قال نبيل بعبد الله الأمين العام لحزب “التقدم والاشتراكية” إن المغرب بدون شك عرف طفرة إصلاحية هامة أساسا في منتصف التسعين، مشيرا أنه في تلك الفترة ولسنوات برزت إصلاحات تنموية قوية في كل المجالات الديمقراطية والاقتصادية والاجتماعية.
وأشار بنعبد الله في الجامعة السنوية التي نظمها الحزب، اليوم السبت بمقره بالرباط، أن كل هذه الإصلاحات كانت محمولة سياسيا، واستندت إلى عمق سياسي وإلى خلفية سياسية ومرجعية حقوقية، وحركها هاجس قوي وقدرة كبيرة على التعبئة الاجتماعية، وتصميم واضح على التوجه نحو دمقرطة البلاد.
وأكد أن عدم الاستمرار في التقدم يؤدي بشكل طبيعي إلى تآكل المكتسبات، واليوم المؤسسات السياسية قائمة وتشتغل، لكن هناك مشكل حقيقي في منسوب الثقة والمصداقية، وفي طبيعة الممارسات ومدى القدرة على خلق التعبئة الاجتماعية، ويجب الإقرار أننا أمام أزمة في العمل السياسي.
السياسة في محنة
واعتبر بنعبد الله أن السياسية بالمغرب في محنة وتعيش وضعا حرجا بشكل يثير القلق والتخوف، فمنذ نهاية العقد الأول من هذه الألفية وعوض الاستمرار في المنحى الإصلاحي، بدأت تظهر ملامح توجه يدفع نحو التحرر من التعاقد السياسي المثمر الذي بدأ في منتصف التسعينات، بمبرر أن القوى الديمقراطية الوطنية ليست مؤهلة ولا قادرة على مواجهة مد الإسلام السياسي، ولا قادرة على دعم العمق التحديثي والإصلاحي.
وأضاف ” عشنا مفارقة عجيبة ظهرت وتصاعدت فيها انحرافات في الحقل السياسي تتنافى تماما مع المبررات التي استند إليها هذا الخطاب الجديد آنذاك، وما قدم على أساس أنه بديل للقوى الديمقراطية والوطنية لم يقم إلا بتقوية هذا المد الذي قيل عنه أنه يتعين مواجهته”.
وسجل أن ما يسر الأمر أمام هذه الانحرافات أن القوى الديمقراطية والمتمثلة في أحزاب الكتلة أساسا، كان رد فعلها خافتا وباهتا، وكان موقفها غير موحد ولا حازما، علما أنه سبق للكتلة أن كان لها مواقف حازمة خاصة في التسعينات من القرن الماضي.
وتابع ” ثم حل حراك 2011 السياسي والاجتماعي ليضطر ذلك التوجه النكوصي إلى التواري مؤقتا وفسح المجال واسعا أمام دستور متقدم جدا، شكل قفزة دستورية ومؤسساتية وديمقراطية وحقوقية، كانت فارقة على المستوى الوطني على الأقل على مستوى النص، وانبثقت بعدها تجربة حكومية اندرجت في هذا السياق”.
وزاد ” ولأن الصراع السياسي مد وجزر ما لبثت أن عادت التوجهات السياسية النكوصية بأشكال مختلفة ملحقة أضرارا بالغة بمكانة السياسة وبأدوار الفاعل الحزبي، وبمصداقية المؤسسات السياسية”.
انكماش الديمقراطية
وشدد بنعبد الله على أن انكماش الديمقراطية وأزمة التمثيلية السياسية ظاهرة عالمية وربما بدرجات أخطر، وهو ما يفسر صعود الحركات اليمينية المتطرفة والشعبوية بما في ذلك في بلدان عظمى.
وسجل أن المغرب يعيش تراجعا غير مسبوق في ثقة المواطنين بالفضاء السياسي والفاعل الحزبي والجدوى من العملية السياسية والانتخابية ككل، بما يمكن تسميته مخاصمة حقيقية بين معظم المغاربة والشأن العام.
وأبرز بنعبد الله أن المغرب يعيش فراغا سياسيا خطيرا لا يمكن سوى أن تملأه تعبيرات عفوية أو متطرفة أو غير مؤطرة رافضة تقريبا لكل شيء.
ولفت إلى أن المؤسسات السياسية لم تعد تقوم بأدوارها كما يجب، وكما ينص على ذلك الدستور، وهي اليوم ليست معززة اليوم بأفضل وأنزه وأكفأ ما يوجد في المجتمع من طاقات، مع تسجيل ممارسات مست بحرية التعبير عموما، وحاولت تطويع الفضاء الإعلامي وفتحت الباب أمام التدخل في شؤون الأحزاب، مع انتشار ظاهرة استعمال العام في الفضاء السياسي والانتخابي بشكل لم يسبق له مثيل، وأدى إلى ولوج واسع للفساد والمفسدين للمؤسسات المنتخبة وإلى الأحزاب السياسية نفسها.
مسؤولية الدولة
واعتبر أن كل هذا وعلى خطورته الشديدة لا يكفي لتفسير المحنة الحرجة التي يعشبها الفضاء السياسي في المغرب، والتي لها أسباب أخرى لا تقل حسما وأهمية، مما يتعين القيام بنقد ذاتي وجماعي موضوعي وشجاع، فلا يجب أن نجد حرجا في الاعتراف الجماعي بأن القوى السياسية الديمقراطية فضلت مخطئة الخوض في قضايا ثانوية وخلافات جانبية، على حساب توحيد الكلمة أمام التناقضات الرئيسية وأمام واجب التصدي لأي مساس بمكانة الفضاء السياسي والعمل الديمقراطي الحقوقي.
وتطرق بنعبد الله إلى مسؤولية الدولة في توفير إرادة قوية ودائمة لأجل تفعيل الدستور بكافة مضامينه، وضمان شروط حيادية للتنافس الشريف والنزيه والمتكافئ حول البرامج والتصورات وتقوية المؤسسات السياسية والحزبية حتى تكون صمام أمان للاستقرار السياسي والاجتماعي، ودافعة عن التجربة الديمقراطية.