 2022، إن “الاتفاق لا يتعلق بالسياسة، بل بتوفير الأمن الكامل لإسرائيل في المياه السيادية”.
ورغم احتياطات الغاز المؤكدة في حقل “كاريش” الذي حصلت عليه إسرائيل، أكد هوكشتاين أنها “لم تتنازل (في الاتفاق) عن أي غاز أو موارد، فالحقل المتنازع عليه (قانا) لم يُحفر مطلقا، ولا نعرف حتى إن كان يحتوي غاز”.
هذا الحرص على مصلحة إسرائيل، دفع صحيفة “هآرتس” العبرية الخاصة، للقول إنه بعد “استقرار هوكشتاين في الولايات المتحدة، عاد في السنوات الأخيرة إلى الشرق الأوسط مرتديا قبعة أمريكية”.
ووصفته الصحيفة العبرية، في 21 أكتوبر 2022، بأنه “إسرائيلي، مقدسي، وجندي في طاقم دبابة”، وعن جمعه بين انتماءين قالت: “يستيقظ إسرائيليا في الصباح، ثم يتذكر أنه وسيط أمريكي”.
العدوان على لبنان
وبعد تحقيقه مصالح إسرائيل في اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان، زار هوكشتاين بيروت مجددا في غشت 2023، لتقييم إمكانية إجراء مباحثات لترسيم الحدود البرية بين الجانبين، لكن عطلتها الحرب.
واندلعت اشتباكات مع فصائل في لبنان، أبرزها “حزب الله”، غداة شن إسرائيل حرب إبادة جماعية على قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، أسفرت عن مقتل وإصابة نحو 148 ألف فلسطيني.
ووسّعت تل أبيب نطاق الإبادة، منذ 23 سبتمبر الماضي، لتشمل معظم مناطق لبنان بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية، كما بدأت غزوا بريا في جنوبه، ما أسفر عن مقتل وإصابة نحو 19 ألف لبناني.
وقبيل توسيع إسرائيل حرب الإبادة، وصفت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية الخاصة، في 17 يونيو الماضي، هوكشتاين، بأنه “إسرائيلي، يتواصل بشكل وثيق مع حزب الله”، لمحاولة منع تصاعد الصراع.
وبالتزامن مع وصول هوكشتاين بيروت، في 18 نوفمبر الجاري، تساءلت صحيفة “البناء” اللبنانية (خاصة)، عن حقيقة وجود “ضمانات حصل عليها الكيان (الإسرائيلي) من واشنطن” خلال المفاوضات مع لبنان.
ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام (حكومية)، عن “البناء”، أنه إن صح ما تردد فإنه يعد “التزاما أمريكيا منافيا لدور الوساطة، إلى حد الانحياز للكيان على حساب الحياد المطلوب فيما يخص دور الوسيط”.
ويثير انحياز هوكشتاين لإسرائيل وعدوانها المستمر، قلقا في لبنان من احتمال فرض شروط مجحفة على بيروت، لاسيما ما يتردد عن مطالبة تل أبيب بمنحها حرية التحرك عسكريا في لبنان، للرد على انتهاك لأي اتفاق لوقف إطلاق النار.
وبمجرد مغادرة هوكشتاين بيروت إلى تل أبيب، في 20 نوفمبر، شنّت إسرائيل غارات جوية على جنوب العاصمة اللبنانية، عقب ساعات من تأكيده وجود “تقدم في المفاوضات”، وبعد يوم من قوله إن “الحل أصبح قريبا”.